شددت واشنطن الاثنين في افتتاح قمة الولايات المتحدة-افريقيا غير المسبوقة والتي تشارك فيها 50 دولة افريقية وتركز على الاقتصاد، على مكافحة الفساد وحماية حرية التعبير وكذلك ايضا وبشكل خاص على احترام تداول السلطة.

وتجمع هذه القمة المنعقدة في العاصمة الفدرالية واشنطن ممثلين عن 50 دولة افريقية هم 35 رئيسا وتسعة رؤساء حكومات وملك واحد هو عاهل سوازيلاند، آخر نظام للملكية المطلقة في القارة السمراء. وتستمر القمة ثلاثة ايام وتنعقد في الوقت الذي يثير فيه انتشار فيروس ايبولا الوبائي في غرب القارة قلقا كبيرا.

والهدف الاساسي لهذه القمة هو نسج علاقات اقتصادية اكثر متانة بين الولايات المتحدة وافريقيا، المنطقة الواعدة التي تسجل معدل نمو اكبر من بقية العالم يتوقع صندوق النقد الدولي ان يبلغ 5,8 بالمئة في 2015. وتطمح واشنطن من خلال هذه القمة الى حجز مكان لها كشريك اساسي في منطقة وصفها الرئيس الاميركي باراك اوباما قبل عام "بقصة +النجاح الكبرى+ المقبلة في العالم".

لكن في اليوم الاول لهذه القمة دعا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن القادة الافارقة الى مكافحة "سرطان الفساد"، ليليه وزير الخارجية جون كيري بالدعوة الى بناء "مجتمع مدني قوي، واحترام الديموقراطية ودولة القانون وحقوق الانسان".

وكرر كيري مثال رئيس جنوب افريقيا السابق نلسون مانديلا، مشددا على ان اغلبية شعوب افريقيا تؤيد حصر حكم قادتهم بولايتين. وقال "سنحث القادة على الاحجام عن تعديل الدساتير لمصالحهم الشخصية او السياسية"، مؤكدا ان وجود "مؤسسات قوية" افضل من وجود "رجال اقوياء".

والتقى الوزير الاميركي صباحا رئيس الكونغو الديموقراطية جوزيف كابيلا، علما انه طلب منه مباشرة في ايار/مايو خلال زيارة لكينشاسا، احترام حدود الولايتين الذي يفرضه القانون التاسيسي الكونغولي، قبل انتخابات 2016. لكن كيري لم يتحدث عن غينيا الاستوائية ورواندا واوغندا وانغولا و الكاميرون ورؤسائهم الثابتين بالتوالي تيودورو اوبيانغ نغيما وبول كاغامي ويويري موسيفيني وادواردو لوس سانتوس وبول بيا.

في المقابل التقى رئيس بوروندي بيار نكورونزيزا وتطرق معه الى "احترام القانون والجهاز القضائي والجيش والمؤسسات التي تحمي المواطنين". ورد الرئيس البوروندي بالفرنسية ان بلاده في مرحلة "ما بعد النزاع" وانه "يستمتع اليوم بارباح السلام".

كما وعد كيري بان تواصل بلاده الدفاع عن "حرية الصحافة بما فيها للصحافيين الملاحقين بتهمة الارهاب او المسجونين لاسباب اعتباطية". وفي ذلك ربما اشارة الى مصير صحافيي قناة الجزيرة القطرية في مصر، ومن بينهم الاسترالي بيتر غريست الذين حكم عليهم بالسجن بين 7 و10 سنوات بعد ادانتهم بدعم الاخوان المسلمين. كما وجهت اثيوبيا اتهامات الى سبعة مدونين وثلاثة صحافيين "بالارهاب".

ولم يشارك الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي في قمة واشنطن، لكن رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي مريم ديساليغن فعل. وتتعاون الولايات المتحدة مع اثيوبيا على المستوى الامني في المنطقة، لا سيما في الصومال. من جهته اعتبر وزير الخارجية السوداني علي كرتي ان مشاركة غالبية الدول الافريقية الاثنين في واشنطن في اول قمة بين الولايات المتحدة وافريقيا في ظل عدم مشاركة السودان هو امر "غير طبيعي".

والرئيس السوداني عمر البشير هو واحد من اربعة قادة افارقة لم يوجه اليهم الرئيس باراك اوباما دعوة لحضور هذه القمة التي تستمر ثلاثة ايام وتهدف الى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وافريقيا. واصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وابادة في اقليم دارفور فيما فرضت عقوبات اقتصادية اميركية على الخرطوم منذ 1997.

وفي الملف الاقتصادي، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة على لائحة الشركاء التجاريين لافريقيا، بعد الاتحاد الاوروبي والصين. ويؤكد البيت الابيض ان مبادرته هذه ليست ردا - متأخرا - لمشروع "افريقيا الصينية"، مع انه من الواضح في التصريحات الاميركية ان اندفاع الصين الواضح باتجاه القارة في العقد المنصرم، ماثل في الاذهان.

