شددت السلطات التونسية حملتها ضد الإرهاب، بعد مقتل الجنود الخمسة عشر في جبل الشعانبي، وقامت باعتقال عشرات السلفيين وأغلقت مساجد يسيطرون عليها، وعلقت عمل العشرات من الجمعيات الدينية والخيرية التي يشتبه في تمويلها للجماعات المتطرفة.


مجدي الورفلّي من تونس: بعد العملية الإرهابية التي خلّفت 15 قتيلا من قوات الجيش في تونس، وكأول ردّ فعل رسميّة تم إحداث "خلية أزمة" يرأسها المهدي جمعة رئيس الحكومة المؤقتة وتتكوّن أساسا من وزراء الدّفاع والدّاخليّة مهمّتها متابعة الوضع الأمني في البلاد.

هذه الخلية أصدرت نهاية الأسبوع الماضي عددا من القرارات القوية وغير المتوقّعة كالغلق الفوري للمساجد التي تقع خارج سيطرة وزارة الشّؤون الدينيّة ويديرها متشدّدون، وغلق الإذاعات والتلفزات غير القانونية والمحرضة على الإرهاب وتجميد عمل أكثر من 157 جمعية تحوم حولها شبهات التورط مع الإرهاب وغلق حوالي 80 روضة قرآنية واعتبار المؤسستين الأمنية والعسكرية خطا أحمر.

كلّ هذه القرارات انطلق تطبيقها حتّى قبل انتشار أخبار ما أفرزته أولى اجتماعات "خليّة الأزمة" ممّا يدل على جديّة حكومة جمعة على تنفيذها رغم اعتراض العديدين خاصّة فيما يتعلق بغلق المساجد، ولكن يبدو أن صدمة هجوم الشعانبي الأخير وحدت معارضي الحكومة ومنتقديها.

الحريات الدينية

قالت رئاسة الحكومة في نص بلاغ، اطلعت عليه "إيلاف" إنّ "قرار غلق المساجد الخارجة عن إشراف وزارة الشؤون الدينية و التي ثبت الاحتفاء بداخلها باستشهاد جنودنا البواسل لا يعد معاداة لممارسة الشعائر الدينية باعتبار أن الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والدين حسب دستور البلاد"، مؤكدة أنه فور تحييد هذه المساجد وخضوعها لإشرافها من جديد سيتم إعادة فتحها.

وقالت تقارير إعلامية محلية إن سلفيين احتفلوا داخل المساجد بعملية قتل الجنود يوم الأربعاء 16 يوليو الجاري. والعشرات من المساجد في تونس تقع خارج سلطة الدولة بعد أن أحكم متشددون قبضتهم عليها وقاموا بطرد الأئمة الذين عينتهم وزارة الشؤون الدينية.

منع من آداء الصّلاة

المقرّر العامّ للدّستور والنّائب عن حركة النّهضة بالمجلس التأسيسي (البرلمان)، الحبيب خضر، اعتبر أن قرار غلق المساجد الخارجة عن سيطرة الدّولة مخالف للدّستور الجديد ومنع بصفة غير مباشرة من لأداء "فرض صلاة الجماعة"، ودعا رجمعة إلى التّراجع عن قرار غلق المساجد لأنه "لن يكون إلا وقودا مؤججا لحواضن الإرهاب" على حدّ تعبيره.

وتساءل النّائب الإسلامي في رسالة وجّهها إلى رئيس الحكومة، والتي اطلعت عليها "إيلاف"، "هل يعقل أن يحرم الناس من أداء الصلوات المفروضة والتراويح والقيام وإحياء ليلة القدر لأن بعضا منهم، إن وُجد، قد ارتكب فعلا مجرّما ؟".

وأضاف "لا يُعقل أن يدفع المصلي ضريبة تأخر الوزارة في توفير إطار ديني للمسجد، إذ يمكن سد الفراغ مؤقتا عن طريق أئمة مؤقتين في انتظار تسمية أئمة قارين".

خطر على الحريّات

المرصد التونسي للقضاء نبّه في بيان إلى خطورة القرارات التي اتخذتها خلية الأزمة المُحدثة من طرف رئاسة الحكومة على الحقوق والحريات العامة والفردية، وعبّر عن خشيته من أن يتم تنفيذ القرارات المتعلقة سواء بإيقاف الأشخاص أو غلق المساجد أو المؤسسات الاعلامية أو حجب المواقع الالكتروني اعتمادا على مجرّد الاشتباه ودون أساس قانوني.

وأشار البيان إلى أن قرارات خلية الأزمة تمنح سلطات واسعة لوزارة الداخلية وتتضمّن قيودا على عدد من الحريات العامة والفردية كحرّية التنقل وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعبير والإعلام واستغرب من صيغة التهديد بالتّتبع القضائي لكلّ من يعمد إلى انتقاد أداء المؤسستين الأمنية والعسكرية.

وحسب مصادر رسميّة، فقد تم غلق 21 مسجدا وجامعا في مناطق مختلفة من جملة 38 خارج سيطرة وزارة الشّؤون الدينيّة، تحت إشراف المتشدّدين، كما يوجد في تونس 91 جامعا ومسجدا موزعة على كامل محافظات الجمهورية تم بناؤها بعد الثورة دون ترخيص من سلطة الإشراف.

خطوة للقضاء على الإرهاب

في المقابل يرى الأمين العامّ لحزب المسار الديمقراطي (يسار) سمير بالطيّب في إفادته ل"إيلاف" أن قرار غلق المساجد صائب وخطوة إيجابيّة في طريق القضاء على الإرهاب والخطابات التّكفيريّة وعلى الجميع الالتزام به وبما صاحبه من قرارات أخرى.

