سيخرج رئيس تركيا المنتهية ولايته عبدالله غول من قصر الرئاسة، يوم الخميس، شخصية معزولة، ليس له مكان في الحكومة الجديدة، بعدما قرر حزبه ألا يمنحه أي منصب مهم. إلا أن العديد يشككون في أنه سيدخل عالم النسيان السياسي بهدوء، وأنه لن يعود إلى الساحة مرة أخرى.


أنقرة: مكانة غول السياسية القوية تعني أنه لا يزال يعتبر قوة كامنة في حال عانى حزب العدالة والتنمية الحاكم من انقسامات، وفقد شعبيته في المستقبل. وكان غول (63 عامًا) شريك رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان، الذي سيخلفه في الرئاسة، في تأسيس حزب العدالة التنمية، وكان حليفًا سياسيًا مقربًا له معظم العقد الماضي.

جذب المعارضين
لكن في الأشهر الأخيرة أصبح الخلاف المتزايد بين أشهر شخصيتين سياسيتين في تركيا واضحًا، حيث أصبح غول محط أنظار من أرهقهم ميول إردوغان إلى الحكم السلطوي.
وانشق غول عن إردوغان، خاصة عندما انتقد سياسته في قمع الاحتجاجات الحاشدة التي هزّت الحكومة في 2013. كما دعا إلى تحسين العلاقات مع الغرب، ولم يشارك إردوغان خيبة أمله وانتقاداته لخلع جماعة الإخوان المسلمين من الحكم في مصر.

إلا أنه وبعد يوم من فوز إردوغان الساحق في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في العاشر من آب/أغسطس، نفى غول التكهنات بأنه قد ينضم إلى حركة سياسية جديدة، وقال إنه "من الطبيعي بالنسبة إليّ العودة إلى حزبي". وتطبيقًا للقانون التركي، الذي ينص على أن الرئيس يجب أن يكون محاديًا سياسيًا، فقد قطع غول جميع علاقاته مع حزب العدالة والتنمية أثناء رئاسته.

السؤال المطروح هو ما إذا كان غول سيستخدم نفوذه للضغط من أجل إحداث تغيير داخل حزب العدالة والتنمية، بعد ما اعتبره الكثيرون إهانات متعمدة تعرّض لها في نهاية ولايته. وفي كلمته الوداعية الاثنين، قال غول إنه حافظ دائمًا على "حياديته" كرئيس. ورأى الكثيرون في الكلمة التي اختيرت كلماتها بدقة انتقادًا مقنعًا لخطط إردوغان لإسناد مزيد من الصلاحيات إلى منصب الرئيس.

إقصاء
وقال غول "لقد ركزت (خلال رئاستي) على أهمية فصل السلطات وعلى وضع نظام لمراقبة ديموقراطيتنا"، مؤكدًا أن على رئيس الدولة "أن يحرص بشدة على الحفاظ على المتطلبات التي تجعل الدولة ديموقراطية وعلمانية واجتماعية". وأغلقت الأبواب كليًا أمام فرص غول لتولي رئاسة الوزراء، بعدما قرر حزبه عقد مؤتمر لترتيب خلافته الأربعاء، قبل يوم من تنصيب إردوغان رئيسًا للبلاد، ما يعني أن غول لن يتمكن من المشاركة في المؤتمر.

وقال سولي أوزيل أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في إسطنبول "لا شك في أن قرار عقد مؤتمر الحزب في 27 آب/أغسطس اتخذ بهدف إبعاد غول عن شغل أي منصب له نفوذ في الحزب". وأضاف "أعتقد أن غول سيواصل النضال داخل الحزب".

على مقاعد الاحتياط
إلا أن محللين يرون أنه من المرجّح أن يكتفي غول بالجلوس على الهامش في الوقت الحالي، وأن لا يتحرك مرة أخرى إلا بعد أن تبدأ علامات الضعف على حزب العدالة والتنمية، ويبدأ إردوغان في فقدان شعبيته وتأييده في مشروعه لبناء "تركيا الجديدة".

وقال دنيز زيريك رئيس مكتب أنقرة لصحيفة حرييت الواسعة الانتشار إنه "من غير المرجّح أن يدخل غول في حرب لا يمكنه كسبها". وأضاف لفرانس برس "لا أعتقد أنه سيدخل اللعبة طالما ظل حزب العدالة والتنمية ناجحًا". وألمح غول إلى أنه لا يعتزم العودة إلى واجهة السياسة "سأنتقل إلى إسطنبول. وسأستمر في العمل من أجل نجاح تركيا. سأتصرف كشخص كان رئيسًا للبلاد".

امتحان مصيري
ويرغب إردوغان من حزبه في أن يسعى من أجل وضع دستور جديد يمنحه مزيدًا من الصلاحيات، وهو ما يتطلب حصول الحزب على غالبية الثلثين في الانتخابات العامة المقبلة في 2015. وقال زيريك إن انتخابات 2015 ستكون "اختبارًا حاسمًا" للحزب ستقرر مصير غول. وأضاف "إذا فشل الفريق الجديد، فإن كبار زعماء حزب العدالة والتنمية سيطلبون من غول العودة كزعيم للحزب". وحرص غول على الدوام على إظهار ولائه الشديد لإردوغان.

وقاد غول الحزب إلى نصر كاسح في أول انتخابات يخوضها، ولم يكن بإمكان إردوغان تولي منصب رئاسة الوزراء بعد قضائه فترة في السجن على أثر قراءته قصيدة إسلامية. فما كان من غول إلا أن شغل ذلك المنصب نيابة عنه لفترة وجيزة، ليسلمه إياه من دون أي احتجاج، عندما سمح له بتولي رئاسة الوزراء. وكتب الصحافي جنكيز جندار يقول إن غول ليس شخصًا يمكن تهميشه، وزعم أن "عدم ولاء" الحزب له أثار أسئلة حول مبادئ "تركيا إردوغان الجديدة".

ورغم احتفاظ غول بصمته المشرف، إلا أن زوجته خير النساء انتقدت علنًا من قالت إنهم ظلموا زوجها. وقالت "عبد الله بيه لا يمكن أن يقول ذلك للباقته. إلا أنه تعرّض للكثير من الاتهامات الباطلة وعدم الاحترام".