تتحرك مواكب عزاء صباح كل يوم في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة وتسير باتجاه مقبرة "وادي السلام"، اكبر مقابر العالم التي لم تعرف الهدوء والسكينة منذ سنوات وخصوصا منذ بدء هجوم المسلحين المتطرفين في العراق قبل اكثر من شهر.


ترافق عائلات حزينة في مواكب متنقلة جثامين شبان تحمل على اسطح السيارات او توضع في حافلات صغيرة، لتودع جيلا شابا يسقط كل يوم في سلسلة من اعمال العنف التي لا تنتهي &في العراق.
&
وقال عمار كريم (27 عاما) ابن عم امير كاظم الشرطي الذي قتل في اشتباكات مع مسلحين متطرفين في منطقة جرف الصخر الى الجنوب من بغداد "لم يسلمونا جثته الا اليوم بعد خمسة ايام من مقتله وبقائه في الشمس".
&
واضاف في المقبرة "لقد سكبوا الاسيد على وجهه ولم نتعرف إليه الا من زيه العسكري".
&
وتعد منطقة جرف الصخر احدى مناطق مثلث الموت الواقع جنوب بغداد ومن المناطق المتوترة التي تشهد اعمال عنف ومواجهات يومية بين القوات الحكومية العراقية والمسلحين المتطرفين.
&
وعادة تكون قوات الشرطة الاتحادية في الصفوف الامامية للمعارك والمواجهات. وهي تعتبر احد اقوى مجموعات القوات الحكومية حيث انها اكثر تسليحا وتدريبا من قوات الشرطة العادية.
&
لكن الفتوى &الاخيرة للمرجع الشيعي الاعلى اية الله علي السيستاني دفعت الاف المدنيين ايضا للتطوع لقتال الجماعات المسلحة التي يقودها تنظيم "الدولة الاسلامية" وتشن منذ اكثر من شهر هجوما كاسحا تمكنت خلالها من احتلال مناطق واسعة من شمال وشرق وغرب العراق بينها مدينة الموصل.
&
وتعتبر مقبرة "وادي السلام" اكبر مقابر العالم من حيث المساحة الجغرافية وهي عبارة عن ارض ترابية بنيت بين قبورها شوارع طويلة تسير عليها السيارات التي تعبر نحو جهات اخرى من المدينة.
&
ورغم ان المقبرة ليست مخصصة للشيعة فقط، الا ان الغالبية العظمى من المدفونين فيها ينتمون الى هذا المذهب، حيث يتطلع اكثرية الشيعة حول العالم لان يدفنوا في هذه الارض التي تدور حولها اسطورة تقول انها تتسع لكل المسلمين.&
&
وقال سعيد الياسري (47 عاما) مسؤول احدى مغاسل الموتى التابعة لمقبرة النجف "نتسلم جثثا مختلفة، فبينها المحترقة، او التي قطع رأسها، واو نستلم رأسا في صندوق، واحيانا نستلم كيسا بداخله حوالى كيلوغرامين من اللحم البشري".
&
وتابع الياسري في مكتبه حيث وضعت اكداس من الاكفان البيضاء "منذ الهجوم على الموصل (350 كلم شمال بغداد) فان غالبية الجثث التي تصلنا تعود الى شبان من مواليد التسعينات من اهالي الجنوب"، في اشارة الى ان غالبيتهم من الشيعة المتحدرين من المحافظات الجنوبية.
&
ويقول حسين جبور (29 عاما) وهو احد العاملين في المغسل الذي يعمل على مدار ساعات النهار والليل من دون توقف "نقوم هنا بغسل جميع اخواننا العراقيين، انه امر مؤلم".
&
واضاف "رأينا اسوأ من ذلك" من قبل، مشيرا الى انه يتعامل&مع "اشلاء من الجثث و جثث محترقة بالكامل لا يمكن حتى التعرف إلى اصحابها".
&
وتتلقى بعض العائلات مكالمات او رسائل تهديد من الذين قتلوا ابناءها او اشقاءهم واباءهم.
&
وقال عمار كريم ان المسلحين الذين قتلوا ابن عمه استخدموا هاتفه النقال لتهديد عائلته.
&
وفي حادثة اخرى، تلقت عائلة احمد ضياء احد افراد الشرطة الذين قتلوا في جرف الصخر مكالمة عبر هاتف احد رفاقه القتلى تحداهم فيها الشخص الذي هاتفهم بالقول "تعالوا لاخذ الجثة اذا كنتم رجالا".
&
وقال احمد حسين احد الجيران الذي كان يقف عند قبر ضياء وهو يجهش بالبكاء انه تلقى مكالمات من احد الجرحى من رجال الشرطة الذين اصيبوا في الاشتباكات قبل ان يقتل ويحرق وجهه بالاسيد.
&
وبعد ان تغسل جثة الضحية، تنقل في موكب محمول على اكتاف افراد عائلته واصدقائه الى مرقد الامام علي ابن ابي طالب فيما ترتفع عبر مكبرات الصوت ايات قرآنية وادعية، قبل ان يوارى الجثمان الثرى في مثواه الاخير في مقبرة "وادي السلام".
&
وتنتشر قبور الضحايا بشكل عشوائي وتمر بينها طرق تسير عليها سيارات، وقد وضع حول بعضها اكاليل من الزهور البلاستيكية، فيما كان قبر ضياء، كما هو حال قبور اخرين مثله، يرتفع قربه علم العراق.
&