واستغرب بالطيّب تحمّس بعض الأطراف السياسيّة في الحديث على مقاومة الإرهاب وتحييد المساجد، في إشارة للإسلاميّين، وتغيّر موقفهم حين ينطلق التّطبيق في الواقع.

الصّرامة هي الحلّ

كمال مرجان، رئيس حزب المبادرة ووزير خارجيّة بن علي، عبّر عن مساندته للقرارات الأمنية والسياسية التي اتخذتها خلية الأزمة قائلا "يجب إصدار قرارات سياسية صارمة بهدف القضاء على بؤر الإرهاب الموزعة في عدد من مناطق الجمهورية التونسية ومحاسبة كل متجاوز للقانون وعدم التساهل معه خاصة في هذه الوضعية الصعبة التي تمرّ بها تونس".

وتقول السّلطات أنّ هذه الجوامع بُنيت دون الاستناد إلى ترخيص باعتبار أن المشرفين عليها لا يعترفون بالدولة كما ان هذه الأماكن بؤر لبث الخطاب التكفيري والتشدد وتحريض الشباب على الجهاد والانضمام إلى الجماعات الموجودة في الشعانبي أو الافتخار ببعض العمليات الإرهابية التي تستهدف قوات الأمن والجيش.

واعتقلت قوات الأمن التونسي عددا من الشبان والفتيات من ذوي الاتجاهات السلفية يشتبه انهم خرجوا للاحتفال بمقتل 15 جنديا في الشعانبي ووصفوهم ب"جند الطّاغوت".

غلق قنوات دينيّة

وفي سياق قرارات خلية الأزمة المكلفة بمتابعة الوضع الامني في تونس أثار قرار الغلق الفوري للإذاعات والتلفزات غير المرخص لها والتي تحولت منابرها الإعلامية الى فضاءات للتكفير، حسب وصف الحكومة، إضافة الى اعتبار المؤسستين الامنية والعسكرية خطا أحمر لا يجب القدح فيهما، جدلا وإتّهامات بضرب حريّة الإعلام.

وتبعا لهذا القرار قامت قوّات الأمن بغلق مقرّ وحدة إنتاج لبرامج إذاعة "النور للقرآن والسنة"، و قناة "الانسان"، وقد تم إيقاف 5 عاملين بالمقرّ والتحقيق معهم حول طبيعة الخطاب المطروح في الإذاعة، حيث أمضوا على التزامات بعدم البث تقتضي تتبعهم جزائيا وقضائيا في حال الخرق وتم إخلاء سبيلهم.

قناة "الإنسان" تنفي وتلتزم بالقرار

ونفت قناة الإنسان تهمة التّحريض على الإرهاب ونشر الفكر التّكفيري وقالت في بيان اطلعت عليه "إيلاف": "تم التداول أن القناة تدعو للتكفير والإرهاب والتحريض وهذا ادعاء مجانب للصواب، حيث أن القناة كانت دائما تنبذ كل مظاهر الغلو و التطرف، بل كانت و لا زالت ترسي معاني الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة".

وتابع البيان ذاته "ندعو السيد رئيس الحكومة في إطار محاربته لظاهرة الإرهاب إلى تجنب اعتماد حلول عاجلة و غير مدروسة، هي أشبه بالمسكنات الآنية، و لكنها ربما تضاعف من هذه الظاهرة وتزيد من شراستها وتغلغلها".

وأكّدت إدارة القناة أنّها ستلتزم بقرار إيقاف البث وستحترم القانون داعية رئيس الحكومة إلى عدم التّمييز في تطبيق القانون، في إشارة إلى القنوات والإذاعات التي توصف بأنّها تساند العلمانيّين وتروّج لهم.

لا يجب المس بحريّة الإعلام

من جانبه يرى رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ناجي البغوري من خلال حديثه لـ"إيلاف" إن الحرب على الإرهاب لا يجب أن تكون ذريعة للمس من حرية الصحافة وتنوع المشهد الإعلامي كأهم مكسبين بعد الثورة رافضا وضع خطوط حمراء في وجه الإعلام.

وأكّد نقيب الصحفيين أن النقابة حريصة على التصدي لوسائل الإعلام التي تعمل خارج إطار القانون، وبخاصة منها تلك التي تبث خطبا تكفيرية ومضامين تحريضية على العنف والكراهية، واعتبر أن اتخاذ مثل هذه القرارات يعود إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي وليس إلى السلطة التنفيذية داعيا الحكومة إلى ضرورة التنسيق مع الهيئة باعتبارها هيئة دستورية.

وأُتّهمت الحكومة بتجاوز الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري واتخاذ قرار الإغلاق دون استشارتها رغم أن اتخاذ مثل هذه القرارات يعود الى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي وليس إلى السلطة التنفيذية فيما أكّدت رئاسة الحكومة أنّها تداولت الموضوع مع الهيئة التي نفت بدورها علمها بقرار الغلق مسبّقا.

وخلّف هجوم إرهابي استهدف مساء الاربعاء الماضي عناصر من الجيش بجبل الشعانبي (وسط غرب) على الحدود مع الجزائر، 15 قتيلا وهي أكبر خسارة بشريّة يتعرّض لها الجيش التونسي منذ "حرب الجلاء" التي خاضها الجيش التونسي في 1961 لطرد القوات الفرنسية.