في مقابلة خاصة بـ"إيلاف"، يتحدث محمد الغرياني، آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي أسقطته الثورة التونسية، عن علاقته بالرئيس المخلوع ومساهمته في منع الاقتتال أثناء الثورة.


مجدي الورفلي من تونس: في جزء ثانٍ&من حوار تنفرد به "إيلاف" مع محمد الغرياني، الأمين العام السابق لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، حزب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، يؤكد أن بن علي يتحمل المسؤولية عن كثير من الأخطاء التي جرت في عهده، لأنه كان رئيسًا للجمهورية في ظل "نظام رئاسوي" يحتكر السلطات. (للإطلاع على الجزء الأول أنقر هنا)

ويقول الغرياني إن الأحكام القاسية صدرت ضد بن علي لأنه هارب وليس في تونس، "لا علم لي بمشاورات تتحدث عن عودته وقضاء عقوبته في تونس تحت الإقامة الجبرية".

ويؤكد الغرياني أنه ساهم في حقن دماء التونسيين بعد أن أبطل مسيرة لكوادر حزبه يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2011، في نفس المكان الذي تظاهر فيه المعارضون، أي في جادة الحبيب بورقيبة أمام وزارة الداخلية. وقال إن خروج أعضاء حزبه يومها والالتحام بالمعارضين كان سيؤدي إلى كارثة.

وفي ما يأتي متن الحوار:

هل تعتقدون أن حركة النّهضة لم تعد حركة الاتجاه الإسلامي التي اصطدم بها نظام بن علي؟

اليوم، حركة النّهضة حزب سياسي وطني تونسي يتبنّى الديمقراطيّة، ويساهم من منطلقه الفكري في البلاد نحو الأمام، بدليل أن الحركة صادقت على دستور يقرّ حريّة الضّمير وأصبحت تتمتّع بمواصفات الحزب السّياسي التّونسي، ومن حقّها أن تستند في مرجعيّتها الى الدّين. فحتّى في التجارب الديمقراطيّة، توجد أحزاب ذات مرجعيّة عقائديّة، وهذا لا يعني أن نداء تونس يعادي الدّين. الاختلاف يتلخّص في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي وطريقة التّعامل مع الماضي.

التجمعيون مستمرون

ما منعكم من الدّفاع عن التجمّع وحلّه بتلك الطّريقة وانتم أمينه العام؟

استأنفنا الحكم الابتدائي بالحلّ، وحصل خطأ إجرائي يتحمّل مسؤوليّته المحامي. لكن حينها كان هناك قرار سياسي بحلّ التجمّع أكبر من سلطة القضاء، ووقع إيقافي بعد حلّه بيومين، وأتأسف لذلك. لكنّ التجمّعيّين سيواصلون مسيرتهم السّياسيّة، ومساهمتهم في تقدّم البلاد بكل الأشكال، ووفق القانون.

نلاحظ من محاكمات رموز النّظام السّابق أن بن علي تحمّل بمفرده وزر كل التّجاوزات وكان كبش الفداء. ما رأيكم؟

من الطبيعي أن يتحمّل هذه المسؤوليّة. فكل متّهم هارب ستكون الأحكام ضدّه قاسية خصوصًا أن بن علي كان رئيس الدّولة، فيما بقيّة المتّهمين كانوا حاضرين ودافعوا عن أنفسهم. تأخير سنّ قانون العدالة الانتقالية ترك المجال للعديد من الأخطاء، فكيف يحاسب وزير على تنفيذ التّعليمات من النّاحيّة القانونيّة، ولكن من النّاحيّة الثّوريّة يمكن اعتباره مخطئًا؟

هل تعتقدون أن بن علي يتحمّل المسؤوليّة بمفرده؟

كنّا في ظل نظام رئاسي، وبن علي لا يتحمّل وحده كل الأخطاء،&انما له دور كبير، خصوصًا أن الدّستور يمنحه صلاحيّات كبيرة ومفرطة، فتحت الأبواب أمام الانحرافات. وتحوّل الحكم إلى نظام رئاسوي وبالتّالي بن علي كرئيس دولة يتحمل المسؤوليّة الأكبر في التجاوزات. ويعيب البعض عليّ عدم انسحابي إن لم أكن موافقًا على ما كان يحصل، لكن دخول الحمّام ليس كالخروج منه. فالانسحاب كان صعبًا، إلا أن هذا لا يمنع أنّ نتحمّل كقياديين جزءًا من المسؤوليّة السياسيّة، كل بحسب منصبه.

