يبدو أن تنظيم الدولة الاسلامية سيحقق ما لم يستطع السياسيون العراقيون تحقيقه بإعادة اللحمة بين بغداد وأربيل اللذين يواجهان خطرًا واحدًا لا يمكن الانتصار عليه إلا بالتعاون وإنهاء الخلافات والوقوف بوجه تقدمه السريع لابتلاع أكثر ما يمكن من مناطق عراقية، فيما دق أمير الايزيديين ونواب وسياسيون مخاطر تعرض المكون لتصفيات من قبل مسلحي داعش.


لندن: يرى مراقبون عراقيون أنه أمام اندفاع تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" وطموحه الجامح في انشاء دولته على الاراضي العراقية والسورية وما يمكنه من السيطرة على اراضي بلدان أخرى، فإنه لن يمكن وقف تقدمه في قضم المزيد من الاراضي العراقية في شمال البلاد العربي والكردي إلا بالتعاون والتنسيق بين طرفي السلطات في بغداد وأربيل.

وقد لوحظ خلال الايام الاخيرة نوع من التشفي واتهامات بين الجانبين بالهروب أمام مسلحي داعش. فمنذ أن استطاع التنظيم السيطرة على الموصل اكبر مدن الشمال العراقي وثاني اكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد في العاشر من حزيران (يونيو)، والمسؤولون الأكراد يوجهون اتهامات للقوات الأمنية العراقية بخيانة الامانة المكلفة بها وتسليم المناطق المناط بها حمايتها إلى داعش من دون مقاومة.. ثم انعكست الصورة خلال الساعات الاخيرة ليوجه سياسيون في بغداد اتهامات لقوات البيشمركة الكردية بالهروب أمام مسلحي الدولة الاسلامية واخلاء المناطق التي تقوم بحمايتها مما سهل للتنظيم السيطرة على قضاء سنجار وناحية زمار وعدد آخر من القرى، إضافة إلى السيطرة على سد الموصل اكبر سدود البلاد.

وفي هذا المجال، فقد أبدى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري قلقه البالغ ازاء ما يجري في مناطق أعالي نينوى وعمليات النزوح الجماعي لأبناء الطائفة الايزيدية وسكان زمار وسنجار والمناطق المجاورة لهما.

وقال إن المرحلة حرجة وحساسة وخطيرة "تستدعي منا التكاتف والتعاون لحماية البلد من الانهيار" مشدداً على "ضرورة توحيد الجهود وتغليب المصلحة الوطنية العليا للحفاظ على كيان الدولة ووجود المكونات الأصيلة عبر تضافر العمل الأمني في المركز والإقليم وجميع القوى التي تقف ضد إرهاب الجماعات والعصابات المسلحة حرصًا على وحدة العراق وسلامة أرضه وشعبه"، كما نقل عنه بيان صحافي لمكتبه الاعلامي تسلمته "إيلاف".

ومن جهته، حذر الممثل الخاص للامم المتحدة في العراق نيكولاي ميلادينوف من أن هناك مأساة إنسانية تتكشف في سنجار ويجب على الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان استعادة التعاون الأمني على وجه السرعة بغية التعامل مع الأزمة.

ودعا جميع السلطات والمجتمع المدني والشركاء الدوليين إلى العمل مع الأمم المتحدة لضمان إيصال المساعدة الإنسانية المُنقذة للحياة. وطالب حكومة إقليم كردستان بضمان تيسير دخول هؤلاء المدنيين الفارين من العنف إلى الاقليم من أجل الحصول على الحماية والمساعدة الإنسانية. وأشار إلى أنّ القانون الدولي يفرض التزامات على جميع الأطراف في الصراع الحالي تقضي بضمان حماية المدنيين وإمكانية حصولهم على المساعدة الإنسانية.

وكان مسلحو تنظيم داعش قد تمكنوا أمس من السيطرة على مناطق غرب الموصل بعد قتال عنيف مع قوات البيشمركة وسط حركة نزوح كبيرة لابناء المكون الايزيدي الذي يشكل الغالبية العظمى من سكان تلك المناطق.

