لطالما كانت السويداء منطقة مفتوحة للجميع، ترفض الغوص في وحول الحرب السورية، لكنها اليوم تتجه إلى الحرب مع هجوم النصرة والبدو على بلدة داما، ومطالبة الموحدين الدروز بتسليحهم للدفاع عن أنفسهم.


بهية مارديني من اسطنبول: أكد يامن الجوهري، عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض، لـ"ايلاف" أن الأمور في محافظة السويداء السورية أخذت منحى التهدئة. وقال: "يحاول النظام السوري أن يثير مجددًا النعرات الطائفية، لكن هذه المرة اتخذت طابعا أكثر حدة ".

أضاف: "للمرة الأولى منذ عامين، حاول الائتلاف التدخل جاهدًا للعمل على تهدئة الامور، عبر الأمانة العامة للائتلاف التي تواصلت مع بعض فصائل الجيش الحر ومع مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز".

وأشار الجوهري إلى موقف ايجابي من الجميع ومن المعارضة في السويداء، التي لم تحاول أن تشعل صفحات التواصل الاجتماعي، بل كل الأطراف كانت حريصة على التهدئة، معبرًا عن أسفه للشهداء الذين سقطوا من عائلة القنطار ومن بقية العائلات المعروفة والمشهود لها في السويداء وسوريا.

يريدون سلاحًا

كانت الحرب وصلت إلى جبل العرب في سوريا، بعدما هاجم البدو المسلحين بلدة داما في السويداء وقرية شانية قربها، ما أدى إلى مصرع 15 شخصا من الموحدين الدروز، بينهم 12 شيخًا و3 من شبان حزب التوحيد العربي، برئاسة وئام وهاب.

وقالت وسائل إعلام النظام إن البدو، مدعومين من جبهة النصرة، اشتبكوا مع عناصر قوت النظام والأهالي في بلدة داما الواقعة بالقرب من بلدة اللجاة، الخارجة عن سيطرة النظام. وطالب الموحدون الدروز النظام السوري بتسليحهم لمقاتلة جبهة النصرة والبدو. وقد تجمع مئات الشباب أمام الدوائر الحكومية يريدون تسليحهم للدفاع عن أنفسهم.

عودوا إلى الجيش

بحسب ما قاله ناشطون، يبدو أن السويداء في طريقها لتصبح في قلب الحرب. فقد تفاعلت أحداث السويداء الأخيرة، لا سيما الاشتباكات في بلدة داما، مع ورود أنباء عن دعاة حمل السلاح في وجه البدو والجيران من قرى درعا. الا أن النظام رفض فكرة تسليح الدروز، ووصفها بأنها عبثية وكارثية، مطالبًا كل من يريد الدفاع عن السويداء بالالتحاق بأقرب شعبة تجنيد ليتم ضمه إلى الجيش السوري، وهناك يمكن له أن يدافع عن بلده وفق الأصول، في مسعى لإعادة شباب السويداء إلى الجيش، بعدما رفضوا الخدمة وقتل إخوانهم من الشعب السوري.

ونقل أحد المشايخ عن أحد مسؤولي النظام قوله إن السلاح بيد المدنيين، لاسيما غير المدربين، كارثة ولا يقدم شيئًا على أرض الواقع. وفور وصول هذا الكلام إلى الشارع الدرزي، ترددت أصداء الانتقادات بل وحتى الشتائم بحق النظام، فيما حذر البعض من أن الفتنة التي أشعلها النظام بين البدو والموحدين الدروز قد تتطور، بحيث تصل نيرانها إلى النظام نفسه.

اتهام النظام

واتهم البعض نظام الأسد صراحة بالطائفية، التي دفعته إلى تسليح القرى العلوية في الساحل وحمص وبقية المناطق وجعلته بالمقابل يستنكف عن تسليح الدروز. وتساءلوا عن سر تسليح التجمع الشيعي في بصرى الشام، التي لا تبعد سوى كيلومترات عن حدود السويداء، بأسلحة متوسطة وثقيلة، فيما يتم منع السلاح عن الموحدين الدروز، بحجة أنهم غير مدربين وأن تسليحهم سيفضي إلى كارثة.

واستنكف عدد من شباب السويداء عن الانضمام إلى جيش النظام، مخافة أن يزجهم في جبهات خارج محافظتهم، مضحيًا بهم في الصفوف الأمامية، فيما بقيت الأغلبية المنضمة إلى جيش النظام مصرة على أن تبقى داخل المحافظة، وسط مباركة الجميع، وخصوصًا المشايخ، كي لا يزجوا في الصراع الداخلي.

