يخوض مقاتلو المعارضة السورية المدعومة من دول عربية وغربية، معركة مصيرية في محافظة حلب، مع تقدم عناصر تنظيم "الدولة الاسلامية" على حسابهم في شمال المحافظة قرب الحدود التركية، واقتراب قوات النظام من معاقل لهم في المدينة، بحسب محللين ومعارضين.

بيروت: أمام الخطر المزدوج المتنامي في الايام الماضية، دقت المعارضة السورية ناقوس الخطر، داعية الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة، الى شن ضربات جوية ضد التنظيم الجهادي ونظام الرئيس بشار الاسد، على غرار تلك التي ينفذها سلاح الجو الاميركي في شمال العراق ضد تنظيم "الدولة الاسلامية".

ويقول مدير البحوث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كريم بيطار لوكالة الصحافة الفرنسية "اكثر من اي وقت مضى، تجد المعارضة المسلحة نفسها بين فكي كماشة النظام والدولة الاسلامية". ويضيف هذا الخبير في شؤون الشرق الاوسط: "ثمة خطر حقيقي حاليًا بأن تخسر هذه المعارضة سريعًا الاوكسيجين الذي يبقيها على قيد الحياة".

واكتسح التنظيم الجهادي خلال الشهرين الماضيين، معتمدًا اسلوب الترهيب والتخويف بحق من يقف في طريقه، مناطق واسعة في شمال العراق وغربه. وبعدما بات يسيطر بشكل شبه كامل على محافظتي دير الزور والرقة في شرق سوريا وشمالها، تقدم مؤخرًا في حلب، وسيطر خلال ثلاثة ايام على عشر قرى وبلدات كانت تحت سيطرة مقاتلي المعارضة.

ويواصل التنظيم تقدمه نحو معقلين اساسيين للمعارضين، هما بلدة مارع، ومدينة اعزاز، ما يهدد بقطع امداداتهم من تركيا المجاورة. واعلن التنظيم في بيان مساء السبت، عزمه على "تحرير مناطق الريف الشمالي (لحلب) وطرد الصحوات منها"، وهي التسمية التي بات تنظيم "الدولة الاسلامية" يستخدمها للاشارة الى كل التشكيلات المسلحة المناوئة له.

في المقابل، تضيق القوات النظامية السورية الطوق حول مناطق في شمال وشمال شرق حلب، ما يهدد احياء& المعارضين في المدينة. ويقول الخبير في شؤون المعارضة المسلحة آرون لوند، ان الاخيرة "تقف على مفترق طرق، وإن كان الوضع في حلب قد يمتد اشهرًا اضافية".

ويرى العقيد عبد الجبار العكيدي، احد ابرز قادة مقاتلي المعارضة الذين اطلقوا الهجوم على حلب في صيف 2012، أن الوضع "خطير جدًا". ويضيف عبر الانترنت، ان خسارة المقاتلين لمواقعهم في المحافظة "تعني فقدان الخزان البشري الاساسي" للمعارضة المسلحة.

ويرى سمير نشار، عضو الائتلاف السوري المعارض والامانة العامة لـ"اعلان دمشق"، أن تنظيم "الدولة الاسلامية" يريد "قطع خطوط الامداد التي تأتي من تركيا الى الثوار (...) لتصبح قوى المعارضة معزولة نهائيًا عن الخطوط الخلفية أو خطوط الامدادات، وهذا موضوع خطير جدا".

وإزاء هذه التطورات المتسارعة، دعا رئيس الائتلاف هادي البحرة السبت الغرب لا سيما واشنطن، الى "تدخل سريع" ضد "الدولة الاسلامية والنظام، وان "يتعاملوا مع الوضع في سوريا كما تعاملوا مع الوضع في كردستان العراق، فالمسببات واحدة والعدو واحد ولا يجوز الكيل بمكيالين".

ويرى لوند أنه في حال تمكن النظام من السيطرة على احياء المعارضين في حلب، فهذا يعني "ان الاسد بات يسيطر على غالبية ما يمكن ان نسميه +سوريا المفيدة+"، في اشارة الى دمشق وحمص وحماة (وسط)، والمناطق الساحلية (غرب)، والمناطق الحدودية مع لبنان، التي يسيطر عليها النظام.

وباتت الازمة التي اندلعت منتصف آذار/مارس 2011 باحتجاجات مناهضة للنظام، وتحولت الى نزاع دام اودى باكثر من 170 الف شخص، متشعبة الجبهات والتعقيدات، لا سيما مع تصاعد نفوذ الجهاديين كتنظيم "الدولة الاسلامية"، و"جبهة النصرة" ذراع تنظيم القاعدة في سوريا.

في المقابل، تراجعت المعارضة المسلحة التي يعدها الغرب "معتدلة"، امام صعود الجهاديين، والذين تخوض معهم مواجهات منذ كانون الثاني (يناير). كما غرقت المعارضة في خلافاتها، الناتجة في معظمها عن تجاذبات بين ابرز رعاتها الاقليميين، السعودية وقطر.

وترافق ذلك مع امتناع الدول الغربية عن تزويد مقاتلي المعارضة بأسلحة نوعية، متذرعة بالتخوف من وقوعها في ايدي المسلحين المتطرفين. ولا يخفي المقاتلون والمعارضون مرارتهم من مسارعة الولايات المتحدة الى التدخل في العراق بعد نحو شهرين فقط على هجوم "الدولة الاسلامية"، في حين أن الغرب احجم عن اي تدخل مباشر في سوريا خلال اعوام.

ويقول العكيدي: "هناك شعور بالغضب حيث النظام منذ ثلاث سنوات وهو يقتل الشعب السوري ويرتكب افظع الجرائم الانسانية (...) والمجتمع الدولي يتفرج". ويحذر نشار من ان عدم حصول ضربات اميركية في سوريا "سيجعل +داعش+ (وهو الاسم المختصر الذي يعرف به التنظيم الجهادي) تتقدم على حساب الجيش (السوري) الحر والقوى المعتدلة".

رغم ذلك، يرى المحللون ان شن هجمات اميركية في سوريا على غرار العراق، لا يزال امرًا غير مؤكد. وبحسب بيطار، فسياسة واشنطن "تعتبر ان الازمة السورية لا تمثل تهديدًا للمصالح الحيوية الاميركية"، على عكس الوضع في العراق.

اما لوند، فيرى ان التصرف الاميركي في سوريا سيتحدد وفق ما تنوي ادارة الرئيس باراك اوباما القيام به ازاء "الدولة الاسلامية"، بمعنى أن الضربات ستقتصر على العراق اذا كانت واشنطن تريد حصرًا "احتواء" التنظيم، وقد تمتد الى سوريا في حال ارادت "تدميره بشكل كامل".

ولم تعلق الولايات المتحدة بعد على طلب المعارضة السورية. ويقول نشار إن الاخيرة وجهت "رسائل الى الادارة الاميركية وكبار المسؤولين لتوضيح خطورة الوضع في شمال سوريا"، الا انه "لم تأتِ اجوبة" بعد.