في مواجهة دعوات داخلية عراقية وخارجية أميركية لتعديل قانونها بما يحقق المصالحة الوطنية والتسامح المجتمعي فقد حذرت الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة لاجتثاث البعث اليوم من أن حلها سيمكّن البعثيين وقادتهم، وفي المقدمة منهم عزة الدوري نائب صدام، تولي مناصب عليا في الدولة، واتهمت البعث بالتآمر مع داعش على احتلال الموصل وارتكاب عمليات قتل جماعية في مدن عراقية أخيرًا.


أسامة مهدي: قالت هيئة المساءلة والعدالة ان قانونها الذي تعمل بموجبه هو من قوانين المرحلة الانتقالية، والتي نص عليها الدستور العراقي، حيث ظهرت نصوصه بشأنها في مادتين منفصلتين: الاولى هي المادة 7، والتي تنص على (يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي او يحرض او يمهد او يمجد او يروّج او يبرر له، وخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق وتنظيم ذلك بقانون).

واشارت الهيئة في بيان صحافي اليوم حصلت "إيلاف" على نسخة منها الى انه من ملاحظة هذا النص فإن البعث الصدامي لا يمكنه ان يمارس العمل السياسي بأي شكل من الاشكال سواء كان حزبا" او افرادا" كانوا ضمن الحزب، وهذا اقترن بوجوب ان ينظم بقانون، ولذلك أصدر المشرع العراقي قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم (10) لسنة (2008)، والذي وضع اليه قانونية ومجموعة اجراءات تمنع من مشاركة البعث والبعثيين في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث نصت الفقرة رابعا" من المادة الاولى من القانون على (الاجتثاث: الاجراءات التي تتخذها الهيئة وفقا" لأحكام هذا القانون بهدف تفكيك منظومة حزب البعث في المجتمع العراقي ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني فكريا" وإداريا" وسياسيا" وثقافيا" واقتصاديا"). وقالت انه بهذا المفهوم فإن العمل لحزب البعث المنحل في المجالات المذكورة محظور وغير مسموح به لأنه سوف يتيح الفرصة لرجوع البعث مرة أخرى إلى الواجهة.

واضافت الهيئة ان المادة الثانية من الدستور حول اجتثاث البعث هي المادة 135 والتي نصت في فقرتيها الثالثة والرابعة على ما يأتي.. ثالثا : يشترط في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء مجلس الاتحاد والمواقع المتناظرة في الاقاليم وأعضاء الهيئات القضائية والمناصب الاخرى المشمولة باجتثاث البعث وفقا" للقانون ان يكون غير مشمول بأحكام اجتثاث البعث).

اما الفقرة الرابعة فقد نصت على ان يستمر العمل بالشرط المذكور في البند ثالثا" من هذه المادة، ما لم تحل الهيئة، فيما يشير البند أولا من هذه المادة الى ان تواصل الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث اعمالها بالتنسيق مع السلطة القضائية والاجهزة التنفيذية في اطار القوانين المنظمة لعملها وترتبط بمجلس النواب.

حل الهيئة يتيح للدوري وقادة البعث تولي مناصب عليا
واشارت الى ان فقرات المادة 135 من الدستور اشترطت على مرشحي المناصب العليا للدولة سواء كانت اتحادية ام في الاقاليم عدم شمولهم بالاجتثاث. ثم اشترطت الفقرة رابعا" عدم الشمول باجراءات الاجتثاث للمرشحين المذكورين بوجود الهيئة وعدم حلها، فإذا حلت فإن شرط عدم الشمول بإجراءات الاجتثاث سوف يزول، وبالتالي يمكن السماح لفئات البعثيين الكبار بالترشيح والفوز بالمناصب العليا عند حل الهيئة، كأن يكون المجرم عزت الدوري له حق الترشيح.

وقالت ان الفقرة الاخيرة من رابعا في المادة 135 الدستورية قد اوجبت التفريق حتى في المساواة امام القانون والحماية القانونية بين المشمول بإجراءات اجتثاث البعث وغير المشمول، حيث ذكرت (ويتمتع العضو بالمساواة امام القانون والحماية ما لم يكن مشمولا" بأحكام اجتثاث البعث والتعليمات الصادرة بموجبه)، واوضحت ان هذا يعني ان المشمول بالاجتثاث لا يتساوى مع باقي افراد المجتمع امام القانون والحماية القانونية.

