لم يعد بالإمكان تجاهل المال الروسي والشركات التي ثبّتت مصالحها في العواصم الغربية فتمكنت من النجاة من العقوبات. ولذلك يبدو الرئيس بوتين مزهوًا، وهو يرى الغرب عاجزًا عن عقابه بسبب مغامرته في شبه جزيرة القرم.


عبدالإله مجيد من لندن: جاء رد فعل الغرب على ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم الى روسيا ودعمه الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق اوكرانيا ضعيفًا مترددًا بسبب حجم المصالح التي تخشى الدول الغربية أن تفقدها إذا اتخذت موقفًا أشد صرامة من الكرملين.

تداخل المصالح

وعلى سبيل المثال إن البنوك الاوروبية في نهاية آذار/مارس الماضي كانت مصدر 75 في المئة من اجمالي القروض المقدَّمة الى روسيا أو نحو 155 مليار دولار.& وألمانيا وحدها لديها 6000 شركة تعمل في روسيا.

وتسبح العاصمة البريطانية في بحيرة من الأموال الروسية، ويبلغ عدد الشركات الروسية المسجلة في بورصة لندن نحو 28 شركة قيمتها السوقية 260 مليار جنيه استرليني.

وهناك عشرات الشركات الروسية الأخرى لديها ايصالات ايداع عامة أو أسهم يجري تداولها في سوق لندن المالية.

وتنقل صحيفة التايمز عن محامٍ في جزر فيرجن البريطانية المعروفة بإيوائها شركات واجهة هيكلية سمتها التكتم الشديد على أنشطتها، أن الروس يشكلون نحو 20 في المئة من زبائنه.
&
ولدى الشركات متعددة الجنسيات مصالح روسية كبيرة.& فإن بريتش بتروليوم مثلاً تملك 20 في المئة من الأسهم في شركة روسنفت الحكومية الروسية لانتاج النفط.

وان أي عقوبات ضد مثل هذه الشركات الروسية العملاقة لا بد أن تواجه مقاومة عنيدة من قطاع المال والأعمال في الغرب. وبسبب اعتماد الاقتصاد البريطاني اعتمادًا مفرطاً على سوق لندن المالية، فإن من الصعب أن يتوقع احد موافقة الحكومة البريطانية على فرض عقوبات تضر بهذه السوق.

وكانت حكومة ديفيد كاميرون اعلنت في آذار/مارس حظر بيع اسلحة الى روسيا يمكن ان تُستخدم ضد اوكرانيا.& ولكن اللجنة البرلمانية البريطانية لمراقبة صادرات السلاح وجدت أن 13 اجازة تصدير فقط أُلغيت أو عُلقت.&

مواقف مائعة

يضاف الى ذلك انه في الوقت الذي تطلق حكومة كاميرون تصريحات شديدة اللهجة ضد بوتين، فإن تصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل كانت مائعة على نحو لافت.

وتكفي الاشارة الى أن روسيا هي مصدر 36 في المئة من الغاز الذي تستورده المانيا و39 في المئة من النفط، بحسب صحيفة التايمز.

سفينة بلا قبطان

لكنّ مراقبين يرون أن السبب الأهم من كل هذه الأسباب هو اعلان اوباما الصريح بأن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة للاضطلاع بقيادة الدفاع عن مصالح الغرب. وان بوتين يتصرف بمنأى من العقاب لأن سفينة الغرب بلا دفة وبلا قبطان.&

وتستطيع القيادة الروسية ان ترى ان الغرب ليس مستعدًا لخوض مواجهة دفاعًا عن مصالحه، وأنه لو كان جادًا بشأن تحجيم روسيا لأجرى الآن على الأقل مناورات عسكرية في اراضي الجمهورية التشيكية أو بولندا.

تقاعس الغرب

لكنّ القادة الغربيين كانوا المرة تلو الأخرى يبدون جهلاً وغطرسة في آن واحد لدى التعامل مع الحكام المستبدين من كل صنف. ومثلما اغفلوا خطر التطرف الاسلامي بامتناعهم عن دعم المعارضة الوطنية السورية دعمًا له معنى ضد نظام الرئيس بشار الأسد، فإنهم في روسيا ايضًا لم يدركوا أن بوتين قيصر جديد ذو نزعات توسعية امبراطورية.

وافترض كاميرون ايضًا عندما تولى رئاسة الحكومة أن بالامكان تحويل بوتين الى صديق حقيقي للغرب. لكنّ الحكام المستبدين يرون في مَنْ ينشد صداقتهم ضعفًا لا يترددون في استغلاله.