في الوقت الذي يقود فيه رئيس الحكومة البريطانية جهودًا لمحاصرة روسيا وفرض عقوبات مشددة عليها، كشف تقرير أن لندن لا تزال تسمح بتصدير معدات عسكرية إلى روسيا، وتحاول لندن راهنًا عبر محاصرة الرئيس الروسي اتهامه باغتيال جاسوس سابق.


نصر المجالي: غداة مطالبة رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون بحظر أوروبي على الأسلحة على روسيا، قال تقرير للجنة مراقبة تصدير الأسلحة في مجلس العموم البريطاني إن الحكومة على الرغم من الوعد بوقفها بسبب الأزمة في أوكرانيا فإنها مستمرة في عمليات التصدير. وتضغط بريطانيا من أجل فرض عقوبات أوروبية شديدة على روسيا عقب إسقاط الطائرة الماليزية في أوكرانيا.

وكان رئيس اللجنة لسير جون ستانلي، كتب رسالة إلى وزير الدفاع السابق فيليب هاموند، قبل انتقاله إلى وزارة الخارجية، يتساءل فيها عن سبب إلغاء 34 ترخيصًا فقط لبيع أسلحة إلى روسيا من بين 285 ترخيصًا.

وطالب ستانلي بتفسير تراخيص تصدير أسلحة لروسيا تبلغ قيمتها أكثر من 130 مليون جنيه إسترليني. ويقول تقرير اللجنة إن هذه التراخيص تشمل السماح بتصدير أجزاء بنادق هجومية وبنادق قنص، وذخيرة أسلحة صغيرة، ودروع واقية للبدن.

وسارع متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني إلى نفي معلومات إرسال المملكة المتحدة معدات عسكرية إلى الجيش الروسي، وقال إن التراخيص الحالية هي لأغراض مشروعة وغير عسكرية. وقال المتحدث، حسب تقرير لـ(بي بي سي) إننا "منذ شهر مارس (آذار) من هذا العام لا نمد القوات الروسية بالأسلحة".

تفسير حكومي
وقدمت الحكومة تفسيرًا مفصلًا للتراخيص، قائلة إن تراخيص تصدير البنادق والذخيرة مخصصة للصيد وأهداف رياضية. أما دروع البدن الواقية فهي لفرق التخلص من القنابل، ولا تعتقد الحكومة أن هناك خطرًا معقولًا لتحويل هذه المعدات من أجل استخدامها بوساطة الجيش الروسي.

يأتي نشر التقرير بعد فترة وجيزة من مطالبة كاميرون بحظر أوروبي على الأسلحة على روسيا، منتقدًا فرنسا بالمضي قدمًا في بيع سفينيتن حربيتين إلى البحرية الروسية. وردًا على ذلك، قال مسؤولون فرنسيون إنه يجب على بريطانيا أولًا أن تنظر في دور ما يسمونه بالنخبة الروسية في القطاع المالي في لندن. وكانت الصحف البريطانية قد أبرزت على صفحاتها تبرعًا ماليًا كبيرًا لحزب كاميرون من ملياردير روسي مقرب من بوتين.

جدوى العقوبات
على هذا الصعيد، تساءل تقرير لصحيفة (إنديبندانت) اللندنية حول ما إذا كان للعقوبات الاقتصادية الأوروبية على موسكو أي جدوى للضغط على روسيا. وتقول الصحيفة إن فكرة العقوبات الاقتصادية على أي دولة تتلخص في الضغط على اقتصادات دول بعينها من دون الإضرار باقتصاد الجهة التي تفرض تلك العقوبات، وهو الأمر الذي يعد صعبًا في ظل العولمة وترابط الاقتصاد العالمي.