وقال اوباما في مجلة ذي ايكونوميست "نصيحتي للقادة الافارقة هي التأكد من انه اذا شيدت الصين طرقا وجسورا، فمن جهة ان توظف عمالا افارقة ومن جهة اخرى الا تكون الطرق لربط المناجم بمرفأ شنغهاي فقط بل ان يكون للحكومات الافريقية كلمتها في الشكل الذي ستكون عليه البنى التحتية مفيدة على الامد الطويل".

ويتضمن برنامج المحادثات تمديد البرنامج الاميركي الذي يمنح امتيازات تجارية لبعض المنتجات الافريقية ويطلق عليه اسم "اغوا" ومبادرة "القوة لافريقيا" (باور افريكا) التي تهدف الى مضاعفة كمية الكهرباء التي تحصل عليها منطقة افريقيا جنوب الصحراء.

وفي ملف الامن، ستتطرق القمة حتما الى تهديد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وهجمات بوكو حرام المتكررة في نيجيريا والحرب الاهلية في جنوب السودان وحتى هجمات حركة الشباب الاصولية الصومالية في كينيا. ويؤكد الرئيس الاميركي ان احدى القضايا الاساسية في القمة هي "ايجاد وسائل لتعزيز القدرات الافريقية في جهود حفظ السلام وتسوية النزاعات".

وقبل ان يتوجه الى واشنطن، اكد الرئيس الكاميروني بول بيا ان هذا اللقاء سيشكل فرصة لاقامة "استراتيجية اقليمية" حقيقية مع نيجيريا والنيجر وتشاد لمكافحة بوكو حرام. واضاف "بما انها حركة ارهابية دولية يجب التحرك على صعيد دولي".


ولم يخطط الرئيس الاميركي لعقد اي لقاء ثنائي اذ ان البيت الابيض يركز على عشاء كبير سيقام في البيت الابيض مساء الثلاثاء ويشكل تحديا لوجستيا ودبلوماسيا كبيرا. ولكن اوباما سيشارك شخصيا في اعمال القمة يومي الثلاثاء والاربعاء.

وردا على سؤال عن رأيه بما فعله اوباما لافريقيا قال رئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما ان الرئيس الاميركي "كان بامكانه ان يفعل اكثر مما فعل" للقارة السمراء منذ وصوله الى البيت الابيض في 2009. ولكن زوما استدرك، مؤكدا ان اصول اول رئيس اسود للولايات المتحدة جعل مهمته صعبة. وقال "بطريقة ما هذا الامر لم يساعده، لان الكثير من الناس ينظرون اليه من هذا المنظار، وهذا الامر يجبره على ان يكون شديد الحذر"، معتبرا ان اداء الرئيس الاميركي يعتبر من هذا المنظار "جيدا".

فيروس ايبولا

وستحتل مقدمة المواضيع ايضا الازمة الصحية المتمثلة بانتشار فيروس ايبولا المسبب للحمى النزفية في غرب افريقيا& حيث توفي 700 شخص حتى الآن بهذا المرض.

ولانشغالهما في التصدي لما يعد اكبر انتشار لهذا المرض خلال حوالى اربعين عاما، تخلى رئيس سيراليون ارنست باي كوروما ونظيرته الليبيرية ايلين جونسون سيرليف عن التوجه الى الولايات المتحدة.

وسيخضع موفدو الدول التي سجلت فيها اصابات لإجراءات مراقبة طبية اكد اوباما في اطار سعيه الى طمأنتهم، انها تدابير "وقائية" لاشخاص تعرضوا "لاحتمال ضئيل جدا" للاصابة بالمرض.

ولم يخطط اوباما لعقد اي لقاء ثنائي اذ ان البيت الابيض يركز على عشاء كبير سيقام في البيت الابيض مساء الثلاثاء ويشكل تحديا لوجستيا ودبلوماسيا كبيرا.

وقال بيتر بام من المجلس الاطلسي (اتلانتيك كاونسل) ان اوباما المولود لام اميركية واب افريقي يسعى عبر تنظيم هذه القمة غير المسبوقة الى "تغيير النظرة" الى قارة تضم ستًا من الدول العشر التي تسجل اكبر معدل نمو في العالم لكنها تبقى في الولايات مرتبطة بشكل وثيق "بالنزاعات والامراض والفقر".

التهديد الاسلامي

ستكون مكافحة المجموعات الاسلامية المسلحة في افريقيا في صلب القمة الاميركية الافريقية التي تفتتح الاثنين لكن التعاون مع الافارقة في المجال الامني غالبا ما تحول الى معضلة للاميركيين.

وسواء في مواجهة بوكو حرام في نيجيريا او حركة الشباب الاسلامية في الصومال، حاولت الولايات المتحدة تطبيق مقاربات مختلفة من غرب القارة الى شرقها، مع اعطاء الافضلية لدعم قوات متعددة الجنسيات افريقية وليس جيوشا وطنية.

