لندن: في مراحل من حياته التي ارتبطت بتاريخ حديث للعراق، يكشف الزعيم السياسي العراقي رئيس الوزراء الاسبق أياد علاوي تفاصيل غير معروفة عن واحدة من أخطر التطورات التي شهدتها بلاده، ودخولها في نفق المحاصصة ومواقف الدول المحيطة بها والدورين الإيراني والأميركي في ما وصل اليه العراق .

مراجعة توثيقية لزعيم سياسي
&
وفي ستة فصول من كتاب "صورة عراقي... مراجعة توثيقية لمواقف الزعيم السياسي العراقي اياد علاوي"، الذي أهدى نسخة منه إلى "إيلاف"، ينتقل رئيس الوزراء الاسبق من مرحلة تكوينه السياسي، ثم انضمامه الى حزب البعث وخلافه معه وانشقاقه عنه، ومحاولة سلطات بغداد التخلص منه في هجوم استهدف حياته... إلى مرحلة تشكيله لفصيل معارض وانخراطه في كيان اوسع، يضم فصائل المعارضة لنظام الرئيس السابق صدام حسين حتى سقوطه... ثم حرب العراق وسلطة التحالف، ومشاركته في إدارة النظام الجديد الذي اعقب مرحلة سقوط صدام وتوليه رئاسة الوزراء التي وضع لها عنواناً: "240 يوماً أحيت الأمل في العراق"، ثم فوزه في الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت عام 2010، و"اغتصاب السلطة" من ائتلافه الذي اختاره العراقيون عبر صناديق الاقتراع.
&
وفي الكتاب، الوثيقة، الصادر عن دار "الكنز" مؤخرًا، ومن تحرير الصحافي العراقي علي عبد الامير عودة، إلى بدايات اهتمام علاوي بالسياسة، مشيرًا إلى أن "أياد هاشم علاوي" ولد بمنطقة الاعظمية في بغداد عام 1945 لأب من أصول عراقية عميقة وأم لبنانية من آل عسيران، وهي إحدى أعرق العوائل في بلاد جبران خليل جبران التي لعبت دورًا متميزًا في مقاومة الفرنسيين .. وعرف عن عائلتي الاب والام "انخراطهما في النشاط السياسي وهو ما جعل الفتى علاوي كثير السفر بين بيروت وبغداد، فيما كان تأثره بالاجواء السياسية التي عرفتها العائلة قد وفر له أن يكون منفتحًا في وقت مبكر على صلات واسعة مع عوائل كثيرة في العراق تبوّأت مسؤوليات سياسية ودينية واقتصادية بارزة".
&
قيادي في نظام صدام تحول لمعارض عنيد
&
وعندما حصل انقلاب 17 تموز عام 1968 البعثي، كان علاوي عضواً في الحزب وطالبًا في كلية الطب، ثم بدأت بعدها الخلافات تشتد داخل الحزب بثلاثة اتجاهات: ممارسات البعث السلبية عربيًا واضطهاده للقوى السياسية ثم التفرد بالسلطة. ولدى انتقاله إلى لندن لإكمال دراسة الطب واتصاله مع قيادات بعثية في اوروبا والوطن العربي، تشكلت لديه القناعة عام 1975 بضرورة تشكيل تنظيم سياسي وأنجز هذا العمل سرًا في العام نفسه، مع بعض البعثيين الناقمين من خلال تأسيس حركة "الوفاق الوطني العراقي".
&
وقد كان رد فعل نظام بغداد على ذلك سريعًا وقاسيًا، حيث دبر في عام 1978 محاولة اغتياله في لندن، بهجوم عدد من عناصر المخابرات العراقية عليه بمنزله ليلًا، حيث اصيب وزوجته بإصابات خطيرة رقد اثرها في المستشفى لأكثر من عام، واستمر بالخضوع للعمليات الجراحية بعدها، كما لحقت بزوجته إصابات بالغة وحصلت لها مضاعفات فارقت الحياة اثرها. &&
&
بزوغ حركة الوفاق
&
وبعد احتلال الكويت عام 1990 ظهرت حركة الوفاق إلى العلن، وبدأ زعيمها علاوي رحلات إلى دول مجاورة وعربية وأخرى اوروبية التقى خلالها مع زعاماتها، حيث ظل يؤكد على ضرورة التغيير من داخل العراق وليس من خارجه.
