يتساءل المعارض السوري سمير العيطه في حوار مع "إيلاف"&إن كان&انتصر حقًا بشار الأسد الرئيس السوري، بدليل أنه لم يبقَ هناك بلد اليوم في سوريا نظراً للدمار الذي لحق بالبلاد بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على بدء ثورة سرعان ما تحولت إلى حرب بل حروب لم تجلب سوى الدمار والمعاناة وتغلغل الطائفية في نسيج المجتمع السوري.


ليال بشارة من باريس: يعتبر المعارض السوري سمير العطية أن المعارضة فشلت لأنها لم تكن قادرة على طرح نموذج أفضل من ممارسات السلطة القائمة أمام جميع السوريين. ويتساءل العطية في حوار مع "إيلاف" إن كان الرئيس السوري انتصر فعلًا بعد كل الدمار الذي لحق بسوريا بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء الثورة.

ويشرح مطوَلًا كيف ساهم الائتلاف وصراعاته ليس في أن تكون سوريا دولة فاشلة بل أن تصبح مجموعة دول فاشلة، من بينها شبه دولته، يعتبر أن الأوضاع في سوريا اليوم لا تقل سوءًا عمّا يحدث في ليبيا، و يرى أنه لم يبقَ من الثورة السورية اليوم سوى ذكرى.

في ما يأتي نص الحوار:

في فصل جديد يعكس الصراعات الداخلية التي تعصف بالإئتلاف السوري المعارض، أقال الائتلاف السوري المعارض رئيس الحكومة الموقتة أحمد طعمة على خلفيّة ما اعتبره قيادي في الائتلاف السوري المعارض هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على الحكومة الموقتة التي فشلت في إدارة الأزمة السوريّة، بدليل التقدّم الذي يحرزه الجيش السوري النظامي على أرض الميدان عبر استعادته لمناطق كانت خاضعة لسيطرة المعارضة.

بداية من يتحمّل فشل الائتلاف السوري المعارض اليوم، وبالتالي أين فشلت المعارضة السوريّة؟

الفكرة التي قام عليها الائتلاف كما المجلس الوطني في الأساس فاشلة. أنّ جسماً يمثّل توافقاً بين بعض أطياف المعارضة يمكن أن ينتصر للثورة على الاستبداد بمجرّد أن حصل على اعتراف بعض الدول بأنّه "الممثّل الشرعي والوحيد للشعب السوري". يتفق الكثيرون اليوم أنّ الثورة خرجت عن أهدافها السلميّة والنبيلة تزامناً مع إنشاء المجلس الوطني، الذي كان يراد، تحت غطاء أنّه يمثّل بديلاً للدولة، الذهاب بسوريا إلى المنحى التي ذهبت إليه ليبيا من تدخّل عسكري خارجيّ وفوضى.

مع كلّ هذا وبما أنّ كثيرين غرّروا بالانخراط به، جرى جهد حثيث لتوحيد جميع أطياف المعارضة من خلال عهد وطني وبرنامج مرحليّ في مؤتمر القاهرة في تموز 2012. إلاّ أنّ قوى خارجيّة بعينها منعت الخروج بجسم معارض موحّد ودفعت في ذاك الشهر الأزمة السوريّة إلى حرب مفتوحة، تحت شعار "معركة حلب" التي نعرف نتائجها الكارثيّة. ثمّ تمّ خلق الائتلاف دون حلّ المجلس، بحجّة توسيع الطيف، وأصبح هناك جسمان يفترض أنّهما ممثلان شرعيان للشعب، في حين ما تطوّر حقيقة على الأرض هو انفلات التنظيمات المتطرّفة، حتّى وصلنا إلى هيمنة داعش والنصرة رغم تنافسهما على الجانب العسكريّ من المعارضة، وتغيير جوهر الأزمة. سجلّ المجلس كما سجلّ الائتلاف، رغم وجود بعض الأشخاص الصادقين ضمنهما، هو سجلّ فشل تصوّر وضع منذ البداية أنّ طيفاً من المعارضة يمكن أن يحلّ محلّ الدولة السوريّة بدعمٍ خارجيّ. كان يجب تحقيق وحدة المعارضة بأيّ ثمن من البداية، ونبذ التطرّف والطائفيّة بشدّة منذ أحداث حمص الأولى، ورفض الذهاب إلى العسكرة، لأنّها بالضبط ما كان النظام يريد أن تذهب المعارضة إليه منذ الخطاب الأوّل. وقد فشلت المعارضة بالضبط هنا، أنّها لم تكن قادرة على طرح نموذج أفضل من ممارسات السلطة القائمة أمام جميع السوريين، فقلبت جزءاً كبيراً منهم كان يتعاطف معها ضدّها وخوفاً منها.

