أعرب السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد عن اعتقاده بأن الرئيس السوري بشار الأسد، سوف يوافق أخيرًا على التفاوض على حكومة جديدة مهمتها الأولى هي محاربة الدولة الإسلامية وطردها أخيرًا من سوريا.


نصر المجالي: دعا السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد الولايات المتحدة إلى نهج جديد للتعامل مع النظام السوري، في ضوء التداعيات الجديدة على الأرض والتجهيزات الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وقال فورد في مقال نشره موقع (سي إن إن): إن حرباً وحشية وثلاثية الجوانب كالحرب السورية،&ليست لدى الولايات المتحدة أية خيارات سهلة فيها، لم نستطع أن نسيطر على الأحداث هناك. وصحيح أيضًا أن الحروب الأهلية لا تنتهي دائمًا بشكل جيد. ومع ذلك، عدم قدرتنا على التوجه قدماً أو ضمان أفضل النتائج لن يكون ذريعة للاستمرار بنهجنا الحالي.

واستهل السفير السابق مقاله: "يفكر المسؤولون الأميركيون مليًا في احتمالية ضرب مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو ما بات يعرف بـ "داعش"، في سوريا لاحتواء القوة المخيفة لهذه المجموعة، وذلك بعد إعدام (الصحافي الأميركي) جيمس فولي بشكل مروع، بالإضافة للتهديدات المباشرة التي وجهها التنظيم ضد الولايات المتحدة".

نجاحات المدى القصير

وأضاف فورد الذي كان سفيرًا لدى الجزائر والعراق: وبينما ينظر المسؤولون في أفضل السبل لمواجهة تنظيم "داعش"، هناك أنباء جيدة: لقد حققت الولايات المتحدة وأصدقاؤها بعض النجاحات ضد "داعش" في الشهر الماضي.

وأشار إلى أن الإدارة الأميركية قدمت الدعم المادي للبيشمركة الكردية التابعة لإقليم كردستان العراق وقوات العمليات الخاصة العراقية، في ظل الاستخدام الحكيم للغارات الجوية التي مكنتهم من صد هجمات "داعش" شمال غرب وشمال شرق بغداد.

وقال فورد: ولكن إدارة أوباما قد أدركت بحكمة أن هذه العمليات العسكرية لن تكون مجدية إلا على المدى القصير. فالحل الوحيد الطويل الأمد يكمن في تشكيل حكومة عراقية جديدة قادرة على حشد أغلبية كبيرة من العراقيين من مختلف الطوائف والخلفيات العرقية والأثنية لمحاربة الدولة الإسلامية في سوريا. وكان العراقيون، وهم موحدون، قد احتووا سابقًا هؤلاء المتطرفين، وباستطاعتهم فعل ذلك مرة أخرى.

وأضاف: أما بالنسبة للسكان العرب السنة الممانعين في العراق، والغاضبين من سياسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فقد سبق لهم أن أيدوا "داعش" خلال الربيع الماضي، ولكن الآن الشخصيات العشائرية السنية في الأنبار وكركوك، وكذلك بعض النخبة من السياسيين ورجال الأعمال في الموصل وصلاح الدين، قد طلبوا من الحكومة المركزية في بغداد مساعدتهم في محاربة التنظيم.

ونوّه السفير فورد الباحث حالياً في معهد الشرق الأوسط في واشنطن إلى أن النجاح لن يكون مضموناً، ولكن المشهد بات أفضل من الشهر الماضي.

وقال إن الضغط الأميركي، بالإضافة إلى ربط المساعدات العسكرية بتقدم ملموس لإنشاء حكومة وطنية ذات قاعدة واسعة، قد شجع العراقيين المترددين للمضي قدماً. ولذلك تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على هذا النهج في التعامل مع الواقع الجديد.

تحذير

وحذر فورد من أنه حتى مع هذا التقدم في العراق، فالولايات المتحدة وأصدقاؤها لا يمكنهم احتواء الدولة الإسلامية لفترة طويلة، عندما يسيطر هذا التنظيم على مناطق شاسعة في سوريا، ويتمكن مقاتلوه أن يتنقلوا بأمان.

ويمكنهم وقت ما شاؤوا أن يستريحوا من القتال، وأن يعيدوا تنظيم صفوفهم، ويعودوا للقتال مرة أخرى. وفيما نحن جالسون نفكر بالرد، ينبغي أن ننظر ما إذا كان أي من الاستراتيجيات المستخدمة مؤخرًا في العراق يمكن أن يستخدم أيضًا في سوريا.

ففي العراق، الولايات المتحدة قد حددت مجموعة أصدقاء على استعداد لقتال الدولة الإسلامية على الأرض. لم تكن قوات البيشمركة الكردية مثالية، فهي ليست جيشًا نظاميًا، وهيكل قيادة البيشمركة في بعض الأحيان غير عملي، بالإضافة إلى أن أجنداتها السياسية ليست دائمًا متوافقة مع مصالحنا. ومع ذلك، من الواضح أن قوات البيشمركة تمكنت من دحر قوات "داعش" ووقف تقدمهم، لذلك التعاون معهم كان منطقيًا.

ودعا فورد إلى توفير مساعدات أكبر لعناصر المعارضة السورية المسلحة المعتدلة هو أمر "منطقي للغاية". فهم مندفعون ويخضون القتال ضد "داعش" منذ تسعة أشهر. وعلى الرغم من القتال في معركة شاقة ضد جيش نظام الرئيس السوري بشار الأسد المنظم والمسلح بشكل جيد، والمدعوم بقوات من إيران وروسيا، إلا أن المجموعات المسلحة المعتدلة حققت تقدماً في بعض المناطق.

