يتعرض الكرد لضغوط أميركية كبيرة للحفاظ على صيغة قريبة من وضع إقليمهم الحالي في العراق، بحثًا عن استقرار يؤثر غيابه سلبًا في سوق النفط العالمي.


إعداد عبدالاله مجيد: لا يُعرف على وجه التأكيد ما إذا كان الاستفتاء الذي تعتزم حكومة اقليم كردستان اجراءه على مستقبل الاقليم يعتبر مسعى حقيقيًا للانفصال واعلان الاستقلال، أم خطوة جديدة في مفاوضات قديمة، لإنتزاع مزيد من المكاسب من حكومة بغداد.

لكن المؤكد أن الكرد سيتعرضون لضغوط اميركية للحفاظ على صيغة قريبة من وضع الاقليم الحالي. إلا أن ليبيا وسوريا تبيّنان أن ما تريده واشنطن وما يحدث على الأرض شيئان مختلفان تمامًا.

السار والسيئ

على افتراض أن نتيجة هذه الضغوط ستكون حكمًا ذاتيًا أوسع وليس استقلالًا، فإن هذا سيكون نبأ سارًا لشركات نفطية، مثل اكسون موبيل وغينيل اللتين تحديتا بغداد وتعاملتا مع حكومة الاقليم في أربيل، رغم اعتراضات الحكومة الاتحادية. لكن النتيجة ستكون نبأ سيئًا للشركات التي حال خوفها من إغضاب بغداد دون توقيع عقود نفطية مع اربيل، فظلت أسيرة الطريقة القديمة في انتظار ما تقرره الحكومة الاتحادية.

وحتى إذا مُنع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام من السيطرة على بغداد أو مناطق أخرى من وسط العراق وجنوبه، فمن الواضح أن البلد مقبل على فترة من النزاع المديد. وكما أظهرت أحداث الموصل وتكريت، فإن النزاع إذا تطور إلى حرب اهلية سيكون دمويًا ومعقدًا، وسيفضح الشركات النفطية التي اسهمت بعملياتها في تمويل حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، بوصفها شريكة في حملات هذه الحكومة ضد العرب السنة.

كما أن الشركات النفطية التي تحاول العمل في جنوب العراق ستواجه مخاطر أمنية كبيرة، إذ ليست هناك أهداف تغري تنظيم الدولة الاسلامية بضربها، كما تغريه حقول النفط وانابيب نقله ومنشآت تصديره، التي يعتمد عليها نظام الحكم في بغداد.

ما يعنيه ذلك وما يترتب عليه من آثار على السوق النفطية هو أن شيئًا لن يتغيّر عمليًا على المدى القريب. فانعدام الإستقرار في المنطقة أصبح عاملًا مقيمًا في تحديد اسعار النفط واسعار الأسهم على السواء. واسعار نفط برنت عادت الآن إلى ادنى مستوياتها منذ ثلاثة اشهر، بعد ارتفاعها ارتفاعًا محدودًا قبل ثلاثة اسابيع. وما زالت امدادات النفط من جنوب العراق ومن شماله تتدفق بصورة طبيعية.

الكردي النفطي

لكنّ محللين يحذرون من أن الخطر الأكبر يأتي على المدى المتوسط، قائلين إن الاستثمار في صناعة النفط سيتباطأ حتمًا في ظروف العراق الحالية، إذ ليست هناك شركة مستعدة لاستثمار بلايين الدولارات في بلد تمزقه النزاعات. ويعني هذا أن التوقعات التي كانت دائمًا عالية بشأن زيادة انتاج النفط في العراق ستهبط الآن بحدة.

وقبل عامين لا أكثر، كانت وكالة الطاقة الدولية تتحدث عن بلوغ انتاج النفط في العراق 6 ملايين برميل في اليوم بحلول العام 2020، لكنها عادت وخفصت توقعاتها هذه وسيتعين عليها أن تخفضها حتى أكثر في الوضع الحالي.

ومن دون عودة الاستقرار إلى العراق، فإن الاستثمار سيتلكأ في حقوله النفطية الكبرى مثل غرب القرنة والرميلة ومجنون. وتُقدر احتياطات هذه الحقول الثلاثة بأكثر من 70 مليار برميل، وكان من المتوقع أن تشكل المصدر الرئيسي للزيادات في الانتاج التي تحدثت عنها وكالة الطاقة الدولية.

ويُفترض أن يرتفع انتاج النفط من كردستان مع اعادة تطوير الحقول القديمة، بما فيها حقول كركوك التي تسيطر عليها قوات البشمركة الكردية، ومع اكتشاف حقول جديدة. ولعل كردستان لا تمتلك حقولاً نفطية عملاقة كحقول الجنوب، لكن قاعدة مواردها غير المستثمَرة يمكن أن تجعل الاقليم لاعبًا نفطيًا جديدًا وكبيرًا.

حتى اكتمال الخريطة

ويعتمد تصدير نفط كردستان على موقف تركيا. فحكومة الاقليم ما كانت لتحقق هذا القدر من الحكم الذاتي من دون قبول تركيا. وتتمثل مشكلة الكرد، وبالتالي مشكلة سوق النفط في أن تركيا نفسها بعيدة عن كونها بلدًا مستقرًا.

فالمجتمع العلماني الذي أراد مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك بناءَه مهدَّد اليوم، والقيادة التركية بزعامة رئيس الوزراء حاليًا ورئيس الجمهورية قريبًا رجب طيب اردوغان اصبحت قيادة مهووسة ببقائها في السلطة، ولا يمكن التنبؤ بأفعالها. وما يزيد الوضع تعقيدًا العلاقة الاشكالية لكرد تركيا وسوريا مع الولايات المتحدة.

وامتنعت تركيا حتى الآن عن دعم مشروع القيادة الكردية في اعلان الاستقلال، لكن دورها الاقتصادي في تطوير موارد اقليم كردستان وبناه التحتية تعاظم بوتائر متسارعة.

والسؤال الكبير هو: هل بالامكان اقناع تركيا بقبول فكرة وجود دولة كردية بكل ما في ذلك من دلالات بالنسبة لكرد الدول الأخرى في المنطقة، وخاصة كرد تركيا نفسها؟ وليس من المستبعد أن تختار القيادة التركية اجهاض حلم الكرد بدولة مستقلة، تحسبًا لما قد يشكله ذلك من مصدر الهام لكرد تركيا.

ومن شأن هذا أن يضيف قيدًا آخر على تدفق النفط إلى السوق، كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز، قائلة إن خريطة الشرق الأوسط كما نعرفه رُسمت قبل 90 عامًا، وإن معالم الخريطة الجديدة في سوريا وليبيا والعراق لم تتضح حتى الآن. وحين يُعاد رسم الخريطة، سنرى أين تكمن القوة، ومن يمتلك قاعدة الموارد النفطية، التي ما زالت السوق العالمية تعتمد عليها.