مجموعة دول فاشلة!

إلى أيّ مدى أضعفت الصراعات التي تعصف بالائتلاف السوري الثورة السوريّة؟

عندما تمّ تشكيل الائتلاف كانت الثورة بمعناها النبيل، أي مقارعة الاستبداد لبسط قيم المواطنة والعدالة والحريّة والكرامة، قد ذهبت. حلّ مكانها الحرب وما يسمّى "المناطق المحرّرة". الائتلاف كان في الأساس مشروع تقسيم، لإيجاد هيكلة دولة على هذه "المناطق المحرّرة".

ويعرف الذين دخلوا في التوسعة أنّني رفضت في الأساس الانضمام إليه لهذا السبب، مع أنّهم وضعوا اسمي دون سؤالي على قائمة التوسعة.

لكنّ الائتلاف فشل في خلق دولة بديلة، إذ دخل هذا الجسم في نوعين من الصراعات. صراع كتل سياسيّة بين بعضها وحتّى ضمن كلّ كتلة، كما في برلمان، مع أنّ أحداً لم ينتخب حقّاً شعبيّاً أيّاً من أعضاء هيئته العامّة، هم فقط من دعتهم الدول الراعية لحضور المؤتمر التأسيسي والتوسعة. هذا الصراع كان أشدّ في الائتلاف منه في المجلس، إذ أنّ من هيمن على المجلس استمرّ بجهوده للهيمنة على الائتلاف رغم التوسعة بعد فشل المجلس، والقادمون الجدد لم يشكّلوا كتلة حقيقيّة فدخلوا سريعاً في صراعات مع الكتل الأخرى وبين بعضهم. الصراع الثاني هو على إدارة دولة الائتلاف (الحكومة الموقتة ووحدة الدعم والتنسيق وغير ذلك).

كلّ هذه الصراعات أفشل مشروع الدولة البديلة، فاستغلّت داعش الأكثر فاعليّة الفرصة لخلق دولتها وفرض نفوذها على أراضٍ شاسعة في سوريا والعراق، وها هي جبهة النصرة تبحث عن الشيء ذاته في مناطق أخرى. هكذا ساهم الائتلاف وصراعاته ليس في أن تكون سوريا دولة فاشلة بل أن تصبح مجموعة دول فاشلة، من بينها شبه دولته.

الثورة ستبقى في الذاكرة

بعد أكثر من ثلاثة أعوام على بدء الثورة السوريّة وفشل مؤتمري جنيف الأول والثاني في إيجاد تسوية سياسية للأزمة السوريّة واستقالة موفدين خاصين إلى سوريا، كلّ ذلك يعيدنا إلى المربّع الأول. هل بتنا على مشارف نهاية الثورة السوريّة؟

تعيش سوريا اليوم حرباً، بل حروباً، وليس ثورة. الثورة اليوم هي ذكرى ما جرى في الفترة الوجيزة الأولى، التي تمّ تحويلها عن أهدافها في الحريّة والكرامة. والثورة هي ذلك العهد الوطني الذي جهدنا كثيرون لصياغته من أجل جميع السوريين في حلبون ثمّ في القاهرة. هذه الثورة ستبقى في الذاكرة، أمّا اليوم فلا شيء سوى الحرب والمعاناة.

هل حقًا انتصر الرئيس السوري!

هل أثبت الرئيس السوري للغرب معادلة أنا أو لا أحد؟

إذا ما أعدنا الاستماع لخطابه الأوّل بعد انطلاق الثورة، سنظنّ أنّه يتحدّث عن سوريا اليوم وليس عن سوريا حينها. في البداية لم يكن السلاح والطائفيّة والتنظيمات المتطرّفة وحتّى "المؤامرة" الخارجيّة بالقدر الذي تحدّث عنه. والكارثة أنّ بعض أطياف المعارضة والقوى الخارجية أخذت سوريا إلى حيث كان يريد الرئيس السوري. من وجهة النظر هذه فعلاً أثبت معادلته. وسأترك للتاريخ أن يحكم إن كان هذا نتيجة غباء الغرب أم أنّها كانت أصلاً خطّته.

