بغداد: بدت قرية عوسج العراقية مهجورة باستثناء بعض أصوات مقاتلين اكراد يتحصنون في منازل مشيدة من الطين، واخرى من الاسمنت، تكسر الهدوء في البلدة التي فر سكانها بالكامل. وكانت نحو خمسين اسرة من العرب السنة يسكنون في هذه القرية الواقعة في محافظة ديالى شمال شرق.

تحولت هذه القرية الآن موقعًا عسكريًا لقوات البشمركة الكردية، التي تخوض معارك من اجل اعادة السيطرة على بلدة جلولاء، التي استولى عليها عناصر تنظيم الدولة الاسلامية بعد معارك ضارية.

واستعادت قوات البشمركة السيطرة على هذه القرية من ايدي عناصر الدولة الاسلامية، في الاسبوع الماضي. لكن علامات تهديد الجهاديين لا تزال قائمة، اذ ترفرف راياتهم السوداء على على تلة يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة. وفر سكان هذه القرية في مطلع الشهر الجاري عندما اندلعت اشتباكات عنيفة، خوفا من قصف قوات البشمركة او ان يبتلعوا في المناطق الشاسعة، التي وقعت تحت سيطرة مقاتلي الدولة الاسلامية، الذين بدأوا هجومهم في العاشر من حزيران/يونيو.

وعلى الرغم من ان العائلات غادرت منذ فترة قصيرة جدا، لكن منازلها بدت فارغة تماما، وكانهم لم يعيشوا فيها بتاتا. وفي احد المنازل تركت الابواب التي تؤدي الى المخزن مفتوحة، فيما لا تزال اثار الرصاص ظاهرة على الجزء القريب من النافذة. وقال بختيار راهيد، وهو ضابط في البشمركة الكردية، ان "قناص الجهاديين اتخذ من هذا المكان موقعا له". واكد الضابط وبقية القوات الكردية ان لديهم تعليمات مشددة، على عدم المساس بالمنازل. واكد مقاتلين البشمركة ان بعض السكان عاد مرة ثانية من اجل نقل حاجياته بعدما تراجع الجهاديون.

وبحسب المسؤولين الاكراد، لن يسمح للسكان العودة الى منازلهم قبل طرد مسلحي الدولة الاسلامية من بلدة جلولاء. وترفرف راية اقليم كردستان على قمة تل يتوسط القرية. وقرية وادي عوسج تقع ضمن واحدة من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان، وتعارض بغداد الحاقها باربيل. وشهدت هذه المناطق في زمن الرئيس المخلوع صدام حسين عملية تعريب، حيث هجر سكانها الاكراد، وتم استبدالهم بسكان عرب.

ولجأ بعض سكان هذه القرية الى منطقة نوديمان، وهي قرية يقطنها عرب سنة، تبعد حوالي سبعين كلم شرق القرية، وتبعد كثيرا عن اعمال العنف. ويقول علي محمد جاسم، وهو اب لثلاثة اولاد، ويرتدي دشداشة زرقاء ويضع كفية بيضاء على راسه، انه مشتاق للعودة الى دياره. واوضح هذا الرجل البالغ من العمر خمسين عاما، لكن ملامح الشيخوخة بادية على وجهه، "هربنا من القرية بدون ان ناخذ اي شيء، باستثناء ملابسنا، نمنا في العراء يومين، قبل ان نصل الى هنا".

وتنام عائلة هذا الرجل الآن داخل مسجد. وقالت زوجته انهم لا يملكون فراشًا ليناموا عليه، مشيرة الى انها تشعر بآلام في الظهر لانها "تنام على الارض". واضافت ان "بعض الناس ليس لديهم مكان ليهربوا اليه سوى الوديان والمنازل المهجورة، وهم يعانون من احوال ماساوية". وفر هذا الرجل من قرية وادي عوسج، قبل ان يصلها الجهاديون.

وقال انه "بعدما سيطر عناصر الدولة الاسلامية على جلولاء، بدأت البشمركة بقصف مواقعهم، لكن بعض القذائف كانت تسقط في القرية، بدلا من ان تضرب مواقع المسلحين".
واضاف جاسم "نريد العيش في ظل اي سلطة تحمينا، نريد العيش بسلام فقط".

وعند سؤاله في ما اذا كان يرغب في العيش في ظل الدولة الاسلامية، قال "لا اريد العيش في ظل جماعة تؤذيني، ووجودهم دفعني الى الفرار من منزلي". ويتمنى هذا الرجل ان تتمكن القوات العراقية او الكردية من السيطرة على الامور في هذه المناطق. وقال "في ظل النظام السابق، كانت هناك مشاكل بين الاكراد والسلطات العراقية". واضاف "كان ذلك في الماضي. نحن اولاد اليوم، وليس لدينا اي عداء للاكراد الان".

بدوره، اكد سيد احمد، وهو مسؤول محلي عربي من قرية نوديمان، ما ذكره جاسم، وقال ان لا مشاكل بين العرب والاكراد. وتابع "لاكثر من 11 عاما، لم نشعر باي فائدة من الحكومة المركزية، ونحن نعيش في ظل الادارة الكردية طيلة هذا الوقت".