مع مغيب الشمس، يستعد المسعفون الفلسطينيون لمواجهة ليلة جديدة من الرعب وهم يتنقلون في سياراتهم سعيًا لانقاذ جرحى أو انتشال جثث اثر غارات اسرائيلية لم تتوقف منذ نحو أسبوعين، وحصدت مئات القتلى وآلاف الجرحى.

&
غزة: يعمل المسعفون في قطاع غزة يدًا بيد، وكأنهم عائلة واحدة، بعد أن خاضوا معًا تجارب تفوق كل تصور، في منطقة اعتادت على الحروب والقصف.
وبلغ عدد القتلى اكثر من 550 قتيلاً وآلاف الجرحى معظمهم من المدنيين، ودمرت مئات المنازل، في الهجوم الكثيف الجوي والبري منذ 8 تموز/يوليو.
&
ويواصل المسعفون جمع الأشلاء، وأجساد الأطفال التي مزقتها القذائف، رغم كل الضغوط وحالة الانهاك، وشظايا القذائف التي تنهمر عليهم من كل حدب وصوب، من البر والجو. وكثيراً ما كانوا يجدون أنفسهم عالقين بين النيران الاسرائيلية ونيران الفلسطينيين.
يقول جهاد سليم الذي يعمل مسعفًا منذ 17 عاماً إنه مصرّ على القيام بواجبه كمسعف رغم الحروب التي عاشها.
الا أن جهاد يأمل ألا يسير اولاده على خطاه. "ما نراه مؤلم جدًا. ندخل منزلاً ونجد اشلاء. يلتقط أحدهم يدًا، ويمدها لنا ويقول: خذوها... ولكننا مع الوقت نعتاد على ذلك".
&
ويتحدث عادل الزعبوط البالغ من العمر 30 عاماً هو الآخر بلهجة حازمة: "صراحة، انا اتصرف من دون تفكير. اذا رأيت اشلاء، من مسؤوليتي أن أتعامل مع الأمر، وافعل ذلك بمهنية".
وفي هذه الظروف المرعبة، يعيش هؤلاء في حالة خوف دائم من أن يتلقوا نداء استغاثة من منزل اهلهم أو اقاربهم.
ويقول الزعبوط انه قرر أن يصبح مسعفاً خلال الانتفاضة الثانية. "افضل ما يمكن أن يفعله الانسان، هو مساعدة أخيه الانسان، لي الشرف أن أساعد الآخرين".
&
ولا يتوقف الهاتف خلفه عن الرنين، ويشرح أنهم يتلقون باستمرار اتصالات من اطفال يتسلون بطلب نمرة الاسعاف المجانية.
ويقول سليم إن "اسوأ ما حصل لنا هو جعل رقمنا مجانياً. والان، كل من يريد أن يتأكد أن هاتفه يعمل، يتصل بنا".
ولكن غالباً ما يكون الاتصال للابلاغ عن حالات خطيرة.
&
وتتصل عائلات تعيش قرب الحدود مع اسرائيل لطلب نقلها بسيارة اسعاف، ولكن المسؤول لا يمكنه ارسال سيارة من دون التنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر والهلال الاحمر.
وصباح الاحد، مع بداية اليوم الذي شهد سقوط اكبر عدد من القتلى والجرحى في غزة، قتل المسعف فؤاد جابر في القصف على حي الشجاعية، شرق غزة، حيث قتل 70 فلسطينياً في ذلك اليوم الدامي.
&
ورافق جثمانه موكب من سيارات الاسعاف ورفاقه الباكون حتى منزل عائلته حيث تعيش زوجته وطفلته البالغة من العمر سنتين.
وحتى في اوقات الحرب، يضطر المسعفون للتعامل مع حالات عاجلة عادية.
&
وبين ضحايا الغارات، يتوجهون لنجدة ضحايا حادث سير. وفي مرة تلقوا نداء لإسعاف طفلة سقطت عن الطابق الثالث. اهتم المسعفون بتثبيت عنقها واوصلوها مع اهلها الى مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
وفي اليوم الرابع عشر من الهجوم، يقول سليم إن الوضع أسوأ من الحربين الاخيرتين في نهاية 2008 وفي نهاية 2012.
&
ويقول "كل حرب اسوأ من التي سبقتها. لم يشهد أي بلد في العالم ثلاث حروب في ست سنوات".
ويعمل المسعفون يداً واحدة ليتمكنوا من الصمود في هذه الظروف الصعبة.
&
"نحن عائلة واحدة"، يقول سليم المسؤول عن فريقه الصغير، "نواجه الوضع معًا، نتعاون، ننام ونصحو معًا".
ورغم كل المعاناة، وربما بسببها، يبقي المسعفون الجو في مركزهم خاليًا من التوتر، فيتحدثون عن الحلوى التي سيأكلونها بعد الإفطار، أو عمن واجه أقسى الظروف في الليلة الفائتة.
ويقول الزعبوط: "نحاول اشاعة اجواء خفيفة، لاننا نعرف أن الهاتف يمكن أن يرن في أي لحظة، وعندها سنخرج، ولكننا لا نعرف إن كنّا سنعود".