لكن في الحقيقة، لم يبقَ هناك لا بلد ولا أحد، إذا جاز القول. فالبلاد دمرّت بشكلٍ كبير، والمواطنون نزحوا وفقروا وأضحى كثير منهم طائفيين بشكلٍ مقيت، والنسيج الاجتماعي أنهك، كما الجيش ومؤسسات الدولة. فهل انتصر حقّاً الرئيس السوري؟

غربيّاً، إقليميّاً، عربيّاً، هل تمّ تحميل المعارضة أكثر ممّا تستطيع القيام به؟ بدليل أنّ العمل السياسي كان ممنوعاً في سوريا لعقود؟

المشكلة تكمن في السؤال. فليس ما سمي معارضة هو المعارضة، بل من تمّ اختياره منها. ولا علاقة له بالثورة إذ لم يرَها تأتي ولم يعرف كيف يقودها. وليس العرب عرباً، بل دول تخلّت من أجل مصالحها وطموحاته الضيّقة عن عروبتها. والإقليم يشهد صعوداً لإسرائيل وتركيا وإيران وتنافساً بينهم على منظومة عربيّة هشّة مريضة تتآكل كما يوم مرضت الامبراطوريةّ العثمانيّة. وأوروبا والولايات المتحدة ليستا شيئاً واحداً فضمنهما تنافسٌ شديدٌ وهما تتنافسان مع روسيا والصين على الرجل المريض. صراعات الدول المدعوّة "صديقة" هي التي أخذت المعارضة إلى هذا المنحى، وهي التي أدّت إلى ظهور داعش والنصرة وغيرهما.

تتحجّج بعض الشخصيات المعارضة أنّ منع العمل السياسي لعقود هو الذي أدّى إلى فشل المجلس الوطني والائتلاف كدلالة على فشل المعارضة. هذه حجّة واعية. فهل كان مانديلا ينعم بالحريّة عندما وضع أسس التفاوض لإنهاء نظام الفصل العنصري الاستبداديّ لكي يصنع جنوب أفريقيا الجديدة. وهل معارضو تونس كانوا ينعمون بالحريّة خلال حكم بن علي. هذه حجّة تغطّي على أنّ بعض الشخصيات السياسية السورية التي برزت في الأحداث، بل انتقاها إعلام بعض الدول لإبرازها، فشلت في فهم الواقع السوري وطبيعة "الربيع العربي" وصراع الأمم ولم تكن في حجم المسؤوليّة التاريخيّة التي وقعت عليها. قلّة قليلة من المعارضين كانوا على حجم هذه المسؤوليّة.

هل ساهمت إسرائيل ببقاء بشار الأسد وصموده في وجه ثورة شعبيّة طالبت بتنحيته وسرعان ما تحوّلت إلى صراعات جماعات مسلّحة؟

لإسرائيل مصلحة في أن تضعف سوريا، وفي أن تصبح مجموعة كيانات هشة، وألاّ تقوم بدعم الفلسطينيين سياسيّاً وبالسلاح والصواريخ كما يظهره العدوان على غزّة اليوم. إلاّ أنّ أكبر المسؤولين عن الحالة اليوم في سوريا هو الحكومة التركيّة الحالية، المناهضة على الأقلّ إعلامياً لإسرائيل.

ففي البداية كان الإصلاح السياسي في سوريا بالنسبة لها هو فقط مشاركة الإخوان المسلمين في الحكم، وكان هذا صعباً بكلّ المعايير. ثمّ أنشئ المجلس الوطني برعايتها، وأفشلت كلّ محاولات توحيد المعارضة. ثمّ أفلتت المتطرّفين كي يتوافدوا إلى سوريا عبر أراضيها. وها هي حلب ومنطقتها تدار اليوم من عينتاب، بعد أن أفرغت حلب من كلّ مقوّماتها الاقتصادية البشريّة. واليوم عبر أيّة دولة تصدّر "الدولة الإسلاميّة" نفطها؟... عبر تركيا. تصرّفات الحكومة التركيّة الحالية جزء أساسي ممّا آلت إليه الأوضاع في سوريا وفي العراق، أكثر بكثير من الحكومة الإسرائيليّة.

المهمّ هو الإنسان السوري

لم نعد نسمع من القادة الغربيين، خاصّة الولايات المتحدة وفرنسا، أن الحلّ السياسي في سوريا يبدأ برحيل بشار الأسد. هل ينمّ ذلك عن قلق من أن تتحوّل سوريا ما بعد الأسد إلى دولة فاشلة على غرار السيناريو الليبي؟ بدليل الفوضى التي تعتري بعض دول الربيع العربي؟

القادة الغربيّون لم يكونوا في البداية متحمسين لرحيل بن علي عن تونس ومبارك عن مصر. لكنّهم استغلّوا "الربيع العربيّ" لقيادة ثورة مضادّة بالتحالف مع دول الخليج. وكانت أسوأ نتيجة هي ليبيا، التي أثّرت تطوّرات أحداثها كثيراً على الصيغ التي تعامل من خلالها هؤلاء القادة مع الأوضاع السوريّة. لكنّ السوريين قاوموا أكثر بكثير من الليبيين أوهام الثورة المضادّة وإمكانيّة إقامة الحريّة عبر التدخّل الأجنبيّ والصراع المسلّح بأجندة دينيّة.