&
ولدى بدء التحشيد الدولي لغزو العراق أوائل عام 2003 ، انصبت مواقف علاوي على محورين: الأول يؤكد على أنه لا مساومة على حرية العراق والخلاص من صدام، والثاني أن الهدف هو النظام وليس الدولة العراقية.&
&
واثر احتلال العراق، وتشكيل سلطة الاحتلال يؤكد علاوي حين اختير عضواً في مجلس الحكم&&أنه سعى بشكل لم يهدأ من اجل تحقيق الاستقلال الناجز والتأكيد على أن العراقيين هم أصحاب الحق الوحيد في تقرير مصير بلادهم. وفي هذا المجال يلفت إلى أن هناك بين القوى العراقية من دعا إلى "سلب العراق قدرته على الدفاع عن نفسه عبر إلغاء الجيش، بينما نحن ندعو إلى بناء جيش وطني غير خاضع لقرارات سياسية".&
&
بناء الدولة الجديدة: معارك مع الحاكم الأميركي للعراق
&
ويشير علاوي إلى أنه قبل ولدى توليه رئاسة الحكومة عام 2004 ظل هاجسه الأكبر الذي يعمل لأجله هو كارثة انهيار الدولة، وتحديد هوية العراق الجديد كدولة مدنية قابلة للحياة.
&
وقد ركز عمله على تحقيق الأمن وانجاز تمازج بين الجانب العسكري والآخر المدني وتشكيل دولة متصالحة مع شعبها تقيم علاقات بناءة وايجابية مع دول الجوار، والمنطقة، ونقل السيادة إلى العراقيين، وإبعاد تأثير الاحتلال تدريجيًا لكي يستعيد العراقيون قدراتهم على بناء وطنهم واستثمار خيراته في التنمية.&
&
ثم يتطرق إلى معاركه مع الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، حول رفض حل الجيش واجتثاث البعث وصلاحيات المحافظات التي منحها سلطة شبه مستقلة، حيث كان بريمر مستاء من مقالاته في الصحف الأميركية التي تروج لهذه الطروحات، وحتى انه ابلغه في اجتماع لهما "لقد احرجتني امام المسؤولين في واشنطن".
&
ويوضح علاوي أن جميع القرارات التي كانت تتخذ في مرحلة بريمر، اميركية وبريطانية، ولم تكن تتخذ على الصعيد العراقي، ويقول "كنا محاصرين ما بين شعبنا وبين القوات التي سميت في ما بعد بقوات الاحتلال".
&
علاوي واصلاح صورة العراق
&
ويؤكد علاوي في الفصل الرابع من الكتاب، أن حال العراق عقب سقوط نظامه السابق عام 2003 لم يكن إلا حال بلاد معزولة، ولذلك كان لزامًا التحرك بقوة لفك العزلة عن بلد مهم ليس في المنطقة وحسب، وانما في صلاته الاسلامية والعربية كالعراق.
&
وقال إنه توجه خلال ترؤسه لمجلس الحكم إلى مختلف قادة العالم، طالبًا منح السلام في العراق فرصة حقيقية، وفي مؤتمر مدريد للدول المانحة اكد علاوي أن بلاده تسعى للنهوض من تحت الرماد وخاطب ممثلي الدول المشاركة قائلاً: إن مهمة الانتقال بالعراق إلى مستقبل واعد مشروط بتشكيل مؤسسات المجتمع المدني من ناحية ومعالجة الكوارث الاجتماعية والبيئية والاقتصادية من جهة ثانية، واعادة تأهيل البنى الارتكازية من جهة ثالثة، هي قطعًا ليست بالمهمة السهلة، وفي ظل ظروف بالغة التعقيد وهجمة ارهابية واسعة النطاق تمثل نزعات الموت لهذه القوى الشريرة التي تعلم جيدًا أن عراقًا قويًا وغنيًا بثرواته مسالمًا يقوم على اسس الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الانسان، سيؤثر ايما تأثير في محيطه العربي والاسلامي باتجاه الاستقرار والامن والسلام والنمو.&

.. ورئيسًا للوزراء
&
ويعتبر علاوي رئاسته للحكومة العراقية بمثابة 240 يومًا احيت الامل في العراق، ويؤكد أنه سعى لحكم وطني بلا وصاية اميركية. ويستذكر أن اول الاقتراحات التي قدمها في موضوع شديد الالتباس خلال فترة ما بعد الغزو الأميركي قائلاً "عندما زارني كروكر السفير الأميركي في مكتبي وسألني عن رأي أخبرته أن اتفاقنا في المعارضة معكم كان بأن تكون هناك حكومة وطنية وليس احتلالًا لكنكم قمتم بنسف هذا المقترح، ولذلك فانكم مطالبون بايجاد سلطة في هذا البلد شبيهة بالسلطة الفلسطينية مع الفارق وبالنتيجة تتحول إلى حكومة عراقية".
