ناقش ساسة ومفكرون عرب وأجانب في مدينة أصيلة المغربية واقع الاقاليم والدولة الوطنية والتحديثات التي تواجهها.


عبد الرحمن الماجدي من أصيلة: استهل موسم أصيلة الثقافي في دورته السادسة والثلاثين بندوة حول "الدولة الوطنية والاتحادات الاقليمية في عالم الجنوب"، شارك فيها عدد من الساسة العرب والأجانب قدموا لمدة يومين من اللقاءات الصباحية والمسائية أوراقهم وتصوراتهم لواقع الاقاليم وتأثيره على الدولة الوطنية ومدى الفائدة التي تقدمها الاتحادات الاقليمية للدول والمضار التي تتسبب بها.
شارك في الندوة وزراء ورؤساء أقاليم في آسيا وأفريقيا، شددوا على الأمن والاقتصاد كسببين رئيسيين في الاتجاه الى التكتل في كيانات إقليمية، وانتقد بعضهم سلوك بعض الدول المنضوية في هذه الكيانات الى زعزعتها بدوافع قطرية قد تؤثر سلباً على دول أخرى في ذات الكيان.
الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف بن راشد الزياني، تحدث عن مسيرة المجلس خلال الثلاثة والثلاثين عامًا الماضية، مبيناً أن مجلس التعاون الخليجي تخطى العديد من التحديات الأساسية على الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية.
&
فرص للتعاون
وأضاف أن دول مجلس التعاون تعتبر هذه التحديات فرصاً مواتية لمزيد من الترابط والتعاون والتكامل، وتسعى إلى مواجهتها من خلال التنسيق المشترك والتعاون مع الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة.
وزير الاقتصاد والمالية المغربي الأسبق، وعمدة مدينة الرباط &فتح الله أولعلو تحدث عن ما يعيشه العالم العربي من مخاطر التهميش والانفصال، رابطًا العلاقة بين البعد الأمني والاقتصادي لتكوين تنمية اقتصادية في ظل الاتحادات الإقليمية، مشددًا على أنه لا يمكن لدولة، التحكم بالمخاطر الأمنية التي تهددها بمفردها.
وأعرب أولعلو عن تفاؤله بإمكانية العمل الأفقي بين دول جنوب البحر الأبيض المتوسط والشمال، وقال إنه لا بد من خلق شروط سياسية من أجل وضع مسار جديد للاتحادات الإقليمية في المنطقة، للتعاون على مواجهة المخاطر الأمنية التي تعيشها، إذ لم يعد من الممكن وضع نموذج اقتصادي تنموي في إطار الدول القطرية وحدها. وتحدث أولعلو عن تجربة الاتحادات الإقليمية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تجربة المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تطورت إلى الاتحاد الأوروبي، سرد من خلالها المراحل التي مر منها هذا التكتل منذ إنشائه والسبل التي اتبعتها الدول لتطويره ليخدم الدول الأوروبية في كل المجالات.

تجارب فاشلة
واستعرض أولعلو تجارب الاتحادات العربية والأفريقية وكذلك الاتحاد المغاربي والتي باءت جلها بالفشل، وتأسف على توقف المشروع المغاربي رغم المحاولات لإحيائه في عقدي الستينات والثمانينات، مشيرًا إلى أن المنطقة العربية بعد فشل المشروع القومي والمشروع الإسلامي، وفي حال استمرار حالة اللاوحدة، ستعيش مخاطر تقسيم الكيانات القطرية الحالية إلى دويلات وفي مقدمتها العراق وسوريا وليبيا، إضافة إلى المخاطر التي تواجه الساحل الأفريقي في مالي ودول الجوار.
وكان وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي قال في كلمة تلاها نيابة عنه الكاتب العام لوزارة الخارجية المغربية ناصر بوريطة في حفل افتتاح الموسم صلاح الدين مزوار مساء الجمعة الثامن من شهر آب الجاري "لا يمكن أن نتصور اتحادات إقليمية فاعلة، تضم كيانات وهمية لا شرعية ولا وجود فعلياً لها، ولا تتوافر فيها العناصر القانونية، ولا المتطلبات السياسية للدولة الوطنية".
&
الارهاب عامل معرقل
و كشف مزوار أن "هذا النوع من الاتحادات، لا يمكنه تحقيق النجاح المطلوب".