لو قرّرتم الخروج ماذا كان سيحصل لكم؟

المخاطر موجودة وكنت اعمل مع الرّئيس. وفي حال انسحابي كان سيعتبرها خيانة وتكون عقوبتها الموت، ونحن بشر والخوف موجود بداخلنا.

حقنتُ دماء التونسيين

لكنّكم يوم 14 يناير 2011 أعددتم قرابة 600 شخص لمهاجمة المتظاهرين بشارع الحبيب بورقيبة؟

الغاية لم تكن الهجوم، بل كنّا نعدّ لمسيرة تضمّ 20 ألف شخص. ونسّقنا حينها حتى مع أحزاب المعارضة، وبإرادة ذاتيّة مني قرّرت إيقافها بعد استفساري عن الأوضاع بشارع الحبيب بورقيبة، وتجنّبت الصّدام بعد إعلامي بوجود تجمهر آخر بالشّارع نفسه. اتصلت بكل الهياكل لإلغاء المسيرة، وأغلقت باب مقرّ التجمّع على من فيه لمنعهم من الخروج حقنًا لدماء التّونسيّين، ونجحت في ذلك. ولم يصدر منّي خلال فترة الثّورة أي خطاب تحريضي.

في النّظام السّابق، كان التّداخل بين الحزب والدّولة من مظاهر الدّكتاتوريّة وتكريس نظام الحزب الواحد. ما رأيكم؟

أوّلاً، نمط الحكم الذي كان قائمًا على علاقة بين الحزب والدّولة. فحزب التجمّع كان يوفّر كل الطّاقم السّياسي للدولة، ما أدّى إلى تداخل بين الحزب والدّولة. لكن خلال حكم بن علي كان هناك اعتراف بأحزاب معارضة، كانت تستفيد من منح الدّولة. لكن أزمة التمازج بين الحزب والدّولة كانت موجودة مع العلم أن الولاة والوزراء يعيّنون من طرف رئيس الدّولة.

لم نتداول في أي اجتماع داخل الحزب، على الأقل عندما توليّت الأمانة العامة، موضوع التعيينات. كنّا نساهم في الخيارات العامّة وفي توفير المناخ المناسب لنجاح الدّولة، كما كان هناك وزراء لا ينتمون للتّجمّع خلال حكم بن علي.

ليعد بن علي

متى كان آخر اتصال مع بن علي، وما كان فحواه؟

كان ذلك في يوم 12 كانون الثاني (يناير) 2011. كنّا نحضّر لاجتماع اللّجنة المركزيّة وتعرّضنا للوضع العام.

وكان هناك لوم كبير من بن علي عليّ شخصيًا، إذ اعتبر أن الحزب لعب دورًا سلبيًا بعدم التأطير واحتواء الاحتجاجات، وترك الدّولة وحيدة في مواجهة الأحداث.

ألم تكن من المعنيّين بكلمة "غلّطوني" ؟

لا، والرّئيس كان يملك كلّ المعطيات والتّفاصيل. وربّما المغالطة كانت في تقدير الأوضاع ومدى خطورتها. عندما قالها كان يعلم من غالطه.

يتداول البعض أنباءً عن مساعٍ لإقناع بن علي بالعودة لتونس ووضعه تحت الإقامة الجبريّة. هل& يرضى بذلك؟

لا علم لي بهذا. لا بد من إيجاد حلّ للموضوع. فمهما حصل، بن علي كان رئيسًا للدّولة ومواطنًا تونسيًا. وأعتقد أنّه في حال بلغت البلاد المصالحة في إطار العدالة الانتقالية لن يتمّ استثناء أي تونسي.

وشخص مثل بن علي يفضّل العيش في بلاده، خصوصًا أنّه مرتبط جدًّا بها بحكم تكوينه العسكري، بغض النّظر عن أخطائه.

عمليّات سبر آراء أكّدت أن شريحة كبيرة من التّونسيّين&تتمنّى عودة بن علي، فما تعليقكم؟

التّونسيّون ثاروا للحصول على الحريّة التي يجب أن يكون لها ثمن، لكن طاقة صبر المواطن العادي ليست كتلك التي يملكها السّياسي. يرى المواطنون التونسيون في الثّورة فقرًا وإرهابًا، لكن مع الوقت سيفهمون أن بناء دولة ديمقراطيّة يتطلّب وقتًا.