يبدو أن سعي ماكي سال نحو الفوز بولاية رئاسية ثانية سيتعثر فعليًا، بعد خيبة أمل أصيب بها في الانتخابات المحلية التي جرت في 29 حزيران (يونيو) الماضي، وبعد عودة عبدالله واد إلى السنغال ليقود عملية تبرئة ولده كريم من اتهامات بالاختلاس لا دليل عليها، تشوبها السمات السياسية.


إيلاف: لم يكن فشل الرئيس السنغالي ماكي سال في الانتخابات المحلية، التي أجريت في 29 حزيران (يونيو) الماضي إلا ترجمة فعلية للخيبة الشعبية السنغالية من أدائه على رأس السلطة. كما لم تكن عودة الرئيس السابق عبدالله واد إلى بلاده، بعد غياب عامين، إلا فرصة تبدو سانحة لزعزعة سلطة ماكي سال، ولو كان اهتمام الرئيس السابق سينصب أولًا على ملف ابنه كريم واد، المحتجز احتياطيًا في دكار، أو المعتقل سياسيًا من جانب سلطات ماكي سال.

إعادة تموضع

تأخر ماكي سال في تنفيذ وعوده الاصلاحية، التي قطعها في خلال الحملة الرئاسية في العام 2012. وفي خلال الحملة للانتخابات المحلية الأخيرة، ارتفعت شعارات مثل "اخطأنا في خيارنا"، موجهة ضد ماكي سال نفسه، من الغالبية التي أوصلته إلى الرئاسة. فخاب أمل ماكي سال في انصار نقلوا بندقيتهم من كتف إلى أخرى.

فكانت النتيجة حيرة 5.3 ملايين ناخب أمام أكثر من 2700 لائحة من الأحزاب والأفراد. كما وجد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم نفسه متهمًا بأنه لا يهتم لأمر جماهيره، بل يقصر همّه على تأمين مصالحه الخاصة.

منظمات حقوقية: كريم واد ضحية تهم سياسية يسوقها ماكي سال

ولم يكن ما فعله ماكي سال منذ توليه السلطة مشجعًا للرأي العام السنغالي ليسير في خيارات رئيسه الحالي، خصوصًا أنه أدار ظهره للخليج، من خلال إقفال كل الأبواب بوجه دول مجلس التعاون، مفضلًا أن يتوجه نحو العواصم الغربية. وهو بذلك سلك عكس الطريق الذي شقه خلف واد، الذي وطّد علاقات السنغال بالخليج العربي، باحثًا عن سند اقتصادي قوي، وظهر سياسي صلب يمكنه أن يعتمد عليه.

محاولات التوريط

ويعرف السنغاليون، ولو متأخرين، أن عبدالله واد هو ابو الحداثة في بلادهم. وأدركوا الفارق بينه، هو المعلم، وبين تلميذه ماكي سال، وأنه من الصعب أن يقوم أحد مقام واد، خصوصًا إذا لم يأتِ خروجه طبيعيًا، في تسلسل السلطة وتداولها. فالتدخل الغربي في الشؤون السنغالية الداخلية لم يكن خفيًا. وفي خلال الحملة الرئاسية، حاول البعض توريط ماكي سال في مواقف غير مقبولة عن المثلية الجنسية في السنغال، حيث السلطة الدينية تضارع السلطة السياسية في قوتها.
&
ولحسن الحظ، تمكن الرئيس السنغالي من تبرئة ساحته، خصوصًا أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، إبان زيارته للعاصمة السنغالية دكار، في العام 2013.

باريس تبرئ كريم واد من تهم الفساد المالي

لكن اليوم، يبدو الأمر على شفير التحول الجذري، إذ مني حزب ماكي سال بخسارة انتخابية فادحة في داكار ومدن كبرى عديدة. ففي العاصمة، خسرت اللائحة الرئاسية التي يتزعمها رئيس الوزراء أميناتا توريه بفارق كبير أمام تحالف قاده خليفة سال، أحد قادة الحزب الاشتراكي. وهذه الخسارة تكررت في مدن زيغوينشور، وسانت لويس، وبودور، وداغانا، وتياس، وتوبا. وهكذا، تلبّدت سماء مستقبل ماكي سال السياسي بغيوم سوداء، تنذر فعليًا بخيبة كبرى في الانتخابات الرئاسية في 2017.

وساطة غير لازمة

لم يتأكد بعد أن كان كريم واد سيكون المرشح التلقائي للحزب الديمقراطي السنغالي بوجه ماكي سال في انتخابات 2017، لكن ذلك سيتأكد بعد حين. إلا أن المتغيرات الاقليمية التي واكبت خروج واد من السلطة في العام 2012، كمقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي إبان الثورة التي أطاحت بنظام الجماهيرية الليبية، وسيطرة الحسن وتارا على ساحل العاج بعد احتلال مقار الرئيس السابق لوران غباغبو، هذه المتغيرات ما زالت ماثلة في الأذهان.