وتساءل الوزير، "كيف يمكن لهذه التجمعات الإقليمية أن تحافظ على مصداقيتها، و هي تضم في عضويتها جماعات انفصالية مرتبطة بالإرهاب، وبعالم الجريمة المنظمة؟ وكيف لهذه التجمعات أن تتخذ قرارات مسؤولة وجدية، في ظل وجود كيانات وهمية، لا ترتبط بمفهوم المسؤولية الدولية؟ وكيف يمكن لهذه المنظمات أن تخلق شراكات بناءة مع دول واتحادات أخرى، وهي تضم كيانات لا تعترف بها العديد من الدول المكونة لها، ولا توجد أي صيغة قانونية أو سياسية للتعامل معها ؟".
و أضاف مزوار "لقد أصبح تواجد هذه الكيانات في الاتحادات الإقليمية عاملاً معرقلاً لجهود التنمية وتحقيق الاندماج، لأنها لا تتقاسم نفس انشغالات الدولة الوطنية، في الحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية"، في إشارة واضحة الى مشكلة الصحراء المغربية وحث دول أفريقية ومغاربية لدعمها وهي داخل الكيان المغربي.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الكولومبي السابق غيرمو فرنانديز دو سوتو، والذي يشغل حاليًا مدير أوروبا في البنك اللاتينو أميركي للتنمية، على ضرورة تقوية العلاقات بين افريقيا وأميركا اللاتينية كحل للمشاكل الاقتصادية، داعيًا إلى إحداث إطار مؤسساتي يجمع بينهما للتصدي لتهريب المخدرات والأسلحة وتشجيع الابتكار التكنولوجي.
وشدد على ضرورة تجاوز الفوارق الاجتماعية التي ما زالت موجودة في دول العالم الثالث، معتبراً ذلك يتماشى مع التكتلات الإقليمية "وعلينا أن نستثمر المزيد من الموارد لمقاومة الأزمة العالمية وأن نستفيد من تجربة الاتحاد الأوروبي لأن التكامل الإقليمي يعني تعبئة وتوحيد الصفوف وإن عملنا جاهدين سنتمكن من حل المشاكل المشتركة".
&
الاتحادات في وجه الأزمات
من جانبها، تحدثت بهية جواد الجشي، النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى في البحرين، عن تجربة مجلس التعاون لدول الخليج، وتعده نموذجاً تمكن من خلال الاتفاقات الأمنية والدولية من تحقيق نقلة نوعية لدول المجلس وصنع قوة اقتصادية فاعلة في المنطقة تملك روابط دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية موحدة عززها الموقع الجغرافي.
وأشادت الجشي بمبادرة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز بشأن الانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد وتحقيق التنسيق والترابط وصولاً إلى الوحدة في ظل ظروف منطقة الخليج، إذ إن الاتحاد يمكن أن يجعل منها قوة عسكرية وأمنية للحفاظ على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لا يمكن للدول تحقيقه بمفردها.
وأشارت الجشي إلى أن دول العالم التي تملك قواسم مشتركة باتت تتجه لخلق اتحادات إقليمية لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية، مؤكدة أن العالم لا يعترف بالكيانات الصغيرة، بل يعترف بالكيانات القوية خاصة تلك التي تملك قواسم مشتركة، إذ إن الانتقال من الدولة الوطنية إلى تأسيس اتحادات إقليمية يضاعف من فرص العلاقات ومن التأثير في المواقف الدولية سياسيًا واقتصاديًا، إلا أن الدول يجب أن يكون لديها استعداد للتنازل عن سلطتها لمصلحة الاتحاد ليتمكن من اتخاذ القرارات الدولية باسم هذه الدول.
ناصر عبد العزيز ناصر الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات والرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد على ضرورة تفعيل كل المنظمات العربية في إطار الأمم المتحدة لاكتساب المزيد من الوزن في المنطقة لوضع حد للصراع في غزة ومواجهة التأخر في تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لإنشاء دولة فلسطينية موحدة. وفي السياق نفسه، أعرب عبد الله كوليبالي، مؤسس معهد الدراسات العليا للإدارة ونائب رئيس منتدى باماكو عن مسؤولية الدولة بتحسين المجتمعات، إذ إن العملية الديمقراطية هي عروق الدولة ويجب التركيز على فهم هذا التداخل، حسب وصفه.
يذكر أن الدورة السادسة والثلاثين من موسم أصيلة الثقافي الدولي الذي أسسه وزير الخارجية والتعاون المغربي السابق محمد بن عيسى انطلقت في الثامن شهر آب الجاري وتتواصل حتى الثاني والعشرين منه. ويستضيف الموسم مملكة البحرين كضيف شرف، شارك في افتتاحه الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، نائب رئيس الوزراء ممثل ملك مملكة البحرين، ووزيرة الثقافة بمملكة البحرين الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، وعدد من المسؤولين والمفكرين والمثقفين والأدباء.
&