لم تحتفل غزة بعيد الفطر كسائر المناطق المسلمة، فهي متفرغة بالكامل لدفن ضحايا القصف الاسرائيلي والمآتم وتقبل التعازي.


غزة: كان من المفترض أو من الطبيعي أن تحتفل عبير شمالي بانتهاء شهر رمضان، ولكنها عوضًا عن ذلك امضت عيد الفطر بالقرب من قبر ابنها.

جلست عبير لتمسح بيدها التراب فوق قبر ابنها ووضعت خراطيم المياه الزهرية والبيضاء على كومة التراب التي دفن تحتها ثائر (16 عامًا) منذ اربعة ايام فقط.

وقتل ثائر جراء القصف المكثف الذي استهدف حي الشجاعية في شرق مدينة غزة خلال الهجوم الاسرائيلي على القطاع المحاصر، والذي سقط ضحيته اكثر من الف فلسطيني منذ انطلاقه في الثامن من تموز/يوليو.

أدمعت عينا عبير حين قالت إنه "كان من المفترض ان يكون رمضان شهر التقوى، شهر القرآن، وليس شهر المعارك". وتساءلت في حديثها الى مراسل وكالة فرانس برس "كيف اشعر؟ اشعر كأي امرأة دفنت ابنها في العيد. ماذا عليّ ان افعل؟".

اما والد ثائر واثنان من اشقائه من اصل ثمانية فبدا وكأنهم استنزفوا من الحزن ومن حرب طالت ثلاثة اسابيع ولا يبدو أنها ستنتهي قريبًا.

ويقول عهد شمالي والد ثائر: "كان مجرد طفل، انهى مدرسته وبدأ بالعمل لدى احد الحلاقين". وتابع: "هذا عيد الشهداء".

وتدخلت عبير في الحديث لتعقب على كلام زوجها بالقول "إنه عيد الدم".

وقتل ثائر الخميس في قصف اسرائيلي اثناء عودته الى منزله في الشجاعية، هذا الحي الذي دمر بالكامل.

ووفقًا لعهد، فإن منزل العائلة دمر في غارة أخرى وكان خاليًا وقتها. وهم يعيشون اليوم مع اقرباء لهم ريثما يجدون مأوى آخر.

وفي وسط مدينة غزة، شارك المئات من الرجال والنساء والاطفال في صلاة العيد في وقت مبكر من صباح اليوم في المسجد العمري. ركعوا وسجدوا وتلوا الصلاة، ثم تفرقوا بسرعة. لم يتباطأ أي منهم خوفًا من الغارات الجوية التي تضرب هذا القطاع الساحلي المحاصر منذ الثامن من تموز/يوليو.

ويبدو أن هدنة غير معلنة جرت الاثنين بعدما دعا كل من مجلس الامن الدولي والرئيس الاميركي باراك اوباما لوقف فوري لاطلاق النار خلال عيد الفطر.

وقال متحدث باسم الجيش الاسرائيلي لوكالة فرانس برس إنه منذ منتصف الليل لم تطلق أي صواريخ من قطاع غزة تجاه اسرائيل، ولم تشن اسرائيل أي غارة ضد القطاع المحاصر.

لكن في وقت لاحق، اكد مصدر طبي مقتل فلسطينيين احدهما طفل في الرابعة من عمره في قصف مدفعي اسرائيلي على شرق جباليا شمال قطاع غزة.

بدت الاجواء قاتمة في غزة حيث تجتمع العائلات عادة في العيد للاحتفال. ولكن بدلاً من الذهاب الى منزل الاقرباء لتناول الطعام، فضل الكثيرون العودة الى منازلهم. اما عائلات اخرى مثل عائلة شمالي فذهبت الى المقابر لزيارة قتلاها.

ويقول عيسى (44 عامًا) إنه "بعد الدمار والحرب، ليس هناك عيد بالنسبة لنا"، مضيفًا "نصلي ونكرم امواتنا ونعود الى منازلنا".

كانت الشوارع خالية الى حد ما، وعمد بعض العمال الى جمع النفايات المتراكمة منذ ايام.

وجلس عدد من الرجال يشربون الشاي خارج محالهم التي اقفلت ابوابها، فهم يتجنبون المخاطرة، فيما عمد بعض الاطفال الى تفقد المباني التي حولتها الغارات الاسرائيلية الى حطام.

وفي مقبرة الشيخ رضوان حيث دفن ثائر شمالي، نظفت احدى العائلات الحطام المتناثر على قبر واحد من اقربائها جراء سقوط احد المباني القريبة على المقبرة.

وجال عشرات الاشخاص في المقبرة الواسعة ووضع بعضهم الورود على الاضرحة القديمة. وكتب على شاهد احد الاضرحة "علي حسين عيسى، توفي في 2011، وعمره 85 عاماً".

ولكن ثائر شمالي لم يحظَ بضريح ولكن مجرد كومة من التراب، ولم يوضع له شاهد من رخام ليكتب عليه إنه لم يبلغ سن الرشد.