واعلن الرئيس باراك اوباما الذي يستضيف خمسين رئيس دولة افريقيا في واشنطن ان هذه القمة غير المسبوقة ستكون فرصة "لبحث المسائل الامنية مع افريقيا".

والهدف بالنسبة له هو العمل مع "شركاء اقوياء" لديهم "قوات امنية فاعلة" بحيث يصبح بوسع الولايات المتحدة خفض دعمها المالي مع ضمان "امن طويل الامد" لهذه البلدان.

لكن الشركاء ليسوا دائما بالصلابة المرجوة ويترتب على واشنطن من اجل ان يكون لها تأثير على النقاط الساخنة في القارة التعاون مع بعض الجيوش الاسوأ سمعة في افريقيا.

ويردد المسؤولون الاميركيون منذ سنوات انهم على استعداد لمساعدة نيجيريا على مكافحة بوكو حرام التي تخوض حركة تمرد منذ 2009 اوقعت الاف القتلى في البلد الاكبر عددا سكانيا في القارة.

وعملية خطف اكثر من مئتي طالبة التي قامت بها بوكو حرام في نيسان/ابريل سلطت الاضواء على الحركة وحملت الولايات المتحدة على عرض مساعدة عسكرية واستخباراتية على نيجيريا.

واوضح جون كامبل السفير الاميركي السابق في هذا البلد لوكالة فرانس برس ان نيجيريا وافقت بالطبع غير انها لا تبدو مهتمة على الاطلاق بتعاون في العمليات او التدريب.

وقال كامبل الذي يعمل اليوم في مجلس العلاقات الخارجية، مركز الدراسات الاميركي المرموق، ان نيجيريا التي تعاني الفساد منذ عقود بدت وكأنها تقول للخبراء الاميركيين الذين وصلوا الى البلد في ايار/مايو "ارسلوا لنا المعدات رجاء ثم حرروا لنا شيكا".

واشار الى انه باستثناء مساعدة هامشية في التدريب والاشراف لم يؤد هذا التعاون الى "اي نتيجة تقريبا".

ورأى ان السؤال المطروح هو ان كان الجيش النيجيري الذي يواجه انتقادات كثيرة لحصيلته على صعيد حقوق الانسان "يريد مساعدة خارجية ام لا".

وفي الطرف الاخر من افريقيا يواصل متمردو حركة الشباب اعتداءاتهم في الصومال ويوسعون بقعة عملياتهم الى الدول المجاورة حيث فجروا قنابل في كمبالا عام 2010 وشنوا هجوما ضخما على مركز وستغيت التجاري في نيروبي العام الماضي.

وعلى هذه الجبهة لزمت الولايات المتحدة نهجا متعدد الاطراف فقدمت مساعدة مالية ولوجستية وعلى صعيد الاستخبارات والتدريب لقوات الاتحاد الافريقي في الصومال.

وقال مساعد مستشارة الامن القومي في البيت الابيض بن رودز ان الادارة الاميركية تود الاعتماد على هذا النوع من التدخل.

لكن ان كانت بعثة الاتحاد الافريقي نجحت في طرد الشباب من مقديشو ومنعهم من الاطاحة فيها بالحكومة الهشة المدعومة من الغرب، الا ان القوات الافريقية اثارت الكثير من الانتقادات.

فقسم من رواتب الجنود اختلسه رؤساؤهم ويشتبه بان كمية من الاسلحة الموجهة الى القوة الافريقية وصلت الى ايدي الشباب.

كما ان اوغندا تهيمن على القوة، وهو بلد تدهورت علاقاته مع الولايات المتحدة.

والجيش الاوغندي لطالما كان تحت سيطرة الرئيس يويري موسيفيني وانصاره المتهمين باختلاس مبالغ طائلة من المساعدة الاميركية وباستخدام العسكريين لقمع المعارضة السياسية.

واخيرا تتمركز فرقة صغيرة من القوات الخاصة الاميركية منذ 2011 في افريقيا الوسطى لمطاردة رئيس جيش الرب للمقاومة جوزف كوني الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وهذه الحركة المسلحة التي انشئت في اوغندا والتي تعتبر من اكثر الحركات دموية في افريقيا وسعت عملياتها الى الدول المجاورة.

وبحسب مستشارة الامن القومي في البيت الابيض سوزان رايس فان التجاوزات التي يرتكبها جيش الرب للمقاومة تراجعت بنسبة 75 بالمئة منذ تدخل الولايات المتحدة.
وفي مطلق الاحوال فان الولايات المتحدة ليست مهددة مباشرة اليوم من المجموعات المسلحة التي تنشط في افريقيا.

لكن بن رودز مساعد مستشارة الامن القومي في البيت الابيض حذر من ان واشنطن "قلقة حيال مساعي مجموعات ارهابية للترسخ" في مناطق مضطربة مثل الصومال وشمال شرق نيجيريا وشمال مالي.