ابتكر عالمان ألمانيان من معهد ماكس بلانك سبيكة معدنية قادرة على الاحتفاظ بشكلها وترميم نفسها، مهما تعرضت للضرر.

ماجد الخطيب: يذكر هذا المعدن الذكي بفيلم تيرميناتور، من تمثيل ارنولد شوارزينيجر، حيث تخترق الرصاصات جسده لكنه يعيد ترميم جسده بسرعة، ثم تفلع له إحدى الاطلاقات رأسه، لكن الرأس يعود إلى حالته الأصلية بعد ثوانٍ فقط.

ذرات توأم

يتمتع المعدن الذكي، الذي يحتفظ بذاكرة تعيده دائمًا إلى شكله الأصلي، بالمرونة إلى جانب الصلابة التي تتفوق على الحديد. واستخدم الباحثان بلازيج غرابوسكي وتشيم تاسان، من قسم الدراسات على الحديد في معهد ماكس بلانك، تقنية نانوية في إنتاج المادة من التيتان والنيكل. وأطلق العالمان على المعدن اسم نيتي Nickel-Titan (NiTi) وعمما صورًا تشرح كيفية عمل ذرات المعدن على استعادة شكل المادة.

وتظهر الصور المجهرية بنية المادة من صفوف من الذرات التوأم التي تعيد ترتيب صفوفها من حالة& B2 NiTi-Phaseإلى الحالة التي تمثل العودة إلى الشكل الأصلي& B19 NiTi-Phase.

وعمل الباحثان على المشروع منذ العام 2011، بعد أن تلقى المعهد دعمًا من وزارة البحث العلمي قدره 400 ألف يورو. وسبق لمعاهد من مختلف بقاع العالم أن نجحت في تطوير مواد صناعية مختلفة ذات ذاكرة، لكن نجاحها في مجال المعادن اقتصر على ابتكار المعادن الذكية، التي تعمل تحت درجات حرارة عالية جدًا، أو إنتاج أغلفة وصبغات للمعادن ذات ذاكرة وتعيد ترميم نفسها بنفسها.

أربع صعوبات

ذكر غرابوسكي أنهم واجهوا أربعة تحديات على طريق إنتاج مادة نيتي خلال السنوات الأربع الماضية. وتمثلت الأولى في ايجاد المعادن المناسبة لصنع السبيكة ذات الذاكرة، ثم اختيار السبيكة التي تعمل كذرات على استعادة شكلها، لأن النجاح كان مقصورًا على المواد التي تعمل كجزيئات كبيرة. وصار عليهم في مرحلة ثالثة أن ينتجوا المادة الذكية التي تستعيد شكلها من دون مؤثرات خارجية، مثل القوة الميكانيكية أو الحرارة العالية أو الحقول المغناطيسية، وتلت ذلك مرحلة صنع مادة تستعيد شكلها وترممه إلى ما لا نهاية، لا أن تفقد هذه الخاصية بعد فترة قصيرة.

وإذ تولى غرابوسكي الجانب النظري من الموضوع ودرس مختلف المعادن القابلة للاستخدام في صنع السبيكة، تولى تاسان الجانب العملي، وقام بتجربة مختلف أنواع السبائك وطرق عملها.

مجالات صناعية

يمكن لمثل هذا المعدن أن يدخل بسرعة في صناعة السيارات، وأبدت العديد من شركات انتاج السيارات الألمانية الكبرى اهتمامها بنيل هذه التقنية، بحسب مصادر معهد ماكس بلانك.

يمكن استخدام معدن نيتي في صناعة أجزاء المكائن التي يصعب الوصول إليها عند تعرضها للضرر. ويفكر العالمان في استخدام نيتي لصناعة المعادن المستخدمة في البناء، وخصوصًا بناء الجسور والسدود وضمان عدم تعرضها للضرر. وربما تشق السبيكة طريقها في صناعة الطائرات والمركبات الفضائية، حيث يجد رواد الفضاء صعوبة بالغة في السباحة في الفضاء، وصولًا إلى اصلاح الأماكن المتضررة من المركبة.

وعمومًا، يمكن استخدام مثل هذه السبيكة في صناعة كافة الأجهزة التي تتطلب القوة والمرونة والقدرة على الاحتفاظ بالشكل.

تغيّر شكلها

وكانت شركة منيمو ساينس الألمانية نالت جائزة منتدى دافوس 2007 لقاء ابتكارها مادة صناعية بوليمرية، تعود إلى شكلها الأصلي دائمًا بدرجة حرارة جسم الإنسان. واعتبر المنتدى هذه المادة من الابتكارات التي ستغيّر حياة البشر مستقبلًا.

ولا تحتاج هذه المادة الذكية، وهي بوليمر محسن، إلى درجات حرارة عالية كي تكشف عن قدراتها على التحول. فحرارة جسم الإنسان تكفي في الاستخدامات الطبية لتحفيز المادة على اتخاذ شكلها الأصلي المخطط سلفًا. واستخدمت المادة في صناعة شبكات لتوسيع شرايين القلب ترسل ككرة صغيرة بواسطة قسطرة إلى القلب، فتغيّر شكلها هناك إلى انبوب شبكي يوسع الشريان بتأثير حرارة جسم الإنسان.

يلحم نفسه بنفسه

وعمل علماء شركة منيمو ساينس على تنويع البوليمر وتنويع أشكال المؤثرات الفيزياوية التي تؤثر فيه وتعيده إلى حالته الأصلية. وهكذا تم تطوير نوع آخر من المادة الذكية قادرة على تغيير شكلها بتأثير الضوء. وهذا يعني أن سائق سيارة المستقبل، الذي تتعرض سيارته إلى الخدوش، سيكتفي بنشر غسيل سيارته في الشمس، كي تستعيد السيارة شكلها الجميل ما قبل الحادث.

ونجح الباحث مايكل ديكي، من جامعة نورث كارولينا، في إنتاج كابل يعيد لحم نفسه بعد قطعه بالمقص. وتمت صناعة الكابل من مادة بلاستيكية بوليمرية متطورة ذات ذاكرة، في حين تم إنتاج السلك من معدن سائل يعود إلى حالة السيولة عند قطعه فيعيد لصق نفسه ثم يعود إلى الحالة الصلبة.