يبدو أن مقطع الفيديو الذي أظهر طفلاً لبنانيا يضرب آخر سورياً بتشجيع من عائلة الأخير، انتشر كالنار في الهشيم، ومعه، أشعلت شرارة الكلمات التي قالتها العائلة، الجدل بين السوريين واللبنانيين، فهل هي فتنة أم حقد طائفي!


الرياض: لم يكن مشهد الطفل اللبناني الذي يضرب طفلاً لاجئاً سورياً، مشهدًا عابرًا لأن هذا المشهد ببساطة يختصر كل الحكاية.

اسم المعتدي "عباس"!

اسم الضحية "خالد"!

المعتدي عبارة عن طفل صغير تم تزويده بعصا أطول منه، ويجري بث الحقد في ثنايا وجدانه الطفولي، فيما كان الضحية هو الاقدر على الدفاع عن نفسه بوجه هذا المعتدي لولا أن طلب منه أن يتلقى الضربات فحسب.

تلك هي الحكاية ببساطة، أو هي جزءٌ من الحكاية.

يقول ناشط سوري: عباسهم يضرب خالدنا بعصا حسين وبمؤازرة أقارب عباس.... فيما يطلب من خالد أن يلتزم بوضع يديه خلف ظهره وإلا فهو طائفي.

هكذا بدا مقطع الفيديو الذي تداولته مجموعة من الناشطين السوريين وغير السوريين على يوتيوب، ويبين طفلاً لبنانيًا وهو يضرب آخر سورياً، وبتشجيع من عائلته، وما أن تسمع كلمة "عباس"، حتى يبدو بشكل جليّ أن العائلة "شيعية"، وتعمل على تأجيج الحقد الطائفي تجاه اللاجئين السوريين في لبنان.

الفيديو، أثار موجة من المشاعر السلبية التي بدت تعلو عبر مواقع التواصل الاجتماعي من السوريين، متسائلين عن السبب الذي دفع بهذه العائلة لممارسة فعل كهذا.

يقول ناشط سوري إن تأزم العلاقات السورية ـ اللبنانية غير مرتبط بمؤامرات القوى الخارجية، بل هو نتيجة لنهج خاطئ طبق على مدى عقود عديدة، وأنتج ممارسات خاطئة أفضت إلى انهيار العلاقات التاريخية ((المميزة)) بين لبنان وسوريا.

ورغم أن العلاقات السورية ـ اللبنانية لم تبنَ على أسس سليمة ومتوازنة منذ البداية وفقاً لكثير من المحللين، إلا أن معظم اللبنانيين يرون أن من مصلحة بلادهم التخلص من السوريين والحد من استقبالهم في ظل الاعداد الكبيرة للاجئين السوريين حتى وصل عددهم إلى 35% من عدد سكان لبنان، دون أن يتساءلوا عن الظروف التي دفعتهم للقيام بهكذا سياحة تعتبر الأولى من نوعها للملايين من شعب شرد وطرد من أرضه في ثاني تهجير قسري بعد التغريبة الفلسطينية، والكلام لناشط آخر.

ورغم ذلك، بدت أصوات الحكمة عالية أيضاً في كلام من تحدثت معهم "إيلاف"، إضافة إلى من تابعت تغريداتهم وكتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أجمع العديد منهم مع نبرة من الحزن رسمت خطوط كلماتهم على وصف ما حدث بالفتنة.

يصف المعارض وعضو مجلس الشعب السابق في سوريا، الدكتور محمد حبش ما حصل بالمشهد المؤلم، وذهب إلى أبعد من ذلك بقوله إنه: "حيواني وبهيمي... ويجب ان يعاقب الفاعل ايًا كان لأنه ارتكب جملة جرائم".

ولكن الدكتور الحبش عاد وأكد بنبرة هادئة ومتزنة: "لا يجب أن يكون هذا الشريط قنبلة طائفية جديدة إنه سلوك شخص شرير، ولكن ليس هو نمط اللبنانيين في تعاملهم مع اللاجئ السوري، هناك كثير من المواقف الايجابية ايضًا تستحق أن نذكرها".

ورفض الدكتور الحبش تجريم كافة اللبنانيين، وقال: "يجب ان لا نقبل تجريم كل اللبنانيين لانّ شريرًا كهذا السافل فعل ذلك، انا ضد التعميم ومع معاقبة الجاني".

"التعصب" سيد الموقف!

ما يجري من أزمة في سوريا، غيّب العلاقات التي لطالما وصفت بالتاريخية جمعت الشعبين، لتستبدل محلها توترات السياسة ومشادات التعصب وتهويمات الصور النمطية التي نسجت مكونات من التمركز، لبنانياً وسورياً، ومختلف مركباته وفق أشكال متخيلة ونمطية، تستلهم كل إمكانيات التهميش والإلغاء والعنصرية.

يقول الإعلامي فيصل القاسم على فايسبوك: "شاهدت اليوم فيديو الطفل اللبناني الذي يعذب طفلاً سورياً بتشجيع من والده. ربما يكون الفيديو صحيحاً، أو ملفقاً مدسوساً لزيادة الشرخ الطائفي القاتل في المنطقة. وارجح الاحتمال الثاني لأن تمزيق المنطقة على أسس مذهبية وطائفية اصبح هدفاً شيطانياً لا تخطئه عين.& يجب أن نكون حذرين جداً في الترويج لمثل هذه الفيديوهات. لا تنسوا أن الفتنة اصبحت شعار المرحلة بامتياز".

ومثله، يعتبر الصحافي جورج كدر على فايسبوك ما جرى "جريمة ضد طفلين، طفل يُضرب وتقتل طفولته، وطفل يعلمه أهله الضرب والقتل".

ويضيف: "استغربت حقاً تشديد الأهل على تكرار اسم الطفل: يلا عباس اضربه... للإيحاء بطائفية مقيتة... الفيديو انتشر على كثير من الصفحات بعنوان "طفل شيعي يضرب طفلاً سنياً"، زيت على نار ... ويا نار اتقدي!".

عيب!

على يوتيوب ظهر مقطع لمجموعة من الشباب اللبناني وهم يشرحون فيه الواقع اللبناني، متسائلين عن الأسباب التي دفعت اللبنانيين للقيام بهكذا أفعال ضد اللاجئين السوريين، ليختم المقطع بالقول "اذا دولتي ما قادرة تقوم بحالها بيكون الحق على دولتو وسيادتو ومعاليه وفخامتو ما تجي تكب كل عجزها وتقصيرها على اللاجئين عيب".

وفي متابعة لتفاصيل القضية، قالت وسائل اعلام لبنانية أن مدعي التمييز القاضي سمير حمود أمر مدعي عام البقاع بفتح تحقيق بالحادثة بعد أن عرضت شبكات التواصل الإجتماعي هذا القيديو المؤلم، وبالفعل داهم مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية منطقة الرمل العالي في الضاحية لتوقيف والد الطفل الذي ظهر في الفيديو، وهو يعنف طفلاً آخر.

إلى ذلك، تناقل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورة قالوا إنها لوالد الطفل عباس الذي ظهر في الفيديو وهو يضرب طفلاً سورياً. صورة أراد أن يرى ابنه فيها... فكان له محرضاً لضرب ولد آخر.