دعوة لحماية المكون الايزيدي

ومن جهته، دعا الامير تحسين سعيد أمير أبناء الديانة الايزيدية في العراق والعالم في نداء استغاثة لمساعدة الايزيديين في قضاء سنجار والمناطق التابعة له.

ودعا الامير كلاً من مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان وفؤاد معصوم رئيس الجمهورية والحكومة الاتحادية ومجلس النواب وبرلمان كردستان وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي وبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة وباراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الاميركية والمنظمات والهيئات الدولية المعنية إلى إغاثة ومد يد العون والمساعدة لأهالي قضاء سنجار والمناطق التابعة له والقرى والمجمعات التي يعيش فيها أبناء الديانة الايزيدية.. وطالبهم بتحمل مسؤولياتهم الانسانية والوطنية اتجاههم ومساعدتهم في محنتهم والظروف والأحوال الصعبة التي يعيشون فيها اليوم.

وشدد على أن ابناء هذه الديانة "أناس مسالمون يعترفون بكل المبادئ والقيم الانسانية ويحترمون جميع الأديان ولم يكونوا يومًا أعداءً لأحد وكانت لهم بالأمس القريب وقفة إنسانية كبيرة مع إخوانهم أهالي الموصل وتلعفر واليوم هم بأمس الحاجة إلى مساعدة إخوانهم". وقال في ختام بيان حصلت "إيلاف" على نصه اليوم إن "هذا نداء إنساني باسمي وباسم أبناء هذه الديانة لاستغاثة ومساعدة الايزيدية وتقديم يد العون اليهم وبأسرع وقت ممكن".

كما وجه أثيل النجيفي محافظ نينوى نداء إلى العالم للمساعدة العاجلة للايزيديين في سنجار بعد سيطرة داعش على القضاء، وقال في بيان إن عشرات الآلاف من الايزيديين مهددون بعد ساعات بالموت عطشًا وليس هناك من سبيل لإنقاذهم سوى الإغاثة الجوية واصفًا ما يحدث الان في جبل سنجار باكبر كارثة إنسانية في هذا العصر.

وأوضح "إن اكبر كارثة إنسانية في هذا العصر تحدث الآن في جبل سنجار نتيجة تخلي العالم عن حماية الايزيديين "لافتًا إلى أن مئات الالاف منهم هربوا الآن بحياتهم بعد أن اجتاحت داعش منطقة سنجار إلى جبلها المعروف باسمها. وأكد أن الفارين من ظلم عصابات داعش يعانون أقسى أنواع المعاناة في غياب الماء والغذاء.

أما النائبة عن التحالف الكردستاني فيان دخيل، فقد ناشدت المجتمع الدولي إلى التدخل لانقاذ الايزيديين على وجه السرعة من جرائم تنظيم داعش، وقالت في مؤتمر صحافي بمدينة اربيل، عاصمة اقليم كردستان، "ان الايزيديين يتعرضون إلى كارثة حقيقية في قضاء سنجار، وقد قام تنظيم داعش الارهابي بقتل الرجال واختطاف النساء".

ووصفت دخيل ما يتعرض له الايزيديون على يد تنظيم داعش "بالإبادة الجماعية"، مضيفة "أن آلاف النساء والاطفال يقبعون في الجبال في ظل ظروف معيشية صعبة بدون طعام أو ماء وتحاصرهم الجماعات المسلحة لتنظيم داعش". وأشارت دخيل "أن قوات البيشمركة استعادت السيطرة على ناحية زمار وأن هناك امدادات عسكرية وصلت إلى اطراف قضاء سنجار لتحريره من داعش".

من جهته، طالب القيادي الكردي محمود عثمان، المجتمع الدولي بضرورة "مساندة القوات الأمنية العراقية والبيشمركة في حربها ضد داعش"، داعياً إلى "تجهيز البيشمركة بالأسلحة اللازمة لاسيما أن إقليم كردستان لا يمتلك الأسلحة والإمكانات الكافية لحسم الموقف مع داعش بمفرده".

