في مفارقة بين باراك أوباما وديفيد كاميرون، يبدو أن القواسم المشتركة كثيرة، أهمها أنهما من طينة قادة في هذا العالم ينذر وجودهما بالأزمات.


إعداد عبد الاله مجيد: ثمة الكثير من القواسم المشتركة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. فالاثنان ينتميان إلى جيل واحد، بولادة أوباما في العام 1961 وكاميرون في العام 1966، وتلقيهما أفضل ما هو متاح في التعليم.

فقد درس أوباما في مدرسة بوناهو الخاصة بالنخبة في هونولولو، ونال شهادته الجامعية الأولية من جامعة كولومبيا، وشهادة الدكتوراه بالقانون من جامعة هارفرد. ودرس كاميرون في كلية ايتون، ثم واصل دراسته في كلية بريزنوس في جامعة اوكسفورد.

طلائع العمل العام

ويقيم هارلان أولمان، رئيس مجموعة كيلوين، التي تقدم استشاراتها لقادة الحكومات والشركات، وكبير مستشاري مؤسسة اتلانتيك كاونسل للأبحاث ومنظمة الاداريين التنفيذيين من أجل الأمن القومي في واشنطن، يقيم مقارنة بين الرجلين، فيقول إنهما ترعرعا في معترك السياسة من دون خبرة تُذكر في القطاع الخاص.

انخرط أوباما في مجال التنظيم الاجتماعي على المستوى المحلي في شيكاغو، قبل أن ينال شهادته بالقانون، ليعمل بعدها في مكتب محاماة. وانتُخب أوباما اثناء تدريسه مادة القانون الدستوري في جامعة شيكاغو عضوًا في مجلس شيوخ ولاية الينوي، حيث واصل الخدمة حتى العام 2004، عندما فاز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي. كما فاز على منافسه جون ماكين في الانتخابات الرئاسية في العام 2008.

أما كاميرون فعمل مستشارًا لعدد من كبار السياسيين المحافظين البريطانيين، ثم في قسم العلاقات العامة في شركة كارلتون الاعلامية الكبرى، التي استحوذت على قناة اندبندنت التلفزيونية. وانتُخب عضوًا في مجلس العموم في العام 2001، وبعد انتخابات 2010 البرلمانية، اصبح رئيسًا للوزراء في سن الثالثة والأربعين، ليصبح أصغر سياسي يتولى رئاسة الحكومة البريطانية منذ اللورد ليفربول قبله بقرنين، لكنه اصغر بكثير من بيتر الأصغر أو اللورد تشاتهام لاحقًا، الذي تولى رئاسة الحكومة في سن الرابعة والعشرين.

آراء مشتركة

وبحسب أولمان، يتمتع أوباما وكاميرون بقدر كبير من الذكاء. وعلى الرغم من انتمائهما إلى اتجاهين متعارضين، فأوباما ديمقراطي وكاميرون محافظ، فإنهما يشتركان في العديد من الآراء، لا سيما بشأن اصلاح الاقتصاد في بلديهما. لكن الزعيمين، بخلاف اسلافهما الذين خدموا خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، يفتقران إلى الخبرة في فن الحكم، فضلًا عن الافتقار إلى الخبرة من خلال الخدمة العسكرية أو ادارة أي منظمة ذات شأن من حيث الحجم والوزن.

إلى ذلك، أحاط كلاهما نفسه بمستشارين اكتسبوا مؤهلاتهم من خلال تأمين الفوز لمرشحيهم. ويبدو أن الوزراء الأوسع خبرة في حكومتي أوباما وكاميرون يتخذون مقاعد خلفية وراء مساعدين سابقين، شاركوا في حملاتهما الانتخابية، خصوصًا وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين جون كيري وتشاك هيغل، ووزير الخارجية البريطانية وليام هيغ، زعيم حزب المحافظين سابقًا.

الضعيف المتردد

يقترب كل من أوباما وكاميرون من نهاية ولايته. فالمتبقي من ولاية أوباما الثانية عامان ونصف العام، في حين أن كاميرون يواجه انتخابات في العام المقبل. وابحر الاثنان في مياه هائجة وعواصف عاتية سياسيًا، هزت ادارتهما لكنها لم تغرق سفينة أي منهما.

يقول أولمان: "القيادة من الخلف في ليبيا، ورسم خطوط حمر في سوريا، اختفت بسحر ساحر، والتعبير عن الدهشة والشعور بالصدمة إزاء اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام للأراضي العراقية، والسكوت على رد بنيامين نتنياهو المفرط ضد الفلسطينيين، من بين خطوات خاطئة أخرى، تضافرت جميعًا لرسم صورة مختلفة لأوباما، صورة الرئيس الضعيف المتردد".

الإخراج المتعثر لقانون التأمين الصحي، الذي كان السمة المميزة لادارة أوباما وامتناعه عن محاسبة المقصرين من مسؤوليه الكبار، يكرسان النظرة القائلة إن هذه الادارة لا تجيد إلا التخبط. وجاء الاحتفال الغريب بالافراج عن الجندي بو بيرغدال، الذي ظل أسير طالبان خمس سنوات بعد أن غادر موقعه في افغانستان من دون إذن، بمثابة دليل على انعدام الكفاءة لا يضاهيه إلا طرد رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في برلين بعد رشوة مسؤول استخباراتي الماني صغير وتجنيده جاسوسًا لحساب الولايات المتحدة.

الحكم من نافذة ضيقة

أُصيب كاميرون بالذهول عندما رفض البرلمان التصويت لصالح توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري قبل عامين، وأُحرج حرجًا شديدًا بتمرد نوابه عليه في عملية التصويت. وكان اعتذاره العلني عن تشغيل اندي كولسن، الذي أُدين في فضيحة تنصت صحافيي اسبوعية نيوز أوف ذي وولد على الهواتف وتجسسهم على البريد الالكتروني، يومًا آخر في اسبوع زاخر بالصفعات، عندما رُفضت معارضته لرئيس الاتحاد الأوروبي الجديد بأغلبية 26 صوتًا مقابل صوتين، بعد أن صوت معه رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان.

يرى أولمان أن الاقتصاد البريطاني يتعافى من الازمة العالمية اسرع مما يتعافى الاقتصاد الأميركي، "لكن ميل الزعيمين إلى الحكم من نافذة ضيقة جدًا، تحددها اعتبارات السياسة الداخلية ومراعاة فئات محددة بدلا من ممارسة قيادة حقيقية، لم يعمل لصالح أي منهما". والحق أن اصداء الانتقادات العلنية اللاذعة بتهمة انعدام الكفاءة تتردد في العاصمتين دون تأثير يُذكر في تغيير نهج البيت الأبيض أو 10 داوننغ ستريت.

ويختم أولمان: "تبدو أوجه الشبه متصلة بالجيل الذي ينتمي اليه أوباما وكاميرون، ولدى النظر إلى الرعيل القادم من القادة الجدد، فإن تغيير هذا الوضع ليس أكيدًا، والمحزن أن هذا الجيل قد يكون نذيرًا لمزيد من الأزمات القادمة".