بعد منحه الدكتوراه الفخرية، تسلم السفير اللبناني في المكسيك الدكتور هشام حمدان الميكروفون الذهبي لنجاحه في إيصال صرخة سلام من منطقة ملتهبة. ويؤكد حمدان لـ إيلاف أن بحور الدماء التي تغرق بها المنطقة ناتجة عن مؤامرة على تاريخنا الحضاري تهدف لتشويه صورة الإسلام وتقسيم المنطقة الى دول مذهبية.


بيروت: كونه الشخصية الأكثر استقطابًا لإعجاب الإعلام والإعلاميين بخطابه السياسي والوطني العام، تسلم حمدان، من روزاليا بوعون سانشيز، رئيسة أصحاب الإذاعات في المكسيك، جائزة المايكروفون الذهبي، بعدما أعلنته رجل سلام، "تميز بقدرة لافتة على نقل صورة مميزة عن لبنان إلى الرأي العام في المكسيك". ويسعى حمدان حاليًا إلى انشاء مركز للدراسات العربية الأميركية اللاتينية، لاقتناعه التام في أن ما يجمع بين العرب واللاتينيين هو كثير جدًا ويحتاج فقط إلى عملية اخراج ملتزمة.

يتميز السفير حمدان بالتفاؤل الدائم، إيمانًا منه بلبنان كوطن الرسالة والتسامح والتعايش، فيسترجع دعوة البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني، إلى مواجهة الكراهية والتعصب والحقد، ليؤكد أن لبنان وحده يحمل هذه المقومات، ففيه حكاية طويلة من التعايش المسيحي الإسلامي واليهودي.

مدرسة غاندي ومانديلا

تميّزت اطلالاته الإعلامية بالتفاعل مع ما يشغل الإنسان في الحاضر، "ولعل أبرز ما أمكنني تحقيقه هو أن أكيّف آرائي ورسالتي مع ما يكوّن قاعدة الوعي عند المستمع".

ويقول حمدان لـ"إيلاف": "وجد الناس نفحة من الأمل بهذا الشرق الغارق في بحور الدماء واقتنعوا بأننا شعب مسالم يحب الحياة، ولسنا كما سعوا لإقناعه عنا، وبأن ما يجري على أرضنا ليس من تراثنا وثقافتنا بل أننا ضحية. سمعوا مني سردًا مقنعًا ربط بين مختلف المظاهر القائمة في العلاقات الدولية ليؤكد أن ثمة مؤامرة على تاريخنا الحضاري وتشويهاً لصورة الإسلام ومسعى لتصفية القومية العربية وتقسيم المنطقة إلى دول مذهبية خارج مظاهر وحقائق القرن الحادي والعشرين".

يضيف: "اقتنعوا بأننا نعرف فعلاً هذه الحقيقة لكن رغم ذلك لم يسمعوا مني عمّا يدل على كراهية أو رغبة بالانتقام أو تمجيدًا للعنف بل إلى ما يدل على تصميم على الالتزام بتراثنا الحضاري، وإذا كان غاندي ومانديلا قد نجحا في تحقيق مثل تلك الانتصارات التاريخية الهامة في تاريخنا المعاصر، فلماذا لا يكون نموذجهما مدرسة في علم السياسة كما هو علم الحروب؟"

لم يجترح الأعاجيب

لا يخفي السفير حمدان لـ"إيلاف" فرحته بموجة التكريم التي حظي بها أخيرًا، "ولا اقول ذلك بشعور الغرور، بل من منطلق ما تقدمه لي من دفع لا يخفى في عملي ومهمتي". يقول: "إنها صدى تقدير لعملي له اكثر من سبب، فهو أولًا يبرز اعترافًا بمدى التأثير الذي خلفته مواقفي في الرأي العام، ويعكس عشق الشعب المكسيكي لكل ما يدفع برسائل السلام والمحبة بين البشر".

يضيف: "أنا لم أجترح اعاجيب بل نطقت بما هو في اعماق شعبنا من حب للسلام وللحياة، ونقلت ما كنت ألمسه واقرأه كل يوم من مطالعاتي حول نجاحات اللبنانيين في لبنان والعالم، وكذلك عن نشاطاتهم التي لا تتوقف لدفع الفرح إلى يومياتهم والقفز فوق كل الحواجز التي تقيمها المدافع، وبحور الدماء في محيطنا الجغرافي، وما تلقيه من ظلال مخيفة على واقعنا اليومي".