&
ويشير إلى أنه خلال فترة رئاسته للحكومة من حزيران 2004 إلى شباط 2005 استطاع أن يحقق لبلده الكثير من المهام الجوهرية لبناء الدولة في مجال العلاقات الخارجية والحفاظ على التراث والهوية الدينية للعراق، وفي مجالات السياسة الوطنية والعسكرية والامنية والاقتصادية، اضافة إلى اصدار قانون المحكمة الاتحادية العليا.
&
ثم يستذكر علاوي بفخر يوم تسلمه السلطة من الحاكم الأميركي السابق بول بريمر قائلًا: اشرقت شمس جديدة، وبدأ يوم من نوع آخر وتاريخ يسطر للعراق الجديد، بعد أن تسلم العراقيون السلطة من قوات الائتلاف قبل يومين من الموعد المحدد نهاية حزيران 2004 وفوجئ الشارع العراقي بقرار نقل السلطة، ورفرف العلم العراقي للمرة الاولى&في المنطقة الخضراء بعد مغادرة بريمر، ورحبت دول العالم بتسليم السلطة للعراقيين. وارتفع العلم العراقي بالألوان الأحمر والأسود والأبيض والأخضر، مع عبارة الله اكبر في وسطه فوق المقر العام للتحالف في المنطقة الخضراء وسط بغداد... لقد اكدت أن العراقيين مصممون على انتصار الديمقراطية.
&
تأكيد الوطنية العراقية وقيمها
&
يفتخر اياد علاوي بأنه نظّم اول انتخابات ديمقراطية خلال فترة حكمه عام 2005 بعد عقود من انظمة تسلطية وانقلابات عسكرية، مؤكدًا أنها كانت اول انتخابات نزيهة 100 في المائة لم يحصل فيها أي اعتداء وتمت بشكل امين ونزيه، ويقول: سلمت السلطة بعد عدة اشهر بعد أن طلبت من الفائزين تشكيل الحكومة، وهكذا تم التداول السلمي للسلطة للمرة الأولى وانا فخور بأنني ابتدأت العملية السياسية وأجريت اول انتخابات ديمقراطية في العراق، وحققت اول درس مؤثر وواضح في التداول السلمي للسلطة.
&
ويؤكد علاوي أنه كان واثقًا بأنه لن يفوز في تلك الانتخابات، حيث كانت المحاور طائفية وعرقية، ويقول: كانت الانتخابات نزيهة لاستحقاق برغم&امتلاكي كل الإمكانيات لجعل النتائج لصالحي، حيث كنت امتلك الصلاحيات التشريعية والتنفيذية.
&
ويشير إلى أن الحكومة التي خلفته وشكلها ابراهيم الجعفري قامت بازالة كل المؤسسات التي تشكلت خلال فترة حكمه مثل المجلس الأعلى للسياسات النفطية ومجلس الاعمار والبناء وصندوق الاسكان لذوي الدخل المحدود واللجنة الاقتصادية العليا وهيئة الخصخصة .. كما تم دمج المليشيات في القوات المسلحة مما اضعف من هيبتها وامكانياتها وأساء إلى التسلسل الانضباطي في القوات المسلحة.
&
إنتخابات 2010 ... اغتصاب الديمقراطية&
&
في انتخابات عام 2010، فازت القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي بفارق 100 الف صوت عن القائمة الثانية لدولة القانون بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي، إلا أنه يشير إلى أن عدة عوامل لم تمكنها من تشكيل الحكومة.&
&
اولها: التحفظ الذي وضعته إيران على شخص علاوي الذي يشير هنا قائلًا: للأسف توافق الموقف الأميركي بشدة مع الايراني وتمت دعوة مجموعة من السياسيين العراقيين إلى ايران واستثنيت "العراقية" منه وكان المدعوون يمثلون الاطراف التي انضوت لاحقًا تحت اسم التحالف الوطني (الشيعي) ثم التحالف الكردستاني واعلنوا من طهران بأن رئيس الوزراء لن يكون من "العراقية" وانما منهم مع العلم أن التحالف لم يتشكل إلى بعد 10 اشهر من الانتخابات بسبب الخلافات بين اطرافه.