أما في الحالة الروسية، حسب الصحيفة، فإن موسكو تحصل على 80 بالمئة من النقد الأجنبي من عائدات النفط والغاز، الذي تعتمد عليه أوروبا بشكل كبير، لكن الأمر قد يختلف تدريجيًا مع دخول الولايات المتحدة كمنافس قوي في مجال إنتاج النفط، وهو ما يتيح مزيدًا من البدائل لدول أوروبية، بحسب الصحيفة.

وتضيف أن روسيا ستضطر على المدى البعيد لتخفيض أسعار النفط نظرًا إلى حاجتها إلى أسواق لبضائعها والتكنولوجيا الأوروبية لاستخراجها، وهو ما سيحقق الهدف من العقوبات التي رُوّج بقوة لعدم جدواها.

اغتيال ليتفينينكو
إلى ذلك، تصدرت نية الحكومة البريطانية إعادة التحقيق في اغتيال الجاسوس الروسي المنشق ألكسندر ليتفينينكو تقارير الصحف البريطانية. وتساءلت صحيفة (التايمز) عن سر التوقيت الذي أعلنت فيه بريطانيا بدء تحقيق علني في مقتل الجاسوس الروسي المنشق، الذي توفي منذ نحو ثماني سنوات في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن بمرض غامض، وتم العثور على مادة "البولونيوم 210" المشعة في جسمه في ما بعد.

وتقول الصحيفة إن مارينا أرملة ليتفينينكو سعت بضراوة لسنوات إلى فتح تحقيق في اغتيال زوجها بالسم، وعلى الرغم من أن الطبيب المحقق في أسباب الوفاة التي حدثت في بريطانيا دعم ذلك الطلب، إلا أن الإعلان عن فتح التحقيق بعد أيام من إسقاط الطائرة الماليزية على الحدود الروسية الأوكرانية يثير كثيرًا من الأقاويل حول إذا ما كانت هذه الخطوة عقابية لروسيا أكثر من كونها تتويجًا لجهود مارينا ليتفينينكو لكشف غموض وفاته.

وتضيف (التايمز) أنه على الرغم من أن فتح التحقيق في وفاة حدثت على الأراضي البريطانية لأسباب سياسية أمر يثير الحنق، إلا أن احتفاظ بريطانيا بمثل تلك الأوراق للضغط على دولة مثل روسيا قد يكون له جانب إيجابي.

تورط بوتين
وتختم الصحيفة تقريرها بالقول: إن تحقيق ليتفينينكو، الذي يرجّح تورط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوة في اغتياله، بحسب رسالة كتبها الجاسوس الروسي قبل وفاته بأيام، قد يكون هو الطريقة المناسبة للتعامل مع روسيا، التي تحولت على يد بوتين إلى دولة "شبه مارقة" لا يستطيع المجتمع الدولي التعامل معها وفقًا للقوانين. وكانت الحكومة البريطانية أعلنت أنها ستجري تحقيقًا علنيًا في وفاة ألكسندر ليتفينينكو الجاسوس السابق في جهاز المخابرات السوفياتي (كيه.جي.بي).

وقالت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي في بيان، الثلاثاء إنه "مر أكثر من سبع سنوات على وفاة السيد لتيفينينكو، وآمل جدًا أن يقدم هذا التحقيق بعض العزاء لأرملته". وكان ليتفينينكو اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو على فراش الموت بعد تسميمه في لندن عام 2006 أنه هو الذي أمر بقتله.

واغتيل الجاسوس السابق في لندن يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 عن طريق تسميمه بمادة البولونيوم 210 المشعة، وعندها بدأ التحقيق في ملابسات الاغتيال، حيث كان يعتقد أن الفاعل ليس سوى الاستخبارات الروسية.

وفي العام الماضي رفضت الحكومة البريطانية طلبًا بالتحقيق في موت الذي توفي بعدما احتسى كوبًا من الشاي، فيه نظير مشع نادر في فندق راق في لندن، وهو ما تسبب باتهامها بمحاولة تهدئة الكرملين، الذي نفى مرارًا تورطه في الحادث.
&