تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحاول فصائل المقاومة الفلسطينية الرد على الهجمات، فيما تسعى أطراف عربية ودولية في مقدمتها مصر، لحقن الدم الفلسطيني، لاسيما مع وصول عدد القتلى في صفوف الفلسطينيين إلى ما يزيد عن 339 شخصًا، منذ بدء العدوان على القطاع قبل أكثر من 12 يوماً.

بينما تدعم أطراف عربية ودولية المبادرة التي أطلقتها مصر من أجل إيقاف الحرب على غزة، تستمر إسرائيل في العدوان على القطاع، وتصر حماس على رفض المبادرة، وتشترط فتح معبر رفح، وإخضاعه لإشراف دولي، فضلاً عن الإفراج عن المعتقلين في السجون الإسرائيلية، لاسيما من شملتهم صفقة الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط.

وفي الوقت نفسه، تتواصل مصر مع قياديي الحركة، وترفض مطلبها بفتح المعبر بإستمرار أو إخضاعه للإشراف الدولي. وهو ما يطرح تساؤلات عن الأسباب التي تدفع حماس للإصرار على فتح معبر رفح بإستمرار، وإخضاعه للإشراف الدولي، ومدى إمكانية قبول مصر بهذا الشرط مستقبلاً؟

بعد أن رفضت حركة حماس المبادرة المصرية رسمياً، رفضت أيضاً دعوة مصرية لزيارة وفد منها، يكون على رأسه خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، الى القاهرة.

وقالت الحركة في بيان لها، إنها "تلقت دعوة عبر وسطاء لوفد قيادي برئاسة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة لزيارة القاهرة للبحث في المبادرة المصرية". وأضافت أن "موقفها معروف من المبادرة لأسباب موضوعية"، مشيرة إلى أنها "في الوقت ذاته&مستعدة للتعاون مع أي تحرك من أي طرف بما يحقق المطالب الفلسطينية المحددة، والتي تم تسليمها للأطراف المختلفة في الأيام الماضية".

وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"إيلاف" إن الإتصالات مع حماس لم تنقطع منذ بدء العدوان على غزة، مشيراً إلى أن حماس ترفض المبادرة المصرية، إستناداً إلى ما تعتقد أنه إنتصار عسكري وسياسي لها. وأضاف أن حماس تعتقد أن الصواريخ التي تطلقها بإتجاه إسرائيل وإعلانها عن قتل بعض الجنود الإسرائيليين بمثابة إنتصار لها، بما يمكنها من إملاء شروطها لإيقاف إطلاق النار.

ولفت إلى أن حماس خسرت سياسياً وعسكرياً، لاسيما بعد مقتل أكثر من 300 شخص من المواطنين الفلسطينيين البسطاء، وهدم منازل وتدمير بنية تحتية بالقطاع. وأشار إلى أن قادة حركة حماس يتوهمون أن مصر تقف إلى جانب إسرائيل بمواجهتهم، أو على الأقل تقف على الحياد من العدوان، ويعتبرون أن الموقف الحيادي بمثابة دعم للعدوان على غزة. نبّه إلى أن مصر لم ولن تتخلى عن الفلسطينيين.

وأفاد أن مصر تتواصل مع القيادي موسى أبو مرزوق، وآخرين، من أجل إيقاف نزيف الدم الفلسطيني، مشيراً إلى أن مطالب حماس غير مقبولة، لاسيما مطالبها بإخضاع معبر رفح لإشراف دولي. وأعتبر أن هذا المطلب يمس السيادة المصرية. وذكر أن مصر سوف تواصل تحركاتها وإتصالاتها مع الأطراف العربية والدولية، والفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس، من أجل حقن الدماء، وإيقاف إطلاق النار.

فتح معبر رفح بإستمرار وإخضاعه لإشراف دولي، أحد أهم مطالب حماس لقبول المبادرة المصرية، إلا أن وزير الخارجية سامح شكري، قال: "الفصائل لها مطالب، لكن معبر رفح خط أحمر، ولا يمكن أن نقبل أي سيادة عليه إلا لمصر، ونرفض الإشراف الدولي عليه".

وأضاف في تصريح صحافي: "الشعب المصري متعاطف مع الشعب الفلسطيني لكن مازال لديه غضب تجاه حركة حماس"، وتابع: "نعمل من أجل حماية الشعب الفلسطيني". واتهم جهات بمحاولة إفشال المبادرة، وقال: "هناك جهات كثيرة تحاول إفشال المبادرة المصرية، لكن غالبية الدول العربية تدعمها وكذلك أميركا وأوروبا".