&
ويصف علاوي حرمان قائمته من تشكيل الحكومة بأنه اغتصاب للسلطة قائلاً: بالتأكيد أن الضغط الأميركي والضغط الايراني نجحا في التأثير على رئاسة الجمهورية مما حال دون اعطاء رسالة التكليف إلى "العراقية"، فكما هو منصوص عليه في الدستور يكلف رئيس الجمهورية الجهة الفائزة بتشكيل الحكومة، ولكن للاسف لم تسلم رسالة التكليف لنا.
&
وثانيهما: الرأي الذي قدمته المحكمة الدستورية بأن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل بعد الانتخابات، مع أن هذا الأمر ليس من صلاحياتها.
&
وينتقد علاوي مشاركة قائمته العراقية في حكومة المالكي التي اعقبت هذه الانتخابات متوقعًا تشتتها ووضعها في موقف لا تحسد عليه امام ناخبيها مقترحاً البقاء في المعارضة والاصطفاف مع الجماهير، ويقول: لكن معظم كيانات العراقية أرادت الاشتراك في الحكم وصدقت تحذيراتي فما تم الاتفاق عليه حول الشراكة انقلبت عليه الحكومة، وانقلبت ضد رموز القائمة العراقية ممن شاركوا في السلطة فتم إخضاع عدد منهم، وإبعاد وعزل الآخرين.
&
ثم يتطرق علاوي إلى اجتماع اربيل في نيسان ابريل عام 2013 بين قادة القوى السياسية من خارج رئاسة الحكومة، حيث جرى فيه تثبيت سحب الثقة عن حكومة المالكي، ويشير هنا قائلاً: إلا أن إيران تدخلت مجدداً وتوافقت معها الولايات المتحدة للضغط على بعض الاطراف للانسحاب من التزامها من مسألة سحب الثقة، وبالفعل فإن أحد كيانات القائمة العراقية ونتيجة لهذا الضغط انسحب كيان من "العراقية" نتيجة لهذا الضغط ثم انسحب رئيس الجمهورية (جلال طالباني) بعد أن تحدث عن توجيه خطاب رسمي إلى البرلمان يطالب فيه بسحب الثقة عن حكومة المالكي، وهكذا فإن التدخل الإيراني أفشل خطوة ديمقراطية دستورية اتفقت عليها قوى سياسية عراقية كبيرة ورئيسية، ولكن اجهضت مرة أخرى بسبب الموقف الإيراني الأميركي وتخاذل البعض وارتدادهم عمّا وقعوا عليه بعد أن أصبحوا ادوات لجهة معينة .
&
ويصف علاوي حكومة المالكي الحالية قائلاً: إنها فاشلة بامتياز وتراجعت إمكانياتها على كافة الاصعدة. هذه الحكومة تحاول إغراق الوضع العراقي بالمشاكل وانتهجت طريقًا طائفيًا سياسيًا وجهوياً بامتياز وعملت على تبني سياسات الاقصاء والتهميش والترويع والتخويف. ويشير إلى أن ضعف الحكومة الحالية وفقدانها للبوصلة ونهجها الجهوي المبني على ردود الفعل والتفرد بالقرار هي من اهم العوامل التي تقف خلف تدهور الوضع الراهن الذي يمكن وصفه بالمأساوي والمخيف.
&
وعن الانتخابات الاخيرة التي جرت في نيسان ابريل الماضي توقع علاوي أن تأخذ الأمور منحى خطيراً جدًا، وسيكون الضحية هو العراق وشعبه، فضلاً عن المنطقة برمتها، وذلك بسبب موقع العراق واهميته في عموم المنطقة . ويقول: إن العراق قد تراجع بعد 11 عامًا من سقوط النظام السابق في جميع النواحي وأصبح حاضره مؤلمًا ودمويًا ومتعبًا، ولم يكن متوقعاً أن يحصل هذا بعد عام 2003، فالعراق دخل في السنة الثانية عشرة بعد سقوط النظام السابق، وهو في تراجع مستمر في كل النواحي الامنية والاقتصادية والخدمية.
&
ويشير علاوي في الختام إلى أن القاعدة وتنظيماتها الجديدة اصبحت تضرب في الوقت والمكان الذي تشاء، من دون أن تكون هناك قدرة للحكومة والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، على ايقاف هذه الهجمات، بينما دماء العراقيين تسيل بغزارة نتيجة ضعف ادارة الملف الامني التي من المفترض أن تكون إدارة سليمة ومقتدرة وتوجهاتها واضحة في حماية أرواح العراقيين.