تتباين آراء العراقيين حول ما حدث يوم 14 تموز (يوليو) 1958، بسقوط النظام الملكي، وتتطلع الأجيال التي عاشت الحروب والأزمات والاشكالات الحياتية إلى زمن ملكي ليس فيه حروب أو اقتتال داخلي.&


بغداد: بعد 56 عامًا على تغيير النظام من الملكية إلى الجمهورية& في العراق، يجد الكثير من العراقيين أنفسهم في حيرة مما حدث. فهناك من يعشق الملكية ويرى أن ما جرى للعائلة المالكة، يتقدمهم الملك الشاب فيصل الثاني، من قتل، جرائم ضد الانسانية.

إلا أن العراقيين تباينوا في تسمية الحركة انقلابًا أو ثورة، ويعدون ما حصل بداية التقهقر والانحدار والدمار للعراق، فيما هناك من شغف بالنظام الجمهوري وبقائده الزعيم عبد الكريم قاسم، وما زال الكثيرون يديمون هذا العشق ويعلنونه بشكل مطلق ولا يضعون اي شائبة عليه.

ثورة الفقراء

المواطن عبدالله عباس (72 عامًا) موظف متقاعد، أكد عشقه للنظام الجمهوري وللزعيم عبد الكريم قاسم، الذي ازاح النظام المالكي مع ثلة من الضباط، قال: "النظام الجمهوري افضل، هذا شيء لا يقبل النقاش، وعبد الكريم قاسم زعيم وطني يحب الفقراء وهو الوحيد الذي انصفهم، ولم تكن الملكية جيدة لأن فيها اقطاعيين وملاكين، وفقراء لم ينتبه احد إلى مشاكلهم الكثيرة، وفيها العائلة المالكة والوزراء في واد والناس في واد اخر، ولم يعرف الناس طعم الفرح الا مع عبد الكريم قاسم، لذلك نحن نعشقه".

من جانبه، قال المواطن احمد الصحن (موظف حكومي): "لا شك في أن هذا اليوم هو النافذة التي دخل منها العراق إلى الجحيم, هي صبيحة تموزية اغتيل فيها العراق, وما حدث لم يكن بأي حال ثورة, انما انقلاب عكس الذهن العسكري القادم من الخارج. وأضاف: "لم يفلح العراقيون في المحافظة على دولتهم الفتية، حقبة الملكية كانت فرصة ذهبية لصناعة وطن ومواطنة".

يوم ملتبس

أكد الكاتب والاعلامي مؤيد الحيدري أن يوم&14 تموز (يوليو)&1958 هو يوم وطني ملتبس، وقال: "لعل تفاعلية التاريخ وعدم سكونه تتجسد بشكل جلي اليوم في الموقف من ثورة ١٤تموز، إذ شهدت السنوات التي تلتها تغيرًا وتطورًا في تقييم آثارها ونتائجها، فضلًا عن مسبباتها، وإذا ما سعت السياسة وقادة المراحل التي مر بها العراق خلال العقود الخمسة الاخيرة إلى ترسيخ توصيف وتعريف للثورة ورجالها وأهدافها بحسب الغايات والمواقف، فإن كل ذلك تزعزع الآن مع اهتزاز هيكل الدولة المدنية التقدمية، التي رفع لواءها رجالُها الأوائل حينذاك".

واضاف: "رغم الألقاب والتوصيفات التي اقترنت بثورة تموز، من وطنية وتقدمية، وتنتصر للشعب وفئاته الفقيرة وتتجه لتوزيع الثروة بعدالة على الجميع وتحقيق الاكتفاء والأمن المعيشي لملايين العراقيين، فان تلك الألقاب سرعان ما تغيرت مع مسلسل الانقلابات والمؤامرات، وعندما تسنى لملايين العراقيين السفر إلى بلدان الجوار خلال التسعينات، وخصوصا الأردن، غصّوا للوهلة الاولى دهشة بنظام دولة مستقرة يسودها القانون، ويشعر المواطن في ظلها بالأمن والسلام، وتمنوا لو أن فيصلا بقي مليكهم ليبني لهم دولة قانون وتخطيط ومستقبل".

بداية الويلات

أشار الكاتب مكي السلطاني إلى أن ما حدث كان بداية الويلات. وقال: "ثورة 14 تموز بلا شك احدثت هزة في المنطقة، وفي تقديري ونتيجة للاوضاع التي كانت سائدة، اضافة إلى حرارة الوهج الفكري والصراع السياسي بين مختلف التوجهات وبالاخص بين القوميين والشيوعيين ومن بعدها الاسلاميون، كان لا بد من حدوث ما حدث، مع اني مع الرأي القائل انه لو بقي النظام الملكي وتطور باتجاه الانظمة الدستورية لكان أسلم وأفضل للعراق ككيان، لكن شاءت الاقدار أن يبتلى هذا البلد بأول دكتاتورية، ومن ثم توالت الانظمة الاستبدادية ومعها أنهر من الدماء والخراب".

أضاف: "أرى أن جريمة ما يعرف بالثورة هو قتل العائلة المالكة والتي كانت الاساس لكل ما حدث من ويلات، وربما مشاهد القتل والتمثيل بجثة نوري السعيد، هي تذكير للارث الدموي لبلاد ما بين النهرين، وكأنها استعادة لماض لا يقبل بالآخر سوى هدر دمه على العموم".

سرق مستقبل العراق

قال رسام الكاريكاتير والاعلامي برهان المفتي: "كانت حركة عسكرية خارجة عن سياق الضبط العسكري، مدفوعة بحماس ضباط شاركوا في نكسة ٤٨، حركة لم تحمل اي إستراتيجية وطنية بل تقليد لما قام به عبد الناصر ورفاقه في مصر، حركة فارغة من المحتوى الوطني، لهذا حاول عبدالكريم بعد ذلك التقرب من الفقراء لكسب شعبية لحركته وكما قال أحمد فوزي في كتابه كان عبدالكريم لا يشبه شيئًا غير نفسه.

أضاف: "لم تكن ثورة بل حركة قاسمية، هناك من يدافع عن قاسم بأنه لم يسرق، لقد سرق مستقبل العراق وتلك كبرى السرقات، كانت حركة منفلتة من بدايتها على لسان قاسم وعبدالسلام، حين قالا إن العبوسي قتل الملك بتصرف شخصي، والعبوسي كان برتبة أقل من قاسم، أنظر إلى الإنفلات في القرارات والتخبط من اللحظة الأولى.