حكاية تعايش

يؤمن السفير حمدان بأن صوته حمل الكلمات الجميلة التي قيلت بشعبه في كل مكان، ونقل الصور المشعة التي تطفئ لهيب الصور النمطية التي تسعى وسائل الإعلام المعادية إلى رسمها، وقدم من خلال الأعمال الثقافية البراهين على فعل ارادة الحياة لدى اللبنانيين، "وتفوقنا حتى في أحلك الظروف على ما تثيره الصعوبات من احباط وتخاذل، لذلك أهديت التكريم لشعبنا فأنا كنت صوته ومرآة له لا أكثر، الم يقل لنا قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني هذا الكلام؟ ثمة حاجة في منطقتنا لنبراس يضيء العتمة ويواجه الأصوات الممتلئة كراهية وتعصبًا وحقدًا، ووحده لبنان يحمل هذه المقومات، ففيه حكاية طويلة من التعايش المسيحي الإسلامي واليهودي، فأي عاصمة في العالم توجد فيها كنيسة مسيحية يجمعها&مع مسجد اسلامي حائط مشترك، وعلى بعد أمتار منهما يوجد كنيس يهودي؟"

يرى حمدان أن هذه الشواهد ليست وليدة اليوم أو البارحة، بل وليدة ثقافة عمرها مئات السنوات، "وقلت هذا الكلام لأبناء وطني في رسائل يومية نقلتها صفحتنا على موقع فايسبوك، قلته في ردودي اليومية على كل مراسلة استلمها وكل تعليق أقرأه، قلت ذلك في حوارات مفتوحة مع الإعلام والطلبة والهيئات الأكاديمية، ويبدو أن صوتي وصل إلى مستمعيه وآمنوا به".

ذكريات جميلة

اعجب المكسيكي بما قام به السفير حمدان، لإيصال صوته اليه. وفي 2 آب (اغسطس)، منح الاجتماع العام الاستثنائي للمجلس المكسيكي لشهادة الدكتوراه سفير لبنان لدى المكسيك شهادة دكتوراه فخرية، اقرارًا لعطاءاته في الحقل العلمي والثقافي والاجتماعي، ونال اليوم الميكروفون الذهبي، تعبيرًا عن هذا الأعجاب والتقدير. يقول: "سررت لهذين التكريمين، لكني وبكل صدق لم ولا أسمح أن يكوّنا لديّ اندفاعات طابعها الغرور أو عدم الواقعية، فأنا لم اسعَ لهذه التكريمات، ولذلك فهي ستتحول سريعًا إلى مجرد ذكريات جميلة اخرى في مسيرتي المستقرة على قواعد واضحة وموجهة لأهداف محددة تحتاج إلى الاستمرارية بالزخم ذاته والأسلوب ذاته مع تطوير نماذج العمل".

شقاق لبناني

يفهم حمدان أن الانسان في لبنان أسير الظروف التي تحيط به، يصنع يوميًا عناصر القوة التي استند اليها لتعزيز الإيمان ببلده لكنه يتناساها بفعل الضجيج القائم حوله نتيجة حوادث متفرقة أوانفعالات تثيرها كلمة هنا وكلمة هناك.

ويقول لـ"إيلاف": "أنا لا أعيش هذه الظروف، ومن الضروري أن يطغى عندي عامل المنطق القائم على الشواهد الحيّة في وطننا لنشر التفاؤل والأمل. ولذلك، أنا لا أخفي أهمية دور المغترب في تبريد الساحة وتقديم البدائل المقنعة وإعادة اللبناني المقيم إلى دائرة التفاؤل والأمل. ولطالما سعيت لإقناع المغترب أن عليه أن يكون محركاً لبعث نفحات ايجابية تدفع باستعادة شعبنا إلى مقوماته بما يستجيب لتاريخنا المبني على الانصهار الوطني. من المؤسف أن من يقود الاغتراب هم أنفسهم الذين يعيشون أسرى الظروف في محيطنا الجغرافي".

التغيير قادم

يخاطب السفير حمدان الإعلام والإعلاميين، قائلاً إنه يصعب فهم حقيقة الأحداث من دون قراءة شاملة مستندة إلى فهم المتغيرات على الساحة الدولية، "تشغلكم التفاصيل الداخلية عن رؤية الصراع القائم الذي يفرضه نظام العولمة حيث الدول الكبرى مشغولة ببناء النظام الاقتصادي الدولي الجديد. بعض هذه الدول يطمح لتغيير نظام بريتون وودز، مما قد يؤدي إلى تحجيم دور الولايات المتحدة إن لم يؤدِ إلى اسقاطه. فكل طرف يسعى لتجميع أكبر عدد من النقاط في رصيده ليكون القطب الأقوى في حركة الاقتصاد هذا.. فاقرأوا كتاباً عن حرب الكتل النقدية".

