كما انفردت "إيلاف" في تقرير سابق، يعاني المصريون الفارّون من الحرب الأهلية في ليبيا على الحدود التونسية، بسبب رفض السلطات في تونس إدخالهم إليها، إلا بتأشيرات سفر للقاهرة. ولجأت الحكومة المصرية إلى التواصل مع زعماء قبليين في ليبيا لحماية المصريين، إلى حين استكمال عمليات ترحيل الراغبين في العودة إلى بلادهم. وروى مصريون جزءا من معاناتهم على الحدود عند معبر رأس جدير.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تتواصل أزمة المصريين العالقين على الحدود الليبية التونسية، بسبب احتدام القتال بين الميليشيات المسلحة في ليبيا، وعلى العكس مما أعلنته وزارة الخارجية المصرية في السابق من وجود تسهيلات لعودة المصريين إلى بلادهم، إلا أن "إيلاف" انفردت بمعلومات حول وجود مشاكل تعيق عبور المصريين إلى تونس، وأن الآلاف منهم مكدسون على الحدود، ويتعرّضون لمعاناة شديدة، بسبب رفض السلطات التونسية عبورهم إلى أراضيها من دون تذاكر سفر للقاهرة صالحة، في وقت تشهد ليبيا انهيارًا في مؤسساتها، ما يعيق حصول المصريين على تأشيرات وتذاكر سفر صالحة.

واعترفت الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الخارجية، بأزمة المصريين العالقين، وبعجزها أمام تلك الأزمة، وقررت اللجوء إلى زعماء قبائل لحماية رعاياها العالقين على الحدود بين ليبيا وتونس.

تنسيق أمني
وقالت وزارة الخارجية إنها "تتابع بالتنسيق الكامل مع الوزارات والأجهزة المعنية بشكل مستمر أوضاع المصريين المتواجدين على الأراضي الليبية، وأوضاع المصريين على الحدود الليبية التونسية الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، حيث تم الدفع بأعداد إضافية للطاقم القنصلي المتواجد على الجانب التونسي من الحدود، كما تم توفير مختلف أشكال الرعاية لهم من مأكل ومشرب حتى يتم نقلهم إلى أرض الوطن من مطارات تونس".

وأضافت الوزارة في بيان لها: "كما جرت اتصالات مكثفة برموز وعواقل العشائر والقبائل الليبية لتوفير الحماية والرعاية للمصريين الموجودين على الجانب الليبي من الحدود مع تونس إلى حين عبورهم إلى الجانب التونسي تمهيدًا لعودتهم إلى البلاد"، مشيرة إلى أن "رئيس مجلس الوزراء شكل لجنة تضم ممثلين من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والنقل والطيران المدني والصحة لمتابعة تطورات الموقف أولًا بأول لتسهيل إجراءات سفر من يرغب في العودة إلى مصر من دون تحميله أية أعباء".

وجددت وزارة الخارجية المصرية دعوتها رعاياها "إلى عدم السفر مطلقًا إلى ليبيا في ظل الأوضاع الراهنة، كما طالبت المصريين المتواجدين في ليبيا بالابتعاد تمامًا عن مناطق الاشتباكات إلى مناطق أكثر أمانًا داخل ليبيا".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية بدر عبد العاطي إن وزير الخارجية سامح شكري أجرى اتصالات عدة مع نظيره التونسي في إطار متابعة أوضاع المصريين المتواجدين على الحدود الليبية التونسية وأهمية توفير التسهيلات الخاصة بالإسراع في إنهاء إجراءات سفرهم إلى مصر أولًا بأول. ويتكدس المئات من المصريين العالقين على الحدود الليبية التونسية عند معبر رأس الجدير، في العراء، من دون أية خدمات، وحاول المئات منهم اقتحام المعبر، والدخول إلى الأراضي التونسية، وردت قوات الأمن بإطلاق الرصاص في الهواء وقنابل الغاز المسيل للدموع، وسقط أربعة قتلى إضافة إلى جرحى ومصابين.

أرض جحيم
وتواصلت "إيلاف" مع شهود عيان من العالقين ممن عادوا إلى القاهرة اليوم الجمعة، الأول من أغسطس/ آب الجاري، فأكدوا أن الميليشيات المسلحة حولت ليبيا إلى قطعة من أرض الجحيم. وقال مؤمن عبد الله، من أبناء محافظة سوهاج، وهو عامل بناء، إن الآلاف من المصريين يتكدسون على الحدود الليبية في أوضاع شديدة القسوة، مشيرًا إلى أنهم ينامون في العراء من دون طعام ولا شراب منذ نحو خمسة أيام.

ولفت إلى أن أنهم اضطروا للفرار من ليبيا، بعدما استولت الميليشيات على أموالهم ومنازلهم وأجهزتهم الكهربائية والهواتف المحمولة. ونبه إلى أن الميليشيات تقتحم المنازل وتضرب من بداخلها، وتهددهم إما العودة إلى بلادهم أو القتل أو العمل معهم في الحرب. وقال إن ليبيا لم تعد فيها أية مؤسسات للدولة قائمة يمكن اللجوء إليها للحماية أو استعادة الحقوق المسلوبة، بل تسيطر كل مجموعة على منطقة معينة، وتفرض قوانينها الخاصة عليها.

لا أحد يخرج من المنازل في ليبيا، لأن الموت ينتظر على الباب. وقال خالد مرعي، من أبناء محافظة المنيا، لـ"إيلاف" إنه واثنين من "بلدياته" (أهل قريته)، إضطروا لعدم الخروج من المنزل في طرابلس لمدة شهر، بسبب احتدام القتال وغياب الأمن في الشوارع، مشيرًا إلى أن الليبيين أنفسهم لا يغادرون منازلهم إلا نادرًا، إما للتزود أو للهرب خارج البلاد.

إتاوات أو القتل
وأضاف أن العمل توقف في غالبية المشروعات، ولاسيما مشروعات البناء والتشييد، والزراعة، التي تجتذب المصريين. ولفت إلى أن الميليشيات تفرض "إتاوات" على الأجانب، لاسيما المصريين والأفارقة نظير الحماية، ومن يرفض يتعرّض للضرب وأحيانًا القتل، ويضطر للرحيل إلى بلادهم.

وكشف عادل سلام، من أبناء محافظة أسيوط، أن الحكومة الليبية التي تسيطر على معبر رأس جدير، تحصل من المسافرين على 70 دينارًا، وتحصل السلطات الليبية على 30 دينارًا، للعبور والدخول إلى مطار جربا التونسي. وقال إن من لا تتوافر معه الأموال لا يسمح له بالعبور، ويظل عالقًا مع الآخرين على الحدود.

واتهم سلام وزارة الخارجية بعدم تقديم أية خدمات إليهم، مشيرًا إلى أنها غير موجودة من الأساس لرعايتهم، وقال إن التصريحات الرسمية ليست إلا لـ"الشو" (الاستعراض) الإعلامي فقط، لكن ليس هناك أي تواجد على الأرض.

وتنظم الحكومة المصرية جسرًا جويًا، لنقل المصريين الراغبين في العودة من تونس إلى القاهرة، ووصلت ثلاث رحلات، أقلت نحو ألف من المصريين لمطار القاهرة الدولي، ومازال الآلاف الآخرون عالقين، بانتظار العودة إلى بلادهم ويتعرّضون لظروف قاسية.&&&
&
&