يمثل معبر رفح بالنسبة لحماس وأهالي غزة، شريان الحياة، لاسيما في ظل إغلاق إسرائيل المعابر منذ العام 2007، وتدمير الأنفاق، وقال الدكتور سامح عباس، الباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، لـ"إيلاف" إن حركة حماس تنظر إلى معبر رفح على أنه شريان الحياة بالنسبة لها، لاسيما بعد الحملة الضخمة التي شنها الجيش المصري ضد الأنفاق منذ عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، والتي أدت إلى تدمير نحو 90% من الأنفاق.

ولفت إلى أن حماس لا تجرؤ على أن تطالب بإخضاع المعابر مع إسرائيل للإشراف الدولي، رغم أنها مغلقة منذ سيطرتها على غزة منذ العام 2007. ونبّه إلى أن هناك حالة من التوجس وعدم الثقة المتبادلة بين حماس والنظام الحالي في مصر، مما يعقد الأوضاع السياسية ويزيد من تأزم القضية الفلسطينية.

وأفاد بأن مطلب حماس بإخضاع معبر رفح للإشراف الدولي لن يلقى أي قبول من جانب مصر، لأنه ليس معبراً دولياً، بل معبر بين دولتي مصر وفلسطين، والإشراف عليه يكون من جانب السلطة الرسمية في هاتين الدولتين، وليس من خلال فصائل متصارعة أو دول خارجية.

وحسب وجهة نظر اللواء، علي حفظي، الخبير العسكري، ومحافظ شمال سيناء الأسبق، فإن حماس لا ترغب في حل الأزمة الحالية، مشيراً إلى أنها تحاول الصعود سياسياً على حساب الدماء الفلسطينية. وقال لـ"إيلاف" إن حماس تحاول خرق المواثيق والإتفاقيات الدولية، مشيراً إلى أن معبر رفح يخضع لإتفاق دولي بين مصر والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، وقال: "هل تريد حماس وضع إتفاق جديد وحدها؟

وأضاف أن مصر لا يمكنها أن تقبل بإخضاع المعبر لإشراف دولي، مشيراً إلى أن حماس تهدف من وراء مطالبها إلى إحراج السلطة الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس، وعدم الإستقرار في مصر.

وأضاف أن مصر لو لبّت مطالب حماس بفتح معبر رفح، فإن الحركة لن تغلق الأنفاق، منوهاً بأن حماس أنشأت هيئة لإدارة الأنفاق، وقال: "هما أغتنوا من وراء الأنفاق، وفرضوا ضرائب عليها".

ووصف حفظي الحركة بأنها "عصابة تستفيد من وراء المشاكل"، وتتاجر بالدم الفلسطيني، مشيراً إلى أن حماس لا تريد الإستقرار لفلسطين أيضاً. وقال: "الناس دول يستفيدون من المشاكل وهم أدوات في أيدي أطراف أخرى لصناعة المشاكل".

ومنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، واسقاط حكم جماعة الإخوان الحليف الرئيسي لحركة حماس، أغلقت مصر معبر رفح، وشنّ الجيش المصري حملات واسعة لتدمير وإغلاق الأنفاق، وأعلن المتحدث العسكري، الإسبوع الماضي أن "عناصر حرس الحدود الجيش الثاني بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تمكنت من ضبط فتحة نفق داخل أحد المنازل عثر بداخله على 20 طابة صواريخ ميكانيكية وكذلك ضبط 3 من العناصر التكفيرية شديدة الخطورة في العريش".

وتستمر مصر في بذل الجهود من أجل إيقاف العدوان على غزة، وفي هذا الصدد، تلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً هاتفياً من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، تناول الاتصال الأوضاع المتدهورة في قطاع غزة مع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي.

وقدم شكري خلاله شرحاً مفصلاً لعناصر المبادرة المصرية، وما تنص عليه من فقرات واضحة تطالب بوقف إطلاق النار لحقن دماء الفلسطينيين وحرصاً على أرواح الأبرياء، فضلاً عن فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع عبر قطاع غزة ووضع آلية محددة للتنفيذ وفقًا لتوقيتات زمنية واضحة، وشدد شكري على أن الهدف الأساسي لهذه المبادرة هو وقف أعمال القتل اليومية التي يتعرض لها سكان القطاع.

وذكر المتحدث باسم الخارجية السفير بدر عبد العاطي أن شكري تناول خلال الاتصال الجهود المكثفة التي تبذلها مصر بالاستجابة للاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني خاصة في ما يتعلق باستقبال الجرحى والمصابين جراء الغارات وتوفير العلاج لهم بالمستشفيات المصرية، بالإضافة إلى توفير المساعدات الإنسانية لهم سواء الأغذية أو الأدوية أو المهمات الطبية من خلال فتح معبر رفح.