فلم تعد الدول الغربية بحاجة إلى أي وساطة يقوم بها الرئيس عبدالله واد، بعد أن تم حل هاتين المسألتين، أي الليبية والساحل عاجية. ولسوء الحظ، ما كل ما تمناه عبدالله واد أدركه، فسعى حينها مع المجلس الدستوري ليستمر في البلاد، ولو نصف ولاية، أي ثلاثة أعوام في الحكم تتيح له أن ينهي ما بدأه. وهذا أيضًا كان متعذرًا. واليوم، عاد إلى البلاد ليكون حاضرًا في انتخابات 2017. فإما ينجح ابنه كريم، أو ينهزم "ابنه" الآخر ماكي سال، وفي الأمرين بهجة لقلبه، ولو كان يحبذ الأمر الأول.

تصفية حسابات سياسية

منذ وصل ماكي سال إلى الرئاسة، بدأ رحلة تصفية حسابات مع آل واد، تتمثل اليوم في محاكمة كريم واد أمام محكمة خاصة للاثراء غير المشروع في 31 تموز (يوليو) الجاري. لكنه لا يبدو في موقف صلب. فبعدما أظهر ملفًا عامرًا بالاتهامات لكريم واد باختلاس&4000 مليارات فرنك أفريقي، خفض المدعون العامون في السنغال سقف الاختلاس إلى 117 مليارًا، ما يعد دليلًا على تسييس المسألة والمحاكمة.

بالنسبة إلى هيئة الدفاع عن كريم واد، لا يقوم اتهام السلطات السنغالية لكريم واد على أدلة دامغة، حتى أن القضاء الفرنسي برّأه من هذه التهم. فهل يجد واد براءته في السنغال أيضًا؟

يبدو أن رياح ملف كريم واد ستجري كما لم تشتهِ سفن ماكي سال، إذ بعدما ظن أنه سيكون قادرًا على وقف طموح كريم بالرئاسة، يجد الرئيس نفسه أمام موقف حرج، خصوصًا مع عودة الرئيس السابق عبدالله واد إلى السنغال، ليقود عملية تبرئة ولده بحنكة قد تكون السبب في سقوطه.

بكل ما أوتي من سلطة

وفي سعي لتقليم أجنحة واد، الأب والابن على السواء، قبل أن يحين موعد هذه الانتخابات، لا يوفر ماكي سال جهدًا في استخدام كل ما أوتي من قوة وسلطة لإبقاء كريم واد في حجزه الاحتياطي، وتجريمه في تهم اختلاس وإساءة أمانة واستغلال نفوذ مشكوك في صحتها.

وفي هذا الاطار، رفض هنري غريغوار ديوب، رئيس محكمة الاثراء غير المشروع السنغالية، المشكوك في مشروعيتها أصلًا، تسليم ملف كريم واد كاملًا لمحاميه فورًا، بل آثر حجبه الآن ليفرج عنه قبل ثمانية أيام فقط من تاريخ محاكمته، في 31 تموز (يوليو) الحالي، لمنع هيئة الدفاع عن واد من التبحر في 46 ألف صفحة من البيانات، التي يضمها الملف.

وهكذا، لن يطلع محامو واد على ملف دسم إلا قبل موعد المحاكمة بثمانية أيام، ما يمنعهم من الاستفادة من عامل الوقت، لأن ثمانية أيام غير كافية لدراسة التفاصيل الواردة في عشرات آلاف الصفحات من المعلومات والشهادات. وهذا الرفض يعرض الاحالة إلى المحكمة للنقض، خصوصًا أن محكمة الاثراء غير المشروع مصرة على موقفها. وهذا الاصرار ينذر بموقعة قانونية عنيفة بين الادعاء والدفاع.

باطلة

والمريب في الأمر أن تقريرًا صادرًا في منتصف حزيران (يونيو) الماضي، عن ثلاث منظمات حقوقية دولية، أكد أن محاكمة واد في السنغال بتهم الإثراء غير المشروع باطلة، بل تأتي في سياق حرب سياسية يشنها عليه ماكي سال، لمنعه من الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة.

وبين التقرير أن واد، الموجود في حجز إحتياطي منذ 17 نيسان (أبريل) 2013 بالعاصمة السنغالية داكار، سيحاكم أمام محكمة للإثراء غير المشروع، ألغيت أصلًا في العام 1984، أي لا وجود لها في الأصل. وقالت منظمات أهلية، بينها منظمة العفو الدولية، إن لا سلطة لهذه المحكمة في قضية واد، فاعتقاله باطل إذًا، ويشكل خرقًا لحقوقه كمواطن سنغالي، ولحقوقه في الدفاع عن نفسه. واتهمت هذه المنظمات السنغال بانتهاك القانون الدولي، وتوجيه تهم بالإثراء غير المشروع لواد من دون دليل دامغ.