من الصعب التفكير في منصب إداري في الحياة العامة البريطانية صاحبه مرشح للفشل مثل رئاسة مجلس أمناء الـ "بي بي سي"، ربما باستثناء مدرب منتخب انكلترا بكرة القدم أو رئيس أساقفة كانتربري، كما قال ذات مرة السر كريستوفر بلاند، في محاولة لإيضاح ما يعتري هذا المنصب من مطبات ومنزلقات.


إعداد عبد الاله مجيد: يقول السر كريستوفر بلاند، الذي ترأس مجلس إدارة "بي بي سي" بين 1996 و2001، إن على رئيس مجلس الادارة ان يدافع عن "بي بي سي" ضد انتقادات لا هوادة فيها لكنها ليست دائما انتقادات ظالمة، وفي الوقت نفسه محاسبتها بشأن تنفيذ التزاماتها تجاه دافعي رسم الترخيص الاجباري الذين يمولون المؤسسة.

عملية صعبة

ويقول محللون إن الجمع بين هاتين المهمتين بالأقوال اسهل من تطبيقهما بالأفعال. فان التعاطي مع الرأي العام البريطاني عملية صعبة حين يكون من السهل إغضاب المشاهدين والمستمعين ببث حالة الطقس في كل رقعة من البحار المحيطة بالجزر البريطانية على الراديو أو تغطية المناسبات اليوبيلية للملكة بلغة رسمية مملة قبل تحويلها إلى تغطية ترفيهية خفيفة. وان ينال رئيس مجلس الأمناء رضا الجمهور وفي الوقت نفسه يحافظ على علاقة ودية مع مدراء البي بي سي التنفيذيين، لا سيما في وقت يشهد استقطاعات حادة في التمويل والرواتب، فان هذه لعبة توازن تتطلب قدرات ومهارات استثنائية حقًا.

ومنذ بدء العمل بنظام مجلس الامناء في عام 2007، فإن هذا التحدي الحق الهزيمة بالشخصين اللذين توليا رئاسة المجلس. إذ اتُهم السر مايكل ليونز الذي ترأس مجلس الامناء حتى عام 2011 بالتحيز للمؤسسة على حساب الجمهور.

وانتهى مآل خلفه اللورد كريس باتن إلى الاشتباك في معركة مع مدراء المؤسسة، فيما حمَّله الجمهور مسؤولية سلسلة من الفضائح بينها دفع رواتب عالية إلى حد فاشح للمدراء وانفاق ملايين على مشروع فاشل لتطوير تكنولوجيا المعلومات في البي بي سي.

البحث عن بديل

وبعد استقالة اللورد باتن المبكر لأسباب صحية هذا العام، تلاقي البي بي صعوبة في العثور على بديل يقبل بالمنصب.

وقالت صحيفة فايننشيال تايمز إن عددًا من المرشحين رفضوا أن "يرشفوا من كأس السم" الذي تمثله ادارة البي بي سي، بينهم السر بيتر بازالغيت رئيس مجلس الفنون واللورد سيباستيان كو رئيس اللجنة المنظمة لاولمبياد لندن 2012 الذي كان المرشح المفضل لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

ويبدو أن لدى الرافضين اسبابًا وجيهة منها أعباء المنصب بالمواصفات المحدَّدة حاليًا واقتراب الميثاق الملكي للبي بي سي، اساسها الدستوري الذي يحدد اهدافها ويصون استقلالها، من انتهاء صلاحيته في عام 2016.

ومن أهم القرارات التي تواجه الحكومة في أي مفاوضات لتجديد الميثاق، ما يتعلق باصلاح ادارة البي بي سي. وهناك اتفاق عام على أن النظام المعمول به حاليًا باء بالفشل. فإن التقسيم الجامد بتركيز مجلس امناء المؤسسة على حماية دافعي رسم الترخيص واناطة العمل الصحفي والبرامج بهيئة المدراء التنفيذيين تقسيم غير عملي. وكثيراً ما تضيع القرارات الكبيرة بين المجلس والهيئة. وغالبًا ما تنقص مجلس الخبراء الخبرة والمعلومات اللازمة لمحاسبة هيئة المدراء التنفيذيين.

وهناك ايضا شكوك بطريقة مجلس الامناء في ممارسة صلاحياته الرقابية. ومن المقترحات المطروحة حل المجلس ونقل صلاحياته إلى هيئة تنظيم البث التلفزيوني والاذاعي في بريطانيا.

ولكن المشكلة تكمن في أن أي قرار بشأن هذه الاصلاحات لن يُتخذ في وقت قريب. فالحكومة الحالية لا تريد المبادرة إلى اتخاذ هذه الخطوة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية. وما يحدث بعد ذلك سيعتمد على نتائج الاقتراع ورغبة الحكومة الجديدة في الاصلاح.

أرض حرام!

وفي مثل هذه الظروف، فإن من يقبل بتولي رئاسة مجلس الامناء سيأخذ على عاتقه دور جندي في الحرب العالمية الاولى، عالق في حفرة احدثتها قنبلة في أرض حرام، حيث يتعرض بين حين وآخر لنيران الجانبين المتحاربين، على حد وصف صحيفة فايننشيال تايمز.

وإذا كان هناك من جانب ايجابي في هذا الوضع، فإن صعوبة العثور على أحد يقبل برئاسة البي بي سي اليوم قد تحمل المؤسسة على اعتماد طريقة تفكير جديدة. فإن انكلترا تعاقدت مع اجانب لتدريب منتخبها الكروي وأن رئيس كنيستها الانجليكانية كان مديرًا في شركة نفطية. وليس قانونًا ثابتًا أن يكون رئيس البي بي سي من الحكومة أو الوسط الاعلامي أو مجلس اللوردات.