حمّل المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس، &في حوار مع "إيلاف"، الإدارة الأميركية وحلفاءها في أوروبا،&المسؤولية المباشرة عن تهجير المسيحيين،&لأنهم لم يتخذوا القرارات السياسية الصائبة التي تؤدي للحفاظ ليس فقط على الحضور المسيحي، وإنما على ثقافة السماح والإخاء الديني&بين&الدول العربية.

&
ليال بشارة من باريس: انتقد المطران عطا الله حنا في حوار مع "إيلاف"، فرنسا التي اعربت عن استعدادها لإستقبال مسيحيي العراق على أراضيها،&وطالبها بالمقابل بالعمل لوقف وصول السلاح والمال إلى الجماعات المتطرفة التي تعتدي على المسيحيين.
&
ووجَه المطران حنا رسالة واضحة المعالم، مفادُها أن مسيحيي الشرق لن يتنازلوا عن إنتمائهم للمنطقة العربية التي منها انطلقت رسالة المسيح إلى مشارق الأرض ومغاربها.
&
يذكر أنه للمرة الاولى&منذ ما يزيد على ألفي عام، مدينة الموصل في العراق باتت شبه خالية من المسيحيين الذين فروا هربًا من تنظيم الدولة الإسلامية الذي خيرهم إما بإشهار إسلامهم، أو دفع الجزية أو الخروج من المدينة.
&
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة العربية، مهد الديانات السماوية الثلاث، هجرة متنامية لمسيحييها مع تصاعد أحزاب الإسلام السياسي &بعد ثورات الربيع العربي على سبيل المثال&لا الحصر، في العراق، سوريا ومصر . &
&
في ما يأتي نص الحوار:
&
هل بات مسيحيو الشرق أمام حلين لا ثالث لهما الهجرة أو الإنصياع لأوامر التنظيمات المتطرفة وذلك إنطلاقاً مما حدث في مدينة الموصل التي غدت شبه خالية من مسيحييها بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، وسط عجز الحكومة المركزية في بغداد وصمت المجتمع الدولي؟&
&
ما يتعرض له المسيحيون في العراق وسوريا وغيرهما من الأماكن من عمليات تهجير على يد مجموعات متطرفة تدّعي الانتماء إلى الدين، ولكنني لأعتقد أنها لا تمثل أي دين من الأديان.
&
إن من يقوم &بتهجير المسيحيين واقتلاع المسيحيين من كنائسهم وبيوتهم والأماكن التي ولدوا ويعيشون فيها منذ أكثر من ألفي عام، إنما يخدمون أجندات معادية للأمة العربية ومعادية للمشرق العربي، لأن جمال المنطقة العربية وبهاءَها &يكمن في هذا التعايش والإخاء الديني الذي كان قائماً منذ عقود بين المسيحيين والمسلمين، ولكن عندما يتم إفراغ المنطقة العربية من المسيحيين، فعندئذ عن&أي تعايش وعن أي إخاء ديني نتحدث وبالتالي أنا أعتقد بأن هؤلاء إنما هم أولاً يسيئون إلى الدين الذي يدعون أنهم يتحدثون باسمه،&ويسيئون إلى تاريخ المنطقة العربية الذي تميز بهذا التآخي وهذا التعايش ويسيئون أيضًا لتاريخ المنطقة العربية الذي تميز منذ القدم في هذا الحضور المشترك، وأنا أود أن أذكر هنا القرّاء أنه عندما نتحدث عن التاريخ المسيحي، فنحن نلتفت مباشرة إلى&المشرق العربي لأن المسيحية لم تأتِنا من روما أو من القسطنطينية وإنما انطلقت من فلسطين ومصر وسوريا والعراق، لأن المشرق &العربي كان الأرض المقدسة التي منها انطلقت الرسالة المسيحية ومنها أيضًا انطلق الرسل إلى سائر إنحاء العالم لكي يبشروا بالديانة المسيحية.