إلاّ أنّ الأوضاع في سوريا اليوم لا تقلّ سوءاً عن ليبيا. وقد تحوّلت البلاد إلى إمارات حرب، حتّى في المناطق التي يسيطر عليها النظام. والمشكلة الأساس لم تعد في ما بقي من الدولة السوريّة قبل الأحداث، وفي أنّ بشار الأسد أعاد انتخاب نفسه فيها. بل في قيام "الدولة الإسلاميّة" على أجزاء من العراق وسوريا، والقوّة التي تتمتّع بها من حيث الإمكانيّات الماديّة، ما تشكّله من خطر على مناطق النظام والمعارضة، وعلى الدول الغربيّة من جرّاء كمّ المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانبها من حملة جنسيّاتهم.

ما زال معظم القادة الغربيّين يتحدّثون عن الحلول وكأنّ الأزمة ما زالت أزمة نظام ومعارضة، مسلّحة أو غير مسلّحة. والحديث عن حلّ سياسيّ يغيّب جزءاً كبيراً من الواقع الحالي. فهل هناك حلّ سياسيّ مع "الدولة الإسلاميّة" التي تقاتل اليوم بفعاليّة القوّات الموالية كما المعارضة بفعاليّة؟ وهل هناك حلّ سياسي مع "جبهة النصرة" غريمتها؟ وهل سيرحل الرئيس السوري في هذه الظروف؟ وهل سيؤدّي اتفاق سياسي بين النظام والائتلاف إلى أيّ شيء له معنى؟ وهل يمكن حلّ الأزمة السوريّة دون حلّ أزمة العراق؟

القادة الغربيّون دخلوا اليوم في تخبّط في الخطاب، ولم يعودوا يعرفون ما الذي يقولونه لرأيهم العام الذي ابتعد عن أيّ تعاطف مع ثورات الربيع العربيّ وأصبح فقط يخاف من الإرهاب وعودته إليه. في حين ما زال هذا الرأي العام يتعاطف مع فلسطين وغزّة بالرغم من أنّه يعرف أنّ تنظيمات الإسلام السياسي تشكّل جزءاً أساسيّاً من مقاومة العدوان هناك.

كيف تقيّمون ما وصلت إليه الحال في سوريا، وإلى أين نحن نسير اليوم؟

الأمور اليوم تتوجّه حتّى نحو الأسوأ والكلّ يشعر بذلك. والأولويّة الأولى هي وقف الحرب. ليس مع داعش ولكن بين كلّ من يؤمن بأنّ سوريا لجميع مواطنيها، وبأنّ هؤلاء المواطنين متساوون فيها، أفراداً وجماعات، وأنّ الأولويّة الوطنيّة هي في الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد أرضاً وشعباً. يجب نبذ ومحاربة التطرّف والإرهاب من قبل داعش كما من قبل جبهة النصرة وما شابهها. إلاّ أنّ المبادرة لوقف الحرب يجب أن تنطلق من السلطة الحالية، بحيث تتعمّم ما تسمّيه "المصالحات" لتشمل معظم الأراضي السوريّة مرّة واحدة. ويجب أن يقابل ذلك نبذ المعارضة المسلّحة لجبهة النصرة وما يماثلها. ونحن نرى الواقع يذهب هذا المنحى ببعض جوانبه.

لا يعني ذلك الاستسلام، بل تحمّل جميع الأطراف مسؤوليّة وقف العنف وإنهاء معاناة المواطنين، بغية إيجاد المناخ السياسي لحلّ توافقيّ. إذ لا يوجد حلّ سياسيّ حقيقيّ اليوم، إذ لا توجد أصلاً سياسة اليوم بل حرب. ووقف الحرب هي مسؤوليّة الأطراف المقاتلة. وهذه الأطياف المعارضة المقاتلة لا تتبع للائتلاف، ولا أيّ جسم سياسيّ آخر. يجب جلب جميع هؤلاء إلى هدنة توقف الحرب وتهتمّ بشؤون المواطنين في كلّ المناطق، حتّى يتمكّن هؤلاء المواطنون من اختيار ممثليهم في مؤتمر وطني عام يضع أسس الحلّ السياسيّ. وحتّى ذلك الحين، الأولويّة بعد الهدنة هي شؤون المواطنين: معيشتهم، أمنهم، عودتهم إلى منازلهم، خروجهم من الاعتقال والاختطاف، إخراج المقاتلين الأجانب.

ليست سوريا أوّل بلدٍ يعيش حرباً داخليّة من هذا النوع، ويجب الاستفادة من التجارب التاريخيّة، لصنع الحلول... والمهمّ هو الإنسان السوري قبل كلّ شيء.