كشف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي بدأ قبل نحو شهرين، عن تحول الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في القطاع، إلى حرب إستخباراتية بالأساس تعتمد على جمع المعلومات والرد المتبادل من هذا المنطلق.

&
القاهرة: &تدور رحى الحرب الإستخباراتية في الخفاء، وتظهر نتائجها للعلن سريعاً في صور شتى، منها إطلاق صواريخ &باتجاه المدن الإسرائيلية أو عمليات نوعية تقوم بها الفصائل الفلسطينية، تقتل وتأسر خلالها الجنود، فيما ترد إسرائيل بتجنيد العملاء في أوساط الفلسطينيين، وترصد القيادات الميدانية، وفي لحظة دقيقة تقوم بعمليات اغتيال لهم، عبر إطلاق الصواريخ على منازلهم ومخابئهم من طائرات، حددت أهدافها مسبقاً بدقة بالغة.
&
وفي إطار هذه الحرب، قتلت مجموعة من القادة العسكريين لحماس في مدينة رفح، بينما ردت حماس بإعدام 21 شخصاً ممن وصفتهم بـ"العملاء"، في عملية سمتها "خنق الرقاب".
&
وكشفت الحرب التي شنتها إسرائيل في بداية شهر يوليو/ تموز الماضي، أن الأجهزة المعلوماتية في حركة حماس باعتبارها المسيطرة والحاكمة في غزة، استطاعت خداع الإستخبارات الإسرائيلية على مدار أعوام وتحديدا منذ إنتهاء الهجوم في العام 2008، وتمكنت حماس من بناء ترسانة أسلحة متوسطة وتصنيع صواريخ قادرة على الوصول إلى المدن والمستوطنات الإسرائيلية، بل الوصول إلى تل أبيب نفسها. وأصابت الصواريخ التي أمطرت بها حماس الحكومة والجيش وأجهزة الإستخبارات في إسرائيل بالصدمة، لا سيما أنها كشفت أن حماس صارت لديها قدرات عسكرية هائلة مقارنة بالعام 2008، فضلاً عن أنها استطاعت بناء شبكة واسعة من الكوادر العسكرية، وقوات كوماندوز، كما نفذت العديد من العمليات النوعية الناجحة، وقتلت 13 جندياً إسرائيليا في عملية واحدة، وأسرت آخر، حسب تأكيد حماس.
&
وأذهلت القدرات العسكرية لحماس صناع القرار في إسرائيل، ولهذا وافقت على المبادرة المصرية التي أطلقت بعد الهجمات بيومين، وكان لافتاً سرعة الموافقة الإسرائيلية في مقابل الرفض الحمساوي.
&
خداع استراتيجي
&وقال الدكتور محمد صلاح الخبير في الشؤون الإسرائيلية، لـ"إيلاف" إن إسرائيل عندما فوجئت بأنها تعرضت لعملية خداع إستراتيجية لجأت إلى الموافقة على المبادرة المصرية، التي كانت تدعو إلى وقف إطلاق النار والبدء في مفاوضات غير مباشرة، مشيرا إلى أن إسرائيل وافقت على المبادرة رغم أنها ليست في صالحها، تحت ضغوط الرأي العام الإسرائيلي الذي أصيب بالهلع، بسبب إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه المدن الإسرائيلية. وأضاف ان إسرائيل هدفت من وراء الموافقة على المبادرة وإيقاف إطلاق النار إلى تمكين أجهزة مخابراتها من جمع المعلومات حول قدرات حماس العسكرية وقادتها الميدانيين. ولفت إلى أن إسرائيل وافقت على ثلاث هدنات لإيقاف إطلاق النار، بينما مارست المراوغة والخداع على مائدة المفاوضات، واتاحة الوقت للأجهزة الإستخباراتية لجمع المعلومات واختراق المقاومة الفلسطينية.
&
وأوضح أن أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية استطاعت أن ترد الصفعة التي تلقتها من حماس، بطريقة خاصة، عندما نجحت في تحديد مكان وتوقيت تواجد ثلاثة من قادة حماس العسكريين في منزل بمدينة رفح، ونجحت في إغتيالهم عبر إطلاق الصواريخ عليهم من طائرات أف16، كما حددت مكان قيادي رابع وقتلته في غزة.
&
وأعتبر أن الحرب الحقيقية بين حماس والموساد بدأت بالفعل، مشيراً إلى أن الحرب الإستخباراتية ما زالت دائرة، ولن تنتهي بينهما حتى لو نجحت مصر في إيقاف إطلاق النار وجمع الطرفين إلى مائدة المفاوضات. وقال إنه عندما تصمت أصوات الآليات العسكرية تبدأ الحرب المخابراتية التي لا يسمع لها أي صوت على الإطلاق، لأنها تجري في الخفاء وتحت جنح الظلام.
