في ظل التطرّف الذي يواجه المسيحيين في الموصل، يطرح السؤال حول مصير المسيحيين الشرقيين وخاصة في لبنان، وهل هم مهددون أيضًا في بقائهم في أوطانهم كما في الموصل؟

بيروت: تحت التهديد بالقتل والسيف الذي أطلقه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد&المسيحيين&وأمهلهم 24 ساعة لمغادرة الموصل، فرغت هذه المدينة تقريبًا من المسيحيين، وذلك للمرة الأولى في تاريخ العراق.
وغادر مسيحيو الموصل على عجل تاركين وراءهم حياتهم الماضية وذكرياتهم.
&
في ظل هذا التهجير لمسيحيي الموصل، أي تهديد لمسيحيي الشرق ولبنان خصوصًا في ظل تنامي التطرّف في المنطقة؟

يعتبر النائب عاصم عراجي (المستقبل) في حديثه لـ"إيلاف" أن ما يحصل لمسيحيي الموصل اليوم مستنكر بشدة، والأمر برأيه ضد الإسلام الذي يدعو إلى تقبل الآخر من خلال التعاليم السماوية، "نحن ضد التطرّف ونستنكر الأمر، ونعوّل على العشائر وأهل الموصل كي يمنعوا ما يحصل للمسيحيين، لأن المسيحي هو غنى في الشرق وفي لبنان خصوصًا. وأضاف "نحن نتمسك بصلابة وقوة بمسيحيي لبنان والشرق ونحن ضد أي تهديد لوجودهم، والدولة بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والتشريعية والتنفيذية تتحمل مسؤولية الحفاظ على هذا الوجود".

ولدى سؤاله عن مستقبل المسيحيين في المشرق ولبنان في ظل التطرّف الموجود، أجاب عراجي: "لا خوف على مسيحيي لبنان، لأننا مررنا خلال العام 1975 بما هو أسوأ والمسلم اليوم زاد إيمانه بأن لبنان لا يمكن أن يستمر إلا بجناحيه المسيحي والمسلم، فالمسيحيون هم من صلب المنطقة والشرق الأوسط، وليسوا دخلاء عليها".

ويضيف :"إن ضرب صيغة العيش المشترك في العالم العربي هو ضرب لكل المنطقة العربية".
&
لا رؤية موحدة&
وعن وضع المسيحيين اليوم في ظل التهديد بأحزاب إسلامية متطرفة، يؤكد النائب سليم سلهب (التيار العوني) في حديثه لـ"إيلاف" "أن وضعنا اليوم كمسيحيين في المشرق يتمحور حول عدم رؤية موحدة تجمعنا، في لبنان خصوصًا، ولكن كتكتل تغيير وإصلاح لدينا موقفنا المعارض للتطرّف الديني، مهما كانت الديانة ومن أي طرف كان، جميعنا مع الاعتدال، ومع الوصول إلى دولة مدنية أكثر من كوننا دولة طائفية ذات طابع ديني حتى لو كان طابعًا معتدلاً".

هل فعلاً هناك خوف على مسيحيي لبنان كما بات الخوف يهدد مسيحيي المشرق ككل في سوريا والعراق؟ يؤكد سلهب أن الخبرة علمتنا بعد الأحداث التي جرت في العراق، حيث كان الجيش الأميركي متواجدًا، وهو أقوى جيش في العالم. ورغم ذلك، رأينا النتائج على مسيحيي العراق، وما الذي حصل معهم، أكبر جيش في العالم لم يستطع أن يحمي الأقليات المسيحية الموجودة هناك، وقد اضطرت هذه الأقليات إلى الهجرة بطريقة مأساوية، من هنا الخوف كبير على مسيحيي المشرق ككل، لأن ما يحصل اليوم حرب طائفية مذهبية مع مختلف الفرقاء، وهو أمر مخيف، أن تدخل كل الأحزاب والطوائف بحرب في ما بينها، من أجل أن تبقى اسرائيل دولة يهودية مرتاحة على وضعها، ولا يطالب العرب بما يضرها.

لأنهم أقلية
وعن أسباب استهداف المسيحيين الدائم في الشرق الاوسط، يجيب سلهب: "لأنهم أقلية، واليوم أصبحوا ضعفاء، إن كان في الإدارة أو الحكم أو السياسة، والضعيف دائمًا مستهدف أكثر من غيره، ولا نزال نسبيًا صامدين إذا ما قارنا أنفسنا ببعض الدول العربية، لا يزال مسيحيو لبنان يتمتعون بمراكز في الإدارة والقرار السياسي، ولا نزال نتعاطى بأمورنا السياسية، بينما في دول أخرى الأقلية المسيحية لا تتعاطى بأي شأن سياسي، ولا يُنتخبون بل يتم تعيينهم، وهذا يعني أن لا حقوق مدنية لهم مكتسبة بالحد الأدنى، لذلك نشهد أن الاقليات المسيحية في المشرق العربي هي التي تدفع الثمن في البدء".
وفي ظل غياب أي دعم غربي لمسيحيي المشرق، يرى سلهب أن دول الغرب لا يهمها سوى مصالحها الآنية، من هنا لا يمكن الاتكال على الغرب والقول إنه سيحمينا كمسيحيين، إذا استطعنا وضع أنفسنا في موقع تكون للغرب مصلحة فيه، عندها سيهتمون بنا، وحتى الآن لم نفعل.

هل يبقى المسيحي مستضعفًا في الشرق؟ يرى سلهب أن الامر يعود إلى كيفية تصرف المسيحيين في لبنان خاصة، إذا عرفنا تثبيت موقعنا في البلد، من الممكن أن يكون لبنان مرآة لسائر الدول، من خلال أخذ لبنان نموذجًا كي يعود مسيحيو المشرق لمواقعهم ونفوذهم.

هجرة دينية
يعتبر الراهب الماروني إيلي مخول في حديثه لـ"إيلاف" أن هناك هجرة مسيحية في الشرق لأسباب تبقى دينية وليس لمسببات اقتصادية أو إجتماعية أو حتى سياسية، وسبب هذه الهجرة المسيحية يبقى موجات التطرّف الإسلامي التي تُقصي الآخر الذي يختلف عنها.

ويضيف الأب مخول إن هناك مسافة شاسعة تتسع جدًا وباستمرار بين واقع العيش المشترك وصيغة العيش المشترك، الصيغة نموذجية، وهي في مستوى الرسالة، كما وصفها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، عندما جاء إلى لبنان، ولكن الواقع أبعد ما يكون عن المثالية، وبالتالي هو أبعد ما يكون عن الرسالة، إنه متسخ بكل الانقسامات التي تفرضها الانتماءات الخارجية والمصالح الداخلية.
ويتابع كي يبقى لبنان نموذجًا، يُفترض أن لا يتحول الى محطة انتظار لمسيحيي الشرق انتظارًا لانطلاق موسم تهجيرهم إلى دول العالم الكثيرة، بل يُفترض أن يكون لبنان مشجعًا لثبات المسيحيين العرب في بلدانهم، ونموذجًا لهم وللمسلمين العرب للعيش المشترك على قاعدة تقبل كل الاختلافات إن كانت دينية أو مذهبية أو ثقافية.
&