تغني فرقة "الراحل الكبير" اللبنانية أغنية "مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي"، هازئة منه، وساخرة من قراراته في القتل والنحر وتغطية ضروع البقر، في بيان عفوي أكد على أن ليس هذا هو الإسلام.


غاندي المهتار من بيروت: حين ترى عنوان الأغنية، قبل أن تسمعها، تتأفف: "ها قد بدأت الأناشيد تكتب وتلحّن في (مولانا) الخليفة أبو بكر البغدادي، سدد الله رمي أعدائه".
وحين تسمعها من دون أن ترى فرقة الراحل الكبير تؤديها، تصل إلى نصف المتعة، نصف متعة التهكم بما أنزله البغدادي من الجور والقتل والتكفير في ما ملكت يمينه من بلاد المسلمين. ونصف المتعة الآخر هو أن ترى ساندي شمعون ونعيم الأسمر وعماد حشيشو وعبد قبيسي وعلي الحوت وخالد، في تخت شرقي منتشر في هلال خصيب جدًا، يؤدون الأغنية بجدية تكاد تغطي على كل أشكال السخرية.

قبح المرحلة
يرنمون: "مدد مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي"، في أجمل تعبير عن قبح المرحلة. اللازمة تتعدى كونها لازمة الأغنية إلى لزوم الشيء، لزوم تبيان الهاوية، التي يسير بها البغدادي ودولته الإسلامية إليها. يرندحون: "يا حاكم بأمر الله، يا ناصر لشرع الله، يا سايق عباد الله، على هاوية ولا بعدها هاوية". جمل قصيرة تضع حدودًا لشرعية الخلافة التي أعلنها البغدادي، وترسم لها النهاية المحتومة، مهما كانت البدايات المنتصرة، وكأن حزب "الراحل الكبير" يرفع راية التشكيك في هذه الخلافة، ومن مقتضى ذلك التشهير بمدعى الخلافة نفسه، بأنه ينتحل صفتي الحاكم بأمر الله والناصر لدين الله الفاطميين.

بعد التشهير، يحلّ التكفير، المستقى أصلًا من سياسة النحر وحز الرؤوس، التي لا يرى البغدادي بديلًا منها في إقامة دولته الإسلامية، وهو القائل إن حز الرؤوس نص الانتصار... وكله باسم الشرع الإسلامي ولا غيره. فنحر الكفار، حتى لو كانوا مسلمين، هو رحمة من رب العالمين.. لذا: "عشان الإسلام رحمة، رح ندبح ونوزّع لحمة، وعشان نخفف زحمة، حنفجّر في خلق الله". وهذه الخيرة تجرّد منطق العمليات "الاستشهادية" بحسب أدب الدولة الإسلامية من وظيفتها الجهادية، إلى حد تسخيفها.

خيارات عديدة
لا إكراه في الدين، والجزية على غير المسلمين... هذا ما يقوله الاسلام. إلا أن لسان حال البغدادي يقول: "لكم إسلامكم ولي إسلامي". فإما تدخلون في دين الله أفواجًا، أو تذبحون بحد السيف، أو ترمون أرضًا، ويقوم الغلمان بالمرور على أجسادكم ليرحموكم برصاصة في الرأس، أو تقفون صفًا واحدًا على ضفة النهر، لينال كل منكم رصاصة الرحمة والمغفرة في "قفا" الرأس، فينزل عليه الموت بردًا وسلامًا.

هذه هي الخيارات التي يضعها البغدادي ودولته أمام كل من لا يواليه، سنيًا أو شيعيًا أو نصرانيًا أو مرتدًا.. فيغني أولاد "الراحل الكبير": "وعشان لا إكراه في الدين، فلنقض عالمرتدين، والشيعة والسنيين، والنصارى يا خسارة!". وبعدها فورًا يغنون قمة المأساة، أي الخيبة من الثورة في زمن صارت هذه مرادفة للفتنة: "وعشان الثورات فتنة، وشعور النسوان فتنة، أهو كلنا في الحيطة فتنا، ولا دايم غير وجه الله".

الخاتمة تصل إلى نشوة الحطّ من قدر البغدادي، بهزء ليس بعد هزء، مع استرجاع فتوى جهابذة الدولة الإسلامية بوجوب تغطية ضرع البقرة عن العين، لأنه عورة، ولأن الحشمة فرض واجب. أو، بحسب فرقة "الراحل الكبير"، الحشمة من الإيمان، والفتنة من الشيطان، "وأنا والله لو كنت بقرة، لكنت والله ألبس سوتيان".

غير آبهة
الموسيقى سهلة، قريبة إلى النفس، لا شك في أنها تساهم في رسم الصورة الساخرة للبغدادي، الذي يرى في ضرع البقرة ما يحرفه عن الصراط المستقيم، غير آبهة بقصاص، أو برايات سود ترفع، وتحتها تشحذ السكاكين.

ليس في كلام هذه الأغنية ما يسيء إلى المسلم، مهما كانت درجة التزامه، لأنها لا تتعرّض إلا لظواهر طارئة على الإسلام، منذ أيام صدره، حين كان أهل الكتاب أقرب إلى المسلم من أخ له لم يسلم بعد. وحين كان اليسر باب الفتح، والإكراه مكروه.

تصوّر هذه الأغنية، من دون أن تدري أو من دون أن تتقصّد، الانقلاب الإسلامي، الذي أعاد إلى الواجهة تطرفًا نسيه الإنسان، أو عدّه كالطاعون، قد قضى عليه لقاح التسامح، فإذا به يثور من جديد في سلالة تبدو عصية على الإرادة المتسامحة. لربما تلعب هذه الأغنية دورًا ما أنيط بها، فتثبت رفض التطرف ونبذ الفرقة بينما الحال مخالفة.

&