&
ونجحت إسرائيل في اغتيال ثلاثة من قادة حماس العسكريين، وهم: رائد العطار، ومحمد أبو شمالة، ومحمد برهوم، بعدما استهدفتهم طائرات "أف 16" اسرائيلية بأكثر من عشرة صواريخ، أثناء تواجدهم في منزل مملوك لعائلة كُلَّاب بمدينة رفح جنوب القطاع، وذلك رغم موافقة إسرائيل على تمديد الهدنة لمدة 24 ساعة، إلا أنها خرقتها.
&
اعدام "العملاء"
وفي رد إستخباراتي من حماس على عملية اغتيال القادة الثلاثة، أعدمت الحركة 21 شخصاً وصفتهم بـ"العملاء"، وقالت إنها وجهت ضربة شديدة إلى أجهزة الإمن الإسرائيلية، ولا سيما جهازي الشاباك والموساد، وقالت الجهة التي نفذت الإعدام، تحت اسم "محكمة الثورة" إن عملية الإعدام نفذت "رمياً بالرصاص بعد ثبوت الأدلة والبراهين واعترافهم بما اقترفوه بحق أبناء شعبنا ومقاومته". وأضافت في بيان لها أن "العملاء" أعترفوا بارتكاب عدة جرائم منها: "رصد تحركات قيادات في المقاومة أدت إلى استهدافهم وارتقاء بعضهم شهداء. نقل معلومات حول عناصر للمقاومة وتم استهدافهم وارتقاؤهم شهداء".
&
ومن الإتهامات التي وجهتها ما وصفت بـ"المحكمة الثورية" للمعدومين: "الارشاد بالوصف الدقيق لمنازل عدد من المقاومين وتم استهدافها خلال الحرب. تحديد مواقع وأهداف مدنية وعسكرية من خلال اجهزة GPS. جمع ارقام هواتف عناصر للمقاومة. استلام اجهزة ومعدات من العدو لأغراض التجسس. تصوير أماكن عامة وارسالها إلى العدو الصهيوني. تصوير منازل وشقق سكنية وسيارات تتبع مواطنين وتم استهدافها. استلام أموال من العدو واعادة توزيعها إلى عملاء آخرين عبر النقاط الميتة. متابعة أنشطة وفعاليات تنظيمية وارسالها للعدو. بث وترويج عدد من الشائعات".
&
قوة حماس الاستخباراتية
ووفقاً للواء نبيل سعيد، الخبير العسكري، فإن حماس برهنت في أكثر من موضع أنها تمتلك أجهزة معلومات قوية في مقابل أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية. وأوضح لـ"إيلاف" أن عملية خطف وإخفاء الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لنحو خمس سنوات، منحت حماس صك المهنية الإستخباراتية، ووجهت لطمة قوية للموساد الإسرائيلي، مشيراً إلى أن اللطمة الأكثر إيلاماً كانت عبر إخفاء منصات الصواريخ وبناء ترسانة أسلحة فوجئت بها إسرائيل أثناء الهجوم الحالي.
ولفت إلى أن هذا النجاح لحماس جاء، بسبب إحكام قبضتها على قطاع غزة، وتصفية من تعتبرهم "عملاء"، منبهاً إلى أن عمليات تصفية قيادات حماس توقفت لعدة سنوات، ولم تعد إلا أمس فقط، ما يدل على أن إسرائيل كانت تحتفظ بالعديد من الخلايا العميلة في القطاع، الذين نشطوا خلال الفترة الماضية واستطاعوا تحديد مكان ثلاثة من القادة البارزين في حركة حماس.
&
وأفاد بأن حماس لا يمكنها هزيمة إسرائيل إستخباراتياً، لا سيما أنها تمتلك أجهزة استخباراتية مدربة بشكل عالٍ، بالإضافة إلى أنها تلقى دعماً إميركياً سخياً، سواء بشرياً أو تكنولوجياً، معتبراً أن إسرائيل لن تهدأ حتى تصل إلى أماكن إطلاق الصواريخ ومعرفة المخزون الإستيراتيجي منها، وكيفية تصنيعها أو تهريبها إلى القطاع. وأفاد بأن نجاح حماس في التصنيع والإطلاق والإخفاء يعتبر إنجازاً كبيراً، لا سيما أنها تواجه دولة تعتبر مخلب قط لأميركا والغرب في المنطقة. وأشار إلى أن حروب أجهزة الإستخبارات لا تنتهي، حتى بين الدول التي تعتبر صديقة، منوهاً بأن إسرائيل تتجسس على أميركا، رغم أنها أكبر راعٍ لها في العالم.
&