فتحت المدارس أبوابها في الأحياء الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة السورية في حلب، إلا أن العام الدراسي بدأ في أقبية تحت الأرض لحماية الطلاب من قصف البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام يوميًا على شرق المدينة.


حلب: ينزل التلامذة الذين تتفاوت أعمارهم عبر سلالم ضيقة ومظلمة نحو القبو، تاركين آسفين ضوء النهار خلفهم. في إحدى القاعات، تجلس فتيات وفتيان في قاعة خالية إلا من كراسٍ وحوالى 15 طاولة. على الطاولات، تبعثرت أقلام ودفاتر... بينما الأطفال ينشدون أغنية معًا بحماسة، ثم يجلسون ويستمعون بانتباه إلى شرح مدرسهم الأستاذ عبدالله، الذي يرفق كلامه بكتابات على لوح أخضر علّق على عجل على أحد الجدران.

فترة موقتة
يشرح عبدالله: "الأطفال يأخذون الدروس تحت الأرض في القبو بسبب القصف. المدرسة فوق مجهزة بشكل جيد، لكن كثافة القصف جعلتنا ننزل الأطفال إلى القبو". ثم يضيف: "الأمر صعب جدًا عليهم، يشعرون بالضغط، لذلك نحاول قدر الإمكان رفع معنوياتهم وإعطاءَهم برامج ترفيهية حتى يعتادوا على التواجد في القبو". ويتابع: "إن شاء الله نعود قريبًا إلى فوق".

فوق الأرض، الغارات تتواصل من دون هوادة. منذ كانون الأول/ديسمبر، تقوم طائرات مروحية تابعة للنظام السوري بشكل يومي بإلقاء براميل متفجرة على أحياء مختلفة من حلب يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. ونددت منظمات غير حكومية والأمم المتحدة بهذه الحملة، التي لا تستهدف مواقع عسكرية، بل أماكن عشوائية، ما يتسبب بمقتل الأبرياء.
والبراميل عبارة عن خزانات وقود أو ماء أو عبوات غاز معبأة بمتفجرات ومواد معدنية، غير مزودة بأنظمة توجيه، ما يجعل من الصعب تحديد أهدافها بدقة.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل بين المدنيين في القصف الجوي على حلب منذ مطلع العام الجاري، بينهم حوالى ثمانمائة شخص دون الثامنة عشرة، وحوالى أربعمائة امرأة. ويستغل الأطفال فترة من الهدوء ليصعدوا السلم، ويأخذوا قسطًا من الراحة في ملعب المدرسة في الهواء الطلق، لكن الأمر لا يخلو من خطورة. ويمكن في البعيد سماع أصوات تحليق الطيران، أو أصوات انفجارات ورصاص ناتجة من معارك على خطوط التماس.

هاجس الطائرات
يقول جعفر، وهو تلميذ في الابتدائي، بينما يركض رفاقه من حوله: "صعدنا لنلهو قليلًا ونفرح، بعدما كنّا تحت الأرض. نلعب ونغيّر&الجو، لأننا لا نستطيع أن نمكث فترة طويلة تحت الأرض. ضاق نفسنا. لكننا خائفون من أن تأتي الطائرة وتقصفنا". في الملعب، أولاد يلعبون بالطابة، فتيات، بعضهن يغطين رؤوسهن، وأخريات مكشوفات الشعر، يقفزن على الحبل، وصبيان يركضون.

دمّرت الحرب في حلب، التي اندلعت في صيف 2012، المدينة بشكل شبه كامل. ونزح منها آلاف السكان. مواعيد فتح المدارس منذ أكثر من سنتين غير منتظمة. في المدرستين، اللتين زارهما مراسل وكالة فرانس برس، أطفال من أعمار مختلفة يتواجدون في صف واحد. وتشرف على المدرستين مجموعة من الناشطين الجامعيين المعارضين بعدما توقفت معظم المدارس الحكومية عن العمل، إما بسبب الدمار، أو بسبب نزوح موظفيها.

تحويل منازل
وتشكل الحرب عاملًا يمنع الاستقرار على كل الصعد. وتقول إحدى المدرّسات في مدرسة ثانية: "اضطررنا إلى افتتاح منازل صالحة للسكن، وتحويلها إلى مدارس. لكن الطالب يعاني. ليست هناك فسحة للنزهة. لا مساحة للعب. التدريس معرّض للخطر، والمناطق معرّضة للقصف". تضيف "الطالب نفسيته سيئة، وهو بحاجة إلى مراعاة دائمة"، مشيرة إلى أن العديد من الطلاب يتغيبون أحيانًا عن الدروس.

وتتابع "أحيانًا يأتي طالب بعد غياب، لأن منزله يكون قد أصيب في القصف"، أو "يغيب أحدهم أسبوعًا أو أسبوعين، ويقول لم أتمكن من المجيء، كنت في المنطقة الفلانية، التي تعرّضت للضرب، أو استشهد شقيقي، إلخ...". وتقول بحسرة: "الأطفال والطلاب هم الضحية الأكبر في الثورة". وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف (51.8& في المئة) من الأطفال السوريين، الذين هم في سن الدراسة، لا يذهبون إلى المدرسة.

في محافظة حلب (شمال)، تصل النسبة إلى 68 في المئة. في محافظة الرقة (شمال) التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية"، تصل النسبة إلى 90 في المئة. وفي نهاية 2013، كانت أربعة آلاف مدرسة في سوريا متوقفة بسبب الدمار، أو الأضرار، أو تحويلها إلى ملاجئ للنازحين.
&