بعد تزايد الاتهامات لها بارتكاب جرائم طائفية، رفض زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر اليوم زجّ الميليشيات المسلحة في عمليات عسكرية، معتبرًا ذلك تهديدًا للسلم الاجتماعي، وطالب بتشكيل حكومة شراكة وطنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية وذات وجوه جديدة وتحظى بقبول واسع.. فيما وصف خطيب الفلوجة المالكي بالمريض نفسيًا، الذي لم يعترف بهزيمة جيشه، مؤكدًا أن الأنبار بيد ثوار العشائر وفصائل المقاومة.


أسامة مهدي: أشار إمام جمعة مدينة الكوفة في محافظة النجف علي الطالقاني إلى ما قال إنه موقف الصدر في اعتبار أن قتال التنظيمات الإرهابية هو مسؤولية الجيش العراقي، معتبرًا أن وجود ميليشيات غير منضبطة يشكل تهديدًا للسلم الداخلي وتفتيتًا للمجتمع. وأكد أن مسؤولية قتال الإرهاب هو للجيش العراقي الوطني، داعيًا إلى دعمه دوليًا وتسليحه عبر الدول غير المحتلة، لأن الاحتلال لا يريد للجيش الخير، في إشارة إلى الولايات المتحدة.

جاء رفض الصدر للميليشيات في وقت قال مسؤولون في الأمن والشرطة إن ميليشيات "أهل الحق" الشيعية المنشقة عن الصدر وضعت قوائم لسنة يشتبه في أنهم مقاتلون بهدف خطفهم وإعدامهم وشنقهم علنًا، مما يزيد من حدة حرب طائفية تمزّق أوصال البلاد.

دعوة إلى حكومة شراكة بعيدة عن المحاصصة
وطرح خطيب الكوفة نقاطًا عدة حول الأوضاع العراقية الحالية، أراد الصدر إيصالها إلى العراقيين. وقال الصدر إنه لا يستجدي السلام الضعيف المبني على المحاصصات والمجاملات، وإنما يدعو إلى السلام العادل القائم على الكلمة المستقيمة والفكرة الواضحة، التي لا تحتمل أي التواء، والإيمان بأحقية جميع مكونات الشعب العراقي، وتبني دولة مدنية قوية قادرة غير خاضعة إلا لإرادة الشعب.

ودعا الصدر إلى الإسراع في تشكيل حكومة شراكة وطنية بعيدة عن أية محاصصة طائفية وذات قبول واسع وبوجوه جديدة قادرة على السير بالدولة العراقية إلى التألق وضمان حياة كريمة للمواطن العراقي وترك وضع العقبات والدخول في دوائر مفرغة.. محذرًا أن ذلك كله يؤخر إقرار السلام أو يكاد أن يقتل السلام. وطالب بتوحيد خطاب جميع مكونات الشعب العراقي بطوائفه وساكنيه في رفض التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش"، مشددًا بقوله إن "التاريخ سيكتب الخزي والعار في جبين كل من يقف مع داعش والإرهاب وكل ميليشيا غير منتظمة وقحة قتلت الشعب العراقي".

وشدد الصدر على رفض أي خطاب متشنج بين المكونات العراقية بكل طوائفهم، فكلهم شركاء في الوطن، ولهم الحق في عيش حياة كريمة فيه. واعتبر أن إقصاء البعثيين والإرهابيين عن أي حوار هو ضرورة وطنية وإنسانية لا يمكن التنازل عنها. كما دعا الصدر أتباعه إلى "الالتزام التام برؤيته حول الأزمة العراقية، وأن يكون تصرفهم وطنيًا وإنسانيًا ومعتدلًا وعدم الخروج عن ذلك النهج".&

يذكر أن الميليشيات قد أصبحت خط دفاع مهمًا للحكومة العراقية بقيادة الشيعة، بعدما انهار الجيش أمام تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في حزيران (يونيو) الماضي صوب بغداد وسيطرتهم على أجزاء كبيرة من شمال العراق. وقد تزيد الأساليب الوحشية للميليشيات في بلدات إلى الشمال من العاصمة قرب خط المواجهة مع مقاتلي الدولة الإسلامية من تشدد السنة، الذين يقولون إن الأبرياء يدفعون ثمن الصراع.

وقال مسؤول أمني كبير في محافظة ديالى (65 كلم شمال شرق بغداد) يعمل مع الميليشيات "لديهم قائمة استهداف لسنة يعتبرون تهديدًا على قوات الأمن والسكان الشيعة". وأضاف "يجب تصفية كل شخص على القائمة لتخليص المحافظة من الجماعات المؤيدة للدولة الإسلامية". وتقول الميليشيات إنها تقضي على خطر "الإرهابيين"، لكن منتقدين يتهمونها بالزجّ بالعراق في بئر الطائفية. وتساعد الميليشيات العراقية، وخاصة "أهل الحق" المدعومة إيرانيًا قوات الأمن أيضًا في محاربة مقاتلين سنة سيطروا على أجزاء من غرب العراق.

والصراع الدائر حاليًا هو الأسوأ منذ الاقتتال الطائفي في العراق خلال العقد الماضي، ويمثل أكبر خطر على استقرار البلد المنتج للنفط منذ سقوط نظام صدام حسين. وتعيش في بعقوبة أعراق مختلفة، وتوضح أحداث شهدتها المدينة هذا الأسبوع أساليب الميليشيات لحمل السنة على عدم الانضمام إلى الدولة الإسلامية.

