&قد تكون الانترنت أداة نافعة للناشطين والمنظِّمين، كما في أحداث كبرى مثل الربيع العربي وفعاليات كتحدي دلو الماء المثلج. لكن دراسة جديدة أظهرت أن الانترنت عمومًا كبح المشاركة السياسية بدلًا من زيادتها، إذ يكتفي مستخدمو مواقع التواصل بمشاركة أفكارهم عبر نشرها لا مناقشتها خصوصًا حين يتموضع الرأي في خانة المعارضة.


عملت مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفايسبوك، على تضييق ساحة التنوع في الآراء وخنق السجال والمناظرات حول قضايا عامة. كما إنها قللت من احتمالات إبداء الرأي، لا سيما عندما يعتقد الأشخاص بأن آراءَهم تختلف عن آراء أصدقائهم، بحسب دراسة أجراها علماء في مركز بيو للأبحاث وجامعة راتغرز. كذلك وجد الباحثون أن الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بإنتظام يكونون أكثر إحجامًا عن إبداء آراء معارضة في العالم الواقعي خارج الانترنت.&

تشارك لا نقاش
ويبدو أن الانترنت يسهم في استقطاب الناس في الولايات المتحدة، حيث يحيط الأشخاص أنفسهم بآخرين يشاركونهم أفكارهم، ويترددون في قول أي شيء مخالف. وتضخّم شركات الانترنت هذه الظاهرة بتعديل تكنولوجيتها لتقديم محتوى أوسع مصدره أشخاص يماثلوننا.&

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن كيث هامبتون أستاذ الاتصالات في جامعة راتغرز الذي شارك في البحث قوله "إن الأشخاص الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي يجدون طرقًا جديدة للمشاركة سياسيًا، لكنّ هناك فارقًا كبيرًا بين المشاركة السياسية والنقاش السياسي". وأشار البروفيسور هامبتون إلى عزوف الأشخاص عن إبداء آراء وطرحها في مواجهة آراء الطرف الآخر، قائلًا إن هذه المطارحة بين الآراء "هي ما نود أن نراه في الديمقراطية".&

تناول العلماء في بحثهم تأثير الانترنت في ما يُسمّى "حلزون الصمت" أو النظرية القائلة إن احتمال أن يبدي الأشخاص آراءَهم يكون أقل إذا اعتقدوا أنها تختلف عن آراء أصدقائهم وأفراد عائلتهم وزملائهم. وكان كثيرون يعتقدون بأن الانترنت سيلغي هذه النظرية، لأنها تربط بين أشخاص متنوعي الأصناف والآراء، وتعطي حتى الأقلية منبرًا لإسماع صوتها.&

مرآة عاكسة
لكنّ الباحثين وجدوا بدلًا من ذلك أن الانترنت يعكس العالم الواقعي، حيث الأشخاص دائمًا يميلون إلى الأصدقاء من ذوي التفكير المشابه لتفكيرهم، ويعزفون عن إبداء آراء مخالفة. ويبدو أن هناك سببًا وجيهًا للقاعدة المأثورة بتجنب الحديث في الدين أو السياسة على مائدة الطعام.&

يضاف إلى ذلك أن الانترنت ييسِّر على الأشخاص قراءة الأخبار وآراء من يتفقون معهم فقط. وفي حالات كثيرة لا يكون هذا الخيار حتى خيارهم، بل يُقدم إليهم جاهزًا. وأعلن موقع تويتر أخيرًا أنه سيبدأ بعرض تغريدات كي يراها المستخدم، حتى إذا كانت تغريدات أشخاص هو ليس من متابعيهم. وقال موقع فايسبوك إنه سيخفي التقارير التي تحمل أنواعًا معينة من العناوين في المواد الخبرية.&&

في هذه الأثناء أصبحت المضايقات، التي يرتكبها متنمرون يعتدون على من يخالفهم الرأي، مشكلة مزعجة لمواقع التواصل الاجتماعي ومستخدميها. وقال الباحثون إن البشر ينزعون بقوة إلى نيل استحسان الآخر، باحثين باستمرار عمّا يشير إلى اتفاقه معهم. ويتلقى مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي المزيد من هذه المؤشرات، مثل تحديثات الحالة والقصص الخبرية التي يتبادلها الأشخاص والصور الفوتوغرافية، التي تبيّن كيف يقضون أيامهم، وبذلك تقليل احتمالات البوح بآرائهم.&

لا ثقة
واستطلع الباحثون آراء أشخاص، كما كشف مسرّب وثائق وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، بشأن الأنشطة التجسسية التي تمارسها الوكالة. وقالت غالبية من شملها الاستطلاع إنها مستعدة لمناقشة الرقابة التي تمارسها الحكومة مع أفراد العائلة أو الأصدقاء أو في فعالية اجتماعية عامة أو في موقع العمل. لكنّ المجالين، اللذين قال معظم الأشخاص إنهم لن يناقشوا هذه القضية فيهما، هما فايسبوك وتويتر.&

كما وجدت الدراسة أنه رغم ما يقال عن تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصدر للأخبار ومنبر لمناقشتها، فإن غالبية الأشخاص قالت إنها كانت تسمع أخبار وكالة الأمن القومي وبرامجها التجسسية من التلفزيون والراديو، فيما كان فايسبوك وتويتر أضعف مصدر لهذه الأخبار.&