ويضيف: "الشرق الأوسط ساحة لجمع النقاط وإن&كانت محدودة. كانت نقاط الشرق الأوسط متراكمة كلها في ملعب الولايات المتحدة لكنها أخطأت الحساب ارضاء كالعادة للشريك الصهيوني فجاءت الأطراف الأخرى تشغلها في ملعبها لتبعدها عن ملاعبها هي آسيا وافريقيا وحتى أميركا اللاتينية. وأعتقد أن الولايات المتحدة بدأت تفيق مع شركائها إلى هذه الحقيقة التي ستكون أقوى من تأثير نتنياهو عليها. التغيير قادم فتشوا اذا عمّا يجمعنا ويوحدنا لكي نخرج بغلّة طيبة لبلدنا.

نموذج للدراسة

برأي حمدان، الجالية اللبنانية في المكسيك نموذج مميز تستوجب دراسته بدقة وتمعن، إذ نجحت في أن تترجم قوتها حضورًا فاعلًا في كل الميادين لأنها لم تنزلق خلف الانقسامات المحلية في لبنان.

يقول لـ"إيلاف": "هي نموذج للقوة الاغترابية التي صارت جزءًا من الواقع في البلد الذي تعيش فيه ولم تشغل ذاتها بواقع خارجي وان كان هذا الواقع متصلاً ببلد الأصل. وقد سمح التكوين الجيوسياسي للمكسيك بتظهير هذه الصورة للجالية، بخلاف الأرجنتين مثلًا التي طغى فيها التحالف الأنكلوسكسوني الصهيوني واستفاد من اندفاعة الجالية بأكثريتها السورية خلف السياسات التي ترسمها الحكومة هناك، لفرض سياسات محلية أضعفت اللحمة بين ابناء الجالية ومنعت اقامة مؤسسات قوية تؤطر الجالية وتشد من أزرها".

يتطلع حمدان إلى الجالية اللبنانية كنموذج عن قوة وقدرة وامكانيات شعبنا اذا تطلع بواقعية نحو مصالحه وسعى لحماية هذه المصالح واستثمارها، خصوصًا أن المغترب اللبناني انخرط كليًا في المجتمع المكسيكي، "فهذه قوته واسباب تعلق المكسيكي به، لكنه ظل محافظًا على جذوره الثقافية فأنشأ المؤسسات الخاصة به وتحولت مؤسساته إلى عناوين دائمة لوطننا تحمل علمه واسمه وترسخ حضوره في الضمير الوطني للإنسان المكسيكي، ولذلك أهديته شهادتي مؤكدًا أن لبنان راضٍ على هذا الدور الاغترابي، وأن لبنان لا يضمر أهدافًا توسعية أو ايديولوجية أو مطامع اقتصادية، فشعبنا حمل دائمًا الرسالة الفينيقية في نشر المعرفة، وشكل رافعة للمساهمة في تقدم شعوب الدول التي اختارها وطنًا بديلًا لوطنه".

الميكروفون الذهبي

وقد تسلم حمدان جائزة الميكروفون الذهبي من بوعون خلال حفل أقيم في مقر المؤسسة الوطنية لأصحاب الإذاعات في المكسيك. وقد أعلنت أن حمدان حظي باجماع 2300 صاحب محطة في البلاد، اتفقوا جميعًا على منحه هذه الجائزة، "بعد أن استطاع إيصال صرخة سلام من منطقة ملتهبة، فكرس من خلالها صورة اللبناني المبدع الذي يعرفه سكان المكسيك، من خلال اداء الجالية اللبنانية في هذه البلاد".

وأعربت بوعون عن اعتزازها بأن تقدم الجائزة إلى "مواطنها"، موضحة أنها من اصول لبنانية، وأنها ترغب باستعادة جنسيتها هذه. وقالت، في خطاب مذاع مباشرة عبر الأثير إلى كل أنحاء البلاد، إنها تفتخر أن تقدم المايكروفون الذهبي "لممثل البلد الذي جاء منه اباؤها وأجدادها".

حمدان شكر كل الذين أيدوا تسميته للجائزة، وأهداها لشعب وطنه الذي اثبت رغم كل المعاناة والظروف الصعبة التي مر بها أنه شعب تواق للسلام يعشق الحياة ويواكب التطور القائم في مختلف أنحاء العالم. وأكد أن بلاده نموذج نادر للتعايش بين الحضارات. وقال إن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، شدد على هذا الدور للبنان حين وصفه بأنه رسالة، مشيرًا إلى المساعي المبذولة لجعل لبنان مركزاً دائماً للأمم المتحدة لحوار الحضارات.

ودعا المكسيكيين إلى دعم هذا التوجه، لافتًا إلى أن بيروت هي العاصمة الوحيدة في العالم التي ترتفع في وسطها كنيسة مسيحية يجمعها حائط مشترك مع مسجد اسلامي، ويقع على بعد أمتار معدودة عنهما الكنيس اليهودي.

ولفت حضور حاخام يهودي لبناني من عائلة حزان أكد أن اليهود عاشوا بكرامة وعزة في لبنان، وأنه قضى أجمل ايام حياته في بيروت حيث ولد.