وتحتاج الشرطة وقوات الأمن الى&مساعدة الميليشيات الشيعية، مثل جماعة عصائب الحق، والتي أصبحت تضاهي الجيش في القدرة على مواجهة المقاتلين السنة. والتعاون مع الميليشيات الشيعية مقبول على ما يبدو لدى السلطات، لأن البديل أسوأ، وهو الهزيمة أمام مقاتلي الدولة الإسلامية، الذين يعدمون أفراد قوات الأمن العراقية.

وقال نقيب في الشرطة يدير دوريات مشتركة مع الميليشيات "لا يمكننا إخفاء حقيقة أنه بدون مساعدة ميليشيا عصائب الحق، فإن أعلام الدولة الإسلامية كانت سترفرف فوق مقر حكومة بعقوبة الآن". وأضاف "إنهم قساة للغاية.. نعم.. لكن القسوة أحيانًا تؤتي ثمارًا، خاصة مع عدو لا يرحم كالدولة الإسلامية".
&
خطيب الفلوجة: المالكي مريض نفسيًا
من جهته&اعتبر خطيب جمعة الفلوجة في محافظة الأنبار الغربية الجمعة الصحوات التي يحاول رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي تشكيلها "ثوبًا جديدًا من الميليشيات وبابًا لسرقة الأموال"، واصفًا إياه "بالمريض الذي لم يعترف بهزيمة جيشه". وأكد أن الفلوجة والأنبار بيد "ثوار العشائر وفصائل المقاومة".. فيما اتهمه "بالاستعانة بأشباه الرجال من شيوخ ووجهاء الاحتلال الأميركي".

وقال الشيخ عبد الله طاهر الزوبعي خلال خطبة صلاة الجمعة في جامع المهاجرين إن "الصحوات التي يحاول المالكي تشكيلها في الأنبار وتكريت والموصل ثوب جديد من الميليشيات التي لا تقدر على الصمود في وجه ثورة أهل السنة والجماعة"، متسائلًا "كيف يعقل أن يقاتل عنصر صحوة فصائل المقاومة التي هزمت أفواج الطوارئ، وسيطرت على مقار مكافحة الإرهاب، ودمّرت مقار الفرقة الذهبية".

وأضاف الزوبعي إن "تشكيل تلك الصحوات في الأنبار هو باب جديد لسرقة الأموال وتهريب الأسلحة من قبل أشباه الشيوخ وصعاليك الرجال ممن هم أتباع لكتل وأحزاب سياسية معروفة فشلت في الحصول على مناصب حكومية، وتعمل على سرقة أموال الشعب بكل طريقة ووسيلة". ولفت الزوبعي إلى أن "المالكي رجل مريض، ولم يعترف بهزيمة جيشه الذي دمّر في الفلوجة والرمادي والغربية، ولم تنجح فرقته الذهبية في الاقتراب من أسوار الفلوجة، وهرب ضباطها وآمروها إلى منتجعات أربيل بدلًا من مواجهة أبطال المقاومة في أرض الأنبار".

وأكد الزوبعي أن "ميليشيات المالكي فشلت في اقتحام الفلوجة والسيطرة عل مدن الأنبار، التي أصبحت بيد ثوار العشائر وفصائل المقاومة، مما جعله يستعين بأشباه الرجال والشيوخ ممن نصّبوا أنفسهم شيوخًا ووجهاء، جاؤوا مع الاحتلال الأميركي، وتاريخهم أسود مثل وجوههم وأفعالهم، ويطلق عليهم اسم صحوات الغدر والخيانة". كما دعا أئمة وخطباء آخرون الحكومة إلى عدم تجاهل مطالب المعتصمين، منتقدين ما وصفوه بعجز الحكومة عن إعادة التيار الكهربائي إلى مدينة الفلوجة، الذي انقطع منذ أكثر من أسبوعين.

وركز الخطباء على ثلاثة محاور: أولها ما تعانيه الفلوجة من انقطاع التيار الكهربائي منذ 18 يومًا وعجز الحكومة عن توفير الطاقة الكهربائية والخدمات والوقود لأهالي المدينة.. والثاني التأكيد على أن الأوضاع في عموم العراق لا يمكن أن تستقر من دون تلبية مطالب المعتصمين، التي تستمر الحكومة في تجاهلها، بالرغم من اعترافها بشرعيتها، وأن الحل الأمثل هو إعادة الأمور إلى وضعها السابق، من خلال مد جسور الثقة بين المعتصمين والحكومة، التي فقد المعتصمون الثقة بقراراتها.. أما المحور الثالث فقد تضمن التأكيد على أن دخول الميليشيات ضمن القوات الأمنية العراقية سيؤدي إلى انهيار مقومات إصلاح الأوضاع في المدن التي تشهد أوضاعًا أمنية غير مستقرة، وأن عمل الميليشيات داخل الأجهزة يفقد ثقة المواطن العراقي بالحكومة، إضافة إلى تعرّض النازحين إلى بغداد إلى عمليات قتل وتشريد وخطف على الهوية.

كما ندد الخطباء بما يتعرّض له أهالي الفلوجة جراء العمليات العسكرية، مؤكدين أن عدد الضحايا في صفوف المدنيين منذ بدء العمليات العسكرية يقترب من الثلاثة آلاف ضحية إضافة إلى تدمير المئات من المنازل وعشرات مقار الإدارات الحكومية.

يذكر أن العراق يشهد وضعًا أمنيًا ساخنًا دفع برئيس الحكومة نوري المالكي في العاشر من الشهر الماضي إلى إعلان حالة التأهب القصوى في البلاد، وذلك بعد سيطرة مسلحين من تنظيم "داعش" على محافظة نينوى بالكامل وتقدمهم نحو محافظات صلاح الدين وديالى وكركوك والأنبار وسيطرتهم على بعض مناطقها، في حين تستمر العمليات العسكرية للقوات العراقية لمواجهة التنظيم.
&

&
&