وحذرت الهيئة من انه بمجرد حل هيئة المساءلة والعدالة فإن الباب قد فتح لدخول البعثيين ورموزهم الى العمل السياسي في العراق، وهذا ما يؤدي الى مخالفة المادة (7) من الدستور وكذلك الفقرة ثالثا" من المادة 135 من الدستور، اضافة الى عدم استطاعة ضحايا البعث من ذوي الشهداء والسجناء السياسيين والمهجرين لأسباب عرقية او طائفية من الحصول على حقوقهم، ناهيك عن الجرائم التي ارتكبت في زمن النظام البائد، والتي استمرت بعد 9/4/2003، والمتمثلة في الاستهداف الممنهج لجميع فئات الشعب العراقي من قتل وتهجير وتطهير عرقي وتفجيرات عشوائية.

وقالت الهيئة ان "من اخر مؤامرات البعث ما حدث في الموصل واحتلالها من قبل داعش الارهابي والذي يمثل حزب البعث المنحل جزءا اساسيا منه وهو الحاضنة الرئيسة له ومباركة المجرم عزة الدوري (نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين) لاحتلال الموصل خير دليل على ذلك والمسلسل الدموي والاجرامي بعد ذلك في سجن بادوش وجريمة معسكر سبايكر (التي قتل فيها 1700 من طلال القوة الجوية) والتي نفذت بيد البعثيين وابنائهم وجرائم التطهير العرقي ضد ابناء الشعب الاصليين من المسيحيين والايزيديين والشبك اضافة الى المسلمين سنة وشيعة".

رد على دعوات عراقية واميركية الى التخفيف من مواد هيئة الاجتثاث
يأتي بيان الهيئة هذا ردا على دعوة الرئيس العراقي فؤاد معصوم خلال اجتماعه مع وفد منها برئاسة رئيس الهيئة وكالة باسم محمد يونس البدري أمس الاحد الى مراجعة وتعديل قانون الهيئة بما ينسجم وتحقيق التسامح وتجاوز الماضي، في اشارة الى امكانية التخفيف من اجراءاته، التي اعاقت لفترات اعادة تأهيل حوالى مليوني عراقي انتسبوا الى الحزب او ارغموا على الانتماء اليه من قبل سلطات النظام السابق.

وامس قال عضو الوفد التفاوضي لتحالف القوى العراقية السني محمد الكربولي انه تمت تسوية نقاط الخلاف بين تحالفه والتحالف الوطني الشيعي، الذي قال انه وافق على تمرير مطالب تحالف القوى العراقية ضمن البرنامج الحكومي للحكومة الجديدة المكلف بتشكيلها حيدر العبادي، ومن بينها انهاء ملف اجتثاث البعث، وان يتم الانتهاء من هذا الملف خلال عام واحد ثم يحوّل بعدها للقضاء.

كما اشار الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطاب له الخميس الماضي الى اجتثاث البعث عقب اجتماع مع مجلس الامن القومي لدراسة الاوضاع في العراق وسوريا على ضوء سيطرة الدولة الاسلامية على مناطق شاسعة من البلدين. ودعا إلى ضرورة انبثاق حكومة عراقية جامعة، منوّهًا بأن سنة البلاد يشعرون بالإهمال. واضاف أن "دراسة قوانين كاجتثاث البعث واعطاء الناس فرصاً للانخراط في وظائف حكومية ومع استراتيجية حكومية صحيحة يمكن أن نحقق تقدمًا على مستوى الأمن في العراق".

وفي التعديل الذي اجري على قانون الاجتثاث عام 2008 تم رفع الحجز عن دور البعثيين، واتيح لهم ببيع دورهم أو شراء دور ومنحهم استحقاقاتهم التقاعدية، واعادة عدد من العسكريين السابقين الى الجيش العراقي الحالي.

من الجدير بالذكر أن قانون المساءلة والعدالة هو التسمية الجديدة التي اطلقت على قانون اجتثاث البعث الذي اصدره الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، والذي تولى إدارة العراق بعد اجتياحه عام 2003، حيث شكلت في ضوء القانون حينها هيئة اجتثاث البعث التي ترأسها أحمد الجلبي زعيم حزب "المؤتمر الوطني العراقي" وتحولت تسميتها إلى "هيئة المساءلة والعدالة" بعد إقرارها في البرلمان العراقي عام 2008.
&