وقال: وقد تتشارك هذه المجموعات (السورية المسلحة) مع قوات البيشمركة والجيش العراقي في نفس المشاكل المحبطة، مثل عدم الانضباط المهني. ولكن لو كانوا أفضل تسليحًا وتمويلاً، فيمكن لهؤلاء المقاتلين السوريين المعتدلين أن يكونوا مفيدين في التصدي لتنظيم الدولة.

واشار مقال السفير السابق إلى أنهم قاموا بفعل ذلك من خلال طرد عناصر تنظيم الدولة من شمال غرب سوريا في وقت سابق هذا العام، وأيضًا من مناطق دمشق في فترة هذا الصيف. ومع التدفقات النقدية من قبل أقوى الحكومات في الغرب والخليج، فقد يمكنهم ابعاد السوريين عن الانجذاب وراء أموال تنظيم "داعش".

ضربات جوية

وقال فورد: قد تكون هناك حاجة لضربات جوية أميركية في سوريا، ولكن هذا التكتيك لن يكون الأكثر أهمية لتحقيق النجاح، ولن تكون استراتيجية تقديم المزيد من المساعدات المادية للثوار كافية لاحتواء تنظيم الدولة الإسلامية على المدى الطويل. فكما حدث في العراق، يجب أن يكون هناك تغيير سياسي أيضًا.

وفي المقابل، مساعدة نظام الأسد الضعيف لتعزيز موقعه في دمشق ليست حلاً ناجحًا على المدى البعيد. النظام السوري الحالي لا يمكنه دحر الدولة الإسلامية الآن، فهو يجذب العشرات من الجهاديين الجدد كل يوم، مساعدة الأسد سوف&تضاعف أعداد المجندين. فبدلاً من ذلك تحتاج سوريا إلى حكومة جديدة، كما هو الحال الآن في العراق.

ونوه فورد إلى أن الولايات المتحدة كانت تأمل أن يتم التفاوض بشأن حكومة سورية جديدة في جنيف، حيث عقد مؤتمر دولي في وقت سابق هذا العام يهدف إلى إيجاد حل سياسي للصراع السوري، ولكن الأسد رفض أي مفاوضات جادة. فحلفاؤه الروس والإيرانيون، قدروا أن هذا النظام يمكنه الاستمرار، ومع عدم وجود البديل برأيهم، لم يبذلوا أي جهد لإقناع النظام بأن يتنحى.

ورغم ذلك، بعد ستة أشهر، ركائز دعم النظام بدأت تضعف. فهناك تقارير تفيد بأن النظام في وقت سابق هذا الشهر أعدم ثلاثة طيارين من القوات الجوية لأنهم رفضوا إطاعة أوامره. أما بالنسبة للطائفة العلوية التي تعتبر من الأقليات في سوريا، والتي دعمت الأسد منذ البداية، فبدأت تتذمر علنًا من الخسائر الفادحة جراء الحرب التي لم تنتهِ ضد الثوار المعتدلين، والآن ضدّ الدولة الإسلامية التي لا ترحم أحدًا. وقد انطلقت حملة تحت مسمى "صرخة وطن" من قلب المنطقة العلوية. هدف الحملة هي القول إن الأسد يحتفظ بمنصبه بينما أطفالنا يذهبون إلى أكفانهم.

معارضة معتدلة

وقال فورد: نحن بحاجة إلى قادة المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا للاستفادة من هذا الموضوع للمضي قدماً بإيجاد حل سياسي،&لا حل عسكري فقط. وبينما نقوم بزيادة المساعدات إلى الثوار المسلحين المعتدلين، يجب علينا أن نشترط عليهم التواصل مع المنشقين عن النظام وتطوير موقف سياسي مشترك معهم، والتفاوض على حكومة وحدة وطنية جديدة، مع وجود الأسد أو من دونه.

وأشار السفير السابق في دمشق الى أن نظام الأسد لن يذهب للتفاوض بسهولة، وسوف يحتاج الثوار المعتدلون إلى مزيد من المساعدة، قد يحتاجون أيضاً للمزيد من السلاح، مثل قذائف الهاون والصواريخ، لضرب المطارات والقواعد العسكرية التابعة للنظام، لكي يضعفوا آلة الحرب الأسدية.

وأكد أن تعزيز المساعدة للمعارضة المعتدلة من شأنه أيضًا أن يجبر روسيا وإيران إلى إعادة التفكير بدعمهم اللامحدود للأسد، وخاصة إذا وجد الطريق الأفضل لاحتواء "داعش".

بدائل أخرى

وأشار فورد الى أنه كما فعلت مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فإن إيران قد تفكر في بدائل منطقية أخرى للقيادة السورية الحالية. ومع ذلك، إيران، لن تقوم بأي خطوة حتى تعرف أن الأسد لا يمكنه الفوز، ولا يمكنه أن يحشد تأييدًا كافيًا لاحتواء الدولة الإسلامية.

ويختم فورد مقاله قائلاً: يقول أحد المراقبين الأميركيين البارزين، من الحماقة أن نعتقد أن مساعدتنا للمقاتلين المسلحين المعتدلين يمكنها الاطاحة بالأسد. لكن إسقاط نظام الأسد لم يكن هدفنا من قبل، ولا ينبغي أن يكون الآن. ينبغي أن نسعى لمساعدة المعارضة السورية لإلحاق أضرار كافية بنظام الأسد، بحيث أنه، على الرغم من بشار الأسد، فإن النظام سوف يوافق أخيرًا على التفاوض على حكومة جديدة تكون مهمتها الأولى هي محاربة الدولة الإسلامية وطردها أخيرًا من سوريا.