بغداد: فرض تنظيم الدولة الاسلامية بعد سيطرته على مدينة الموصل منتصف الشهر الماضي، نوعا من الهدوء رحب به الاهالي لكن سرعان ما اتخذ نشاط هذا التنظيم المتطرف اتجاها يهدد حضارة وتاريخ واقتصاد المدينة.

عندما سيطر مسلحو التنظيم في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي على الموصل، ثاني مدن العراق، اثر انسحاب الجيش منها، اضطر نحو 500 الف غالبيتهم من الشيعة، يمثلون ربع سكانها، الى النزوح عنها.

لكن بعض هؤلاء عادوا الى منازلهم بعد ان شهدت المدينة هدوءا نسبيا وتوقفت في اعمال العنف والانفجارات في الايام الاولى التي اعقبت سيطرة الجهاديين، الامر الذي اكده اهالي المدينة. فقد اعيد فتح الطرق المغلقة ورفع حواجز التفتيش التي كانت تنتشر في طرقات المدينة، ذات الغالبية السنية، ما ساعد في اعادة جزء من الحياة الى طبيعتها.

وقال محمد ازهر (32 عاما) احد تجار الموصل ان "عندما غادر الجيش ودخل المسلحون شعرنا بعودة الانفاس للمرة الاولى". لكن ذلك لم يدم طويلا حيث سرعان ما شعر الاهالي بالمرارة والقلق مع اعلان خليفة للدولة الاسلامية التي تسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا.

فمدينة الموصل التاريخية التي سكنها المسيحيون من قرون اضافة الى اقليات اخرى، اصبحت مهددة بالموت. متطلبات الحياة اليومية مثل بنزين السيارات والتيار الكهربائي باتت بعيدة المنال كما اختفت تماما الكثير من الادوية والاحتياجات التي تتعارض مع مبادىء الدولة الاسلامية.

يقول مسؤول في الموصل مفضلا عدم كشف هويته "لقد حرموا على الشباب ارتداء التي شيرت واي ملابس تحمل احرف او شعارات مرفوضة من قبلهم، وارغموا النساء على وضع حجاب على رؤوسهن وارتداء ملابس اسلامية".

ويبدو ان تعاليم الدولة الاسلامية، تطبق بشكل مشابه لما يحدث في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا. يتنقل مسلحو التنظيم الذين يرتدون غالبا ملابس سوداء في مجاميع سيرا على الاقدام او في حافلات مثبت عليها اسلحة رشاشة او في سيارات كانت تابعة للشرطة وتحمل اليوم عبارة "الشرطة الاسلامية".

واشار المسؤول الى ان "لعب الورق او الدمينو محظور وحتى الشيشة والتدخين، رغم ان الامر غير مطبق بحزم" حتى الان. وسببت تعليمات الدولة الاسلامية لبعض التجار ضررا كبيرا، بينهم زيد محمود (30 عاما) تاجر الملابس الذي كان عليه ان يتخلص من بضاعته حتى وان تطلب الامر ان يبيعها بالخسارة.

ويؤكد محمود "خسرت حوالى 30 الف دولار" ولا يعد يسمح له اليوم مثل غيره من تجار الملابس الا ببيع ملابس الحجاب الاسلامي.

يعاني الوضع الاقتصادي في الموصل اليوم من تدهور حاد بعد رحيل نسبة كبيرة من اهالي المدينة وتوقف صرف رواتب العاملين في الدوائر الحكومية وقطع الطرق المؤدية الى المدينة التي كانت مركزا تجاريا مهما بين تركيا وسوريا وباقي مناطق العراق.

كما تدهورت تجارة الخضر والفاكهة بشكل حاد، حسبما اكد ابو علي احد الباعة في الموصل مشيرا الى ان "انقطاع الكهرباء ونقص الوقود لايساعد الباعة على تخزين المواد ما ادى الى انخفاض حاد في الاسعار". وبالتزامن مع الظروف القاسية التي تعيشها الموصل، قام تنظيم الدولة الاسلامية باستهداف هوية المدينة واقلياتها واماكنها المقدسة وثقافتها.

واكد مسؤولون من السنة والشيعة، ان هؤلاء المتمردين الذين يستهدفون الشيعة على وجه الخصوص ويصفونهم ب"الروافض" قاموا بتفجير عشرات المراقد المقدسة والحسينيات والاماكن الدينية في محافظة نينوى، مركزها مدينة الموصل.

وقام التنظيم اول امس الجمعة، بتفجير مرقد النبي شيت، الذي يعرف بانه ثالث ابناء ادام وحواء، وسبقه مرقد النبي يونس، وهما من ابرز المعالم التي يفتخر بها اهالي المدينة. واثارت هذه التفجيرات& استياء واستنكار اهالي الموصل وابناء العراق كله والخارج ايضا.

واكد المسؤول ذاته، ان "هذا الامر سبب لنا الما كبيرا& كما هو الحال عند طردهم للمسيحيين". وتابع باسي "اشعر بانهم قتلوا الموصل، البلد انتهى، لم يعد للمدينة اي قيمة من الصعب ان اصف الامر، كأنهم قتلونا من الاعماق".