وقال عثمان في تصريح صحافي إن "داعش منظمة إرهابية دولية ضد العالم كله ينبغي أن يسهم المجتمع الدولي في رد هجماتها".. داعيًا العراقيين إلى "التعاون في ما بينهم ضد داعش لأن الكرد وحدهم لا يستطيعون مواجهته خاصة مع صمودهم أكثر من شهر في كل الجبهات". وأكد عثمان أن "البيشمركة بحاجة إلى تقنيات ومعدات قتالية متقدمة لأن داعش يمتلك الكثير من الأسلحة الأميركية الحديثة التي غنمها بعد الانسحاب المفاجئ للجيش العراقي من الموصل في حزيران الماضي".

البيشمركة تنتظر أوامر بارزاني بالهجوم على داعش

وقد أعلنت وزارة البيشمركة في حكومة اقليم كردستان أن قواتها تمتلك ما يكفي من العدة والأسلحة الثقيلة لأي مواجهة، وقالت انها تنتظر اوامر رئيس الاقليم لشن هجوم ضد تنظيم داعش لاستعادة المناطق الشمالية التي سيطر عليها خلال اليومين الماضيين.

وقال مسؤول اعلام وزارة البيشمركة العميد هلكورد حكمت إن قوات البيشمركة لديها حاليًا ما يكفي من العدة والاسلحة الثقيلة لأي مواجهة وليست بحاجة إلى الحصول على أسلحة من خارج الاقليم. وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل اعلام كردية أن قوات البيشمركة المتواجدة في المناطق الكردستانية خارج ادارة الاقليم هي في حالة الدفاع ويتوجب الحصول على أمر من قبل الرئيس بارزاني لتبدأ بالهجوم، لكنّ القادة العسكريين يستطيعون تحريك قوات البيشمركة من المناطق التي لا تشهد معارك.

وأشار حكمت إلى أنّ الاقليم طلب من واشنطن تزويده بالاسلحة لكن لم تصله أي أسلحة حتى الآن، مشيرًا إلى أنّ القتال متواصل بين قوات البيشمركة ومسلحي داعش في حدود قضاء سنجار.

مخاوف تصفيات للايزيديين

وتدق هيئات دولية ومحلية عراقية ناقوس خطر امكانية قيام مسلحي الدولة الاسلامية بعمليات تصفية لأتباع الديانة الايزيدية في العراق البالغ عددهم 200 الف نسمة، عقب سيطرة التنظيم على مدينة سنجار الشمالية موطنهم الاصلي.

والايزيديون هم مجموعة دينية في الشرق الأوسط. ويعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق. وتعيش مجموعات أصغر في تركيا وسوريا، إيران، جورجيا وأرمينيا. عرقيًا ينتمون إلى اصول كردية وينحدرون من اقوام هندو أوروبية، رغم أنهم متأثرون بمحيطهم الفسيفسائي المتكون من ثقافات عربية اشورية وسريانية، فأزياؤهم الرجالية قريبة من الزي العربي اما ازياؤهم النسائية فسريانية.

ويتكلم الايزديون اللغة الكردية وهي لغة الأم ولكنهم يتحدثون العربية أيضًا خصوصًا ايزيدية بعشيقة قرب الموصل وصلواتهم وادعيتهم والطقوس والكتب الدينية كلها باللغة الكردية أو مرگه الشيخان، حيث موطن امرائهم، والتي سميت في كتب التاريخ بـ(مرج الموصل)& وقبلتهم هي لالش حيث الضريح المقدس لـ(الشيخ أدي) بشمال العراق، ويعتبر الأمير تحسين بك من كبار شخصيات الديانة الايزيدية في العراق والعالم.

ويقدر تعدادهم في العالم بحوالي 500,000 نسمة يتواجد أغلبهم في العراق بحوالي 200 الف نسمة و 30 ألفاً في سوريا ولم يبقَ منهم أكثر من 500 نسمة في تركيا بعدما كان عددهم أكثر من 25 ألف نسمة في بدايات الثمانينيات، حيث هاجرت غالبيتهم لأوروبا. كما توجد أقليات منهم في أرمينيا وجورجيا تعود أصولها لتركيا.. وتوجد ايضاً أقلية صغيرة من الايزيدية في إيران دون توفر معلومات عن تعدادهم.