لعبة النظام

تعليقًا على الأحداث التي شهدتها المنطقة، أصدرت ألوية العمري التابعة لجبهة ثوار سـوريا بيانًا أكدت فيه أن اللجان الشعبية التابعة للنظام السوري هي المسبب الأول لما حصل. وجاء في البيان أن اللجان الشعبية في السويداء لم تكف عن استفزازاتها لبدو السويداء واتهامهم بالعمالة، في الوقت الذي يحاول فيه نظام الأسد الإيقاع بين أهالي السويداء، من خلال رئيس فرع الأمن العسكري وفيق ناصر.

وأكد البيان أن شبيحة ناصر هاجموا بيوت البدو الرحل بالقرب من قرية عريقة، بتهمة العمالة للجيش الحر. وتدخلت ألوية العمري في المنطقة وقامت بدحر قوات النظام منعًا لارتكاب مجزرة، لتدور اشتباكات بين الطرفين، بحسب البيان.

ووجهت ألوية العمري في بيانها رسالة لشيوخ العقل والحكمة الأجلاء في السويداء، بأن يضعوا حدًا للجان الشعبية التي تمادت في رعونتها. كذلك اصدرت كتائب الفاروق بيانا مماثلا.

الدروز العرب

من جهته، توجه رئيس اللقاء الديمقراطي اللبناني النائب وليد جنبلاط إلى الموحدين الدروز العرب في سـوريا، بعد الأحداث التي تشهدها منطقة السويداء، والتي تعكس الأساليب التي يجيد النظام السـوري لعبها وترتكز إلى تأليب المناطق والطوائف والمذاهب على بعضها البعض وإشعال نار الفتنة المتنقلة، بما يتيح له إعادة بسط سيطرته وسطوته الأمنية والسياسية في مواقع مختلفة من سـوريا".

قال: "في اللحظة التي يسقط فيها الدروز في الفخ الذي ينصبه النظام، ويسيرون في نظرية الأقليات التي روج لها النظام، يكونون قد تخلوا عن كل تراثهم القومي والوطني والتاريخي في النضال من أجل سـوريا عربية موحدة تعددية متنوعة".

وأكد جنبلاط أن أمام العرب الدروز الاختيار بين الانتماء المذهبي الضيق والمقيت الذي يستخدمه النظام السـوري ويترجمه من خلال عناصر ما يسمى بالدفاع الوطني في مواجهة أهلهم في حوران وبقية المناطق التي ترمي لإذكاء نار الفتنة، وبين الانتماء العربي والقومي العريض، لافتًا إلى أن الهوية المذهبية لا تحمي الأقلية الدرزية المنتشرة في لبنان وسـوريا وفلسطين المحتلة وبعض المناطق الأخرى، "إنما وحدها الهوية العربية الجامعة التي تصون هذه الطائفة في إطار محيطها السياسي والجغرافي الطبيعي".

للوعي والعقلانية

ودعا جنبلاط كل فاعليات ومشايخ الموحدين الدروز إلى التحلي بأعلى درجات المسؤولية والوعي والعقلانية، لبناء تفاهمات وتحقيق مصالحات مع المحيط، "لأن في هذه السياسة ما هو أجدى من توسل السلاح من النظام، الذي يريد استخدام الدروز وغير الدروز في إطار حربه العبثية، التي أدت إلى قتل ما يزيد عن مئتي ألف مواطن سـوري وتدمير سوريا بأكملها تقريبًا، فيما يعيش رأس النظام في برجه العاجي".

وأشار إلى أنه من الواضح أن سياسة استغلال الطوائف والمذاهب التي اعتمدها النظام لم ترحم حتى الطائفة العلوية ذاتها، كما سائر الطوائف الأخرى، "وقد تكبدت هذه الطائفة ما يزيد عن أربعين ألف قتيل من الجيش، فضلًا عن الخسائر المدمرة التي لحقت بها من جراء سياسات النظام في علاقاتها السياسية والاجتماعية مع سائر مكونات المجتمع السوري الذي يعيش أصعب الظروف وأقساها في تاريخه المعاصر".

والجدير بالذكر أن وسائل الإعلام المؤيدة للنظام، أكدت أن الأجواء عادت طبيعية داخل داما ومحيطها، ولا يوجد هناك أي داع لأي تخوف، أو لنشر أخبار كاذبة دون أي دليل.