&
نحن حقيقة نعتبر أن تهجير المسيحيين من العراق ومن غير العراق إنما هو جريمة لا تُرتكب فقط بحق المسيحيين، إنما أيضا بحق المسلمين وبحق الأمة العربية بكافة مكوناتها، لأن بالأساس عملية إفراغ المنطقة العربية من المسيحيين هي خسارة &لكل مكونات هذه المنطقة وليس فقط للمسيحيين.&
&
الولايات المتحدة وأوروبا تتحملان المسؤولية

من يتحمّل مسؤولية ما غدت عليه أوضاع المسيحيين في المنطقة العربية؟&
&
نحن نحمّل المسؤولية المباشرة &إلى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها&كونها من تتصدق دائمًا&في خطاباتها بحماية الأقليات وأود أن أشير هنا إلى أن المسيحيين ليسوا أقليات بل إن المسيحيين متجذّرون في أوطانهم وفي انتمائهم لبلدانهم العربية. وللأسف الشديد، فإن سياسات الولايات المتحدة الأميركية هي التي تتحمل المسؤولية المباشرة عن تهجير المسيحيين،&وهنا أود أن أطرح سؤالاً: من الذي يموّل ومن الذي يسلّح هذه الجماعات المتطرفة التي تذبح المسيحيين وغير المسيحيين التي تعتدي على الكنائس والمساجد، من أين يأتي هذا السلاح؟ من أين يأتي هذا التمويل؟ من أين يأتي هذا الدعم الذي تتلقاه هذه المجموعات خدمة لأعداء الأمة العربية ومن أجل تدمير المجتمعات العربية وتدمير الإخاء الديني الموجود في منطقتنا العربية وبالتالي نحن نحمّل الإدارة الأميركية وحلفاءَها في أوروبا&المسؤولية المباشرة عن تهجير المسيحيين&لأنهم لم يتخذوا القرارات السياسية الصائبة التي تؤدي للحفاظ ليس فقط على الحضور المسيحي وإنما تحافظ على البلدان العربية وعلى ثقافة السماح والإخاء الديني القائم&بين هذه الدول، هذا ناهيك عن أن بعض هؤلاء الذين يقاتلون في العراق والموصل ويطردون المسيحيين&يحملون جنسيات غربية وكأنهم أُرسلوا إلى العراق أو سوريا لكي يتم التخلص منهم دون الأخذ في&الاعتبار&تداعيات ذلك على البلدان العربية من دمار وإفراغها أيضًا من مكونها المسيحي الذي هو مكون حضاري وإنساني،&ولطالما كان فعالًا في الحياة الثقافية والوطنية على حد سواء، &نحن لا نثق في خطابات الإدارة الأميركية التي دائمًا تتغنى بمسألة الحفاظ على الأقليات.
&
أنتم تحمّلون الولايات المتحدة مسؤولية ما غدت عليه أوضاع مسيحيي الشرق، ولكن لا يجب أن ننسى أن &هناك مسؤولية تُلقى أيضًا على عاتق الأنظمة القائمة التي فشلت في حماية المسيحيين؟&
&
انا لا امدح أي نظام عربي و&الأنظمة العربية بشكل عام تحتاج إلى إصلاحات كثيرة وهذا موضوع حقيقة مختلف ولكن ما أريد أن أقوله أن داعش وهي منظمة إرهابية بامتياز إضافة إلى أخواتها من المنظمات الإرهابية التي تدعي أنها تمثل الإسلام، ولكنها في الحقيقة لا تمت بصلة إلى الإسلام &ولا لأي دين من الأديان،&ولا أيضًا لأي قيم من القيم الدينية والحضارية لا بل أنا أعتقد بأن هدف&داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية المتطرفة والمتخلفة &هو الإساءة للإسلام وتشويه صورة الإسلام، فهذه الجماعات أُرسلت إلى المنطقة العربية لكي تشوه صورة الإسلام الحقيقي والمتسامح، الإسلام الذي يحترم الآخر ويتعاطى مع الآخر بإنسانية، وبالتالي أنا أقول بوضوح إن الحملة ليست فقط على الحضور المسيحي&وإنما أيضًا على الإسلام الحقيقي الذي يُراد تشويه صورته والإساءة له.&
&
أنا أعتقد أن كل الشعوب العربية ورجال الدين المسيحيين والمسلمين في المنطقة العربية مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يتعاونوا معًا من أجل ترسيخ ثقافة التسامح والتآخي الديني ونبذ التعصب والتطرف والكراهية، لأنه لا يوجد هناك دين يدعو للكراهية &وللقتل والعنف، فالأديان هي جسور بين &الشعوب،&وليس لأن تكون أسوارًا بين شعوب المنطقة، وللأسف الشديد من &يسعى لجعل الدين سوراً يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان أو جعله سيفاً&مسلطًا على رقاب الناس، فذلك يسيء إلى الدين وإلى روحانية الدين وإلى رسالة الدين، أنا أعتقد بأن الأنظمة العربية تحتاج إلى إصلاح ولكن في الدرجة الأولى من يتحمل مسؤولية هذه الجماعات المتطرفة؟ من يتحمل المسؤولية&هي الجهة التي تمول، تُسهّل وتفتح الممرات لكي يقوموا بأعمالهم الإجرامية ضد الشعوب العربية سواء في العراق أو غيرها من الأماكن.
&
&لا نريد ترك&المنطقة العربية&
&
فرنسا أعربت عن استعدادها لاستقبال مسيحيي العراق على أراضيها كما فعلت عام 2007، بالتالي&هل الحل يكمن بتسهيل هجرة المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط أم تمكينهم اليوم من البقاء في أرضهم؟
&
نحن نقول لفرنسا والدول الغربية إننا لا نريد ترك العراق ولا نريد ترك سوريا وفلسطين والمنطقة العربية، فانتماؤنا هو للمشرق العربي، لهذه الأرض المقدَسة المباركة.
&
بالتالي أنا أستغرب من هذا الموقف الفرنسي، وأنا أطالب فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، فبدل من أن تسهلوا عملية وصول المسيحيين إليكم عليكم أن تعملوا على وقف تمويل ووصول السلاح والمال إلى هذه الجماعات المتطرفة التي تعتدي على المسيحيين والمواطنين الآمنين، فنحن لن نتخلَى عن انتمائنا العربي، &ولن نتخلى عن انتمائنا للمنطقة العربية.
&
نحن في فلسطين سنبقى في فلسطين، وفي العراق سنبقى في العراق وفي سوريا سنبقى في سوريا ومن ترك العراق وسوريا وفلسطين وغيرها من الدول في ظل الظروف الصعبة سيعود إليها عندما تعود الأمور إلى وضعها السليم، فالمسيحي العربي المشرقي مطالبٌ بأن يحافظ على مسيحيته المشرقية الأصيلة ولن نتنازل عنها، صحيحٌ أن بعض المسيحيين تركوا العراق في ظل الظروف الراهنة، ولكن أنا متأكد إذا ما تغيّرت الأوضاع في العراق أو في غير العراق فسيعود المسيحي إلى بلده، لأنه لا يوجد بالنسبة لنا كمسيحيين أجمل من فلسطين، وما هو أجمل من سوريا والعراق وكل هذه&المنطقة العربية، لن نتنازل عن انتمائنا للأرض التي& منها انطلقت رسالة المسيح إلى مشارق الأرض ومغاربها.
&
نحن نشهد في منطقتنا العربية صراعات دينية ليست بالضرورة مسيحية إسلامية، فهناك صراعات بين السنة والشيعة، &ويُراد منها تدمير المنطقة العربية وتقسيمها بناء على انتماءات طائفية .
&
ألا يتحمل الإسلام السياسي جزءًا من مسؤولية ما غدت عليه أوضاع&المسيحيين في البلدان العربية خاصة في العراق، سوريا و مصر؟&
&
نحن دائما ككنائس مسيحية في منطقتنا العربية، كنّا وما زلنا وسنبقى حريصين جدًا على أن نحافظ على علاقات طيبة مع أخوتنا المسلمين، فهم شركاؤنا في الإنتماء للعروبة، &للوطن ولهذا المشرق العربي ونحن نتمنى ونطالب بأن نعمل معًا وسويًا من أجل أن نحافظ على وجودنا، ورسالتنا وإنتمائنا وارتباطنا بهذه الأرض المقدسة.&
&
أنا لا أعتقد بأن الاعتداء على المسيحي سواء كان في مصر أو في سوريا أو في لبنان أو في فلسطين.... ينصب في مصلحة أحد،&لأن هذا ينصب فقط في مصلحة أعداء الأمة العربية لأنهم وحدهم المستفيدون من التعديات على المسيحيين وعلى غير المسيحيين ، فنحن كعرب سواء كنّا مسيحيين أو مسلمين يجب أن نرسخ &ثقافة التسامح الديني والإخاء الديني والتعاون والحوار الدائم بيننا.&