يقول المستشار لدى الكونغرس الأميركي لـ "إيلاف" إن الاستراتيجية في العراق تقوم على غارات مكثفة تقابلها عملية سياسية تضم سنة وشيعة وأقليات. أما في سوريا، فالوضع معقد مع تخوف أميركي من سيطرة جيش بشار الأسد أو عناصر حزب الله أو القوات الإيرانية على المواقع التي سيتم تحريرها من داعش.

خاص بإيلاف من باريس: كشف المستشار لدى الكونغرس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والارهاب وليد فارس لـ"إيلاف"، استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما لضرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في كل من العراق وسوريا. وأكد فارس ضرورة تحقيق توازن طائفي في مطاردة الإرهابيين لمنع داعش من تأجيج العواطف الطائفية.&

ولفت المستشار لدى الكونغرس الأميركي إلى وجود تفكير جريء في واشنطن مفاده أن العمليات العسكرية تنجح في ضرب البناء العسكري لأي تنظيم، إلا أنّها غير قادرة على القضاء على الوجود العقائدي المتطرف الذي عبره تعود المجموعات الإرهابية للظهور من جديد. من هنا، كان لا بد من خلق تحالف من المعتدلين، أي سنة وشيعة وأكراد وأقليات مسيحية ويزيدية، مع دعم من الدول الخليجية المعتدلة، الأمر الذي يزيد فرص نجاح الحرب على العقيدة التي يقوم عليها التنظيم المتطرف.

في العراق، أوضح فارس أنه سيتم تكثيف الغارات على معاقل التنظيم على أن تقابل ذلك عملية سياسية تقوم على إشراك كامل أطياف الشعب العراقي من سنة وشيعة، فضلاً عن الأقليات. أما في سوريا، فتبدو العمليّة العسكرية أكثر تعقيدًا، وذلك لغياب المعارضة المسلحة المعتدلة وواضحة المعالم، القادرة على استلام زمام الأمور في المناطق عندما يقوم التحالف الدولي بدحر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، وسط تأكيدات أوباما بأنه لن يكون هناك تعاون أو تنسيقٌ مع نظام بشار الأسد لضرب عناصر التنظيم في سوريا.

ويرى فارس الامتناع التركي عن المشاركة في التحالف الدولي للقضاء على داعش "ثغرة في الائتلاف"، ويعيده إلى عدم حصول أنقرة على إيضاحات وضمانات واضحة من الإدارة الأميركية في خطتها للقضاء على التنظيم المتطرف، وسط قلق تركي من أن يكون النظام السوري هو البديل لداعش بعد إخراجه من مناطق سيطرته.

وكشف المستشار لدى الكونغرس لـ إيلاف عن وجود تنسيق بين الإدارة الأميركية والإيرانيين لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فواشنطن لا تمانع التواجد الإيراني في العراق لحماية المناطق الشيعية لكنها تعارض أي مشاركة للقوات الإيرانيّة في مهاجمة داعش في المناطق السنية.

تبقى الإشارة إلى أن استراتيجية الرئيس الأميركي لضرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية تضمنت ضرب معاقل التنظيم المتطرف في سوريا والعراق وتزويد القوات العراقية والمعارضة السورية المعتدلة بالأسلحة والاستشارات في مواجهة التنظيم المتطرف.

وفي ما يأتي نص الحوار مع إيلاف:

بعد التردد الأميركي العام الماضي في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري إثر استخدامه السلاح الكيميائي، نرى اليوم الولايات المتحدة تضع كامل ثقلها لتشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، كيف يُمكن فهم هذا التناقض في موقف الإدارة الأميركية؟

عندما هدد الرئيس الأميركي باراك أوباما العام الماضي بإمكانية توجيه ضربات جوية للنظام السوري على خلفية استعماله hلأسلحة الكيميائية، قيل له من قبل الأخصائيين وهيئات الدفاع والاستخبارات في واشنطن إن أي عمل شامل ضد النظام السوري سيتحول إلى مواجهة مع أربعة أنظمة، وهي النظام الإيراني والسلطة في العراق والنظام السوري وحزب الله في لبنان وبالتالي فإن أوباما طلب موافقة الكونغرس، لكن القرار الأميركي آنذاك لم يكن جامعًا على مواجهة النظام السوري بالطرق العسكرية. ما أنقذ الموقف الأميركي حينها كانت المبادرة الروسية والدولية في ما بعد التي نجحت إلى حد ما في إبطال بعض من ترسانة النظام السوري الكيميائية.

ولكن اليوم المواجهة مع تنظيم داعش تختلف، لأن هذا التنظيم قد اجتاح ثلث العراق وسوريا وأقام دولة في الثلثين قائمة مع خبراته العسكرية والمالية وتنظيماته الإرهابية، بالإضافة إلى ممارساته لخروقات واسعة لحقوق الإنسان، ومن هنا لم يعد بإمكان الرأي العام أن يتحمل ذلك دون أن يكون هناك تحرك دولي مضاد.

في ما يتعلق بمواجهة تنظيم داعش، فإن الرئيس الأميركي لديه دعم الكونغرس بحزبيه الديمقراطي والمحافظ، ما يعني أن هناك موافقة أميركية تشريعية وشعبية لمواجهة هذا التنظيم، ولكن ما ليس بيدي الرئيس الأميركي هي السيناريوهات النهائية لمواجهة تنظيم داعش في سوريا.

ففي العراق، تعتمد الخطة كما تُناقش في لجان الدفاع والخارجية في الكونغرس على ضربات جوية مكثفة ضد معاقل داعش هناك، وتُعلل واشنطن قدراتها على إطلاق هذه الغارات بطلب رسمي من حكومة بغداد وهنا هي أوجه الاختلاف مع الوضع في سوريا.

تعاون مع الجيش في العراق

بالعودة إلى الأزمة العراقية، فإن الضربات الجوية على تنظيم داعش في العراق ستكون متزامنة مع تقدم عسكري على الأرض من قبل الجيش العراقي، ولكن هنا يجب أن يتم إصلاحه وتدريبه سياسيًا أي أن تكون هناك مشاركة سنية عراقية في الحكومة التي ستقود هذه العمليات العسكرية، وهنا تُقر الإدارة الأميركية في واشنطن من أن الجيش العراقي في أكثريته الشيعية لا يُمكن أن يقوم بعمليات عميقة ضد داعش في المناطق السنية دون ان تكون هناك مباركة عراقية سنية واضحة لذلك.

أما في الجبهة الشمالية، اليوم يُعتمد على قوات البشمركة الكردية، وعلى عودة الأقليات إلى مناطقهم في نينوى وسنجار.

المشكلة الحقيقية في سوريا، وخصوصًا أن أوباما كان واضحًا حين قال إن الولايات المتحدة لن تعمل على شراكة أو تحالف مع النظام السوري، وبالتالي سيكون الاعتماد على المعارضة المعتدلة هناك، لضرب داعش.

تنسيق مع المعارضة السورية المعتدلة

بالتالي، وفق أي معطيات سيتمَ ضرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا؟

لا تميز الإدارة الأميركية في سوريا بين طرفين فقط، ولكن بين ثلاثة أطراف، وهم النظام السوري وتنظيم داعش والمعارضة المسلحة المعتدلة، ومن هنا من المحتمل أن يأمر الرئيس الأميركي بعمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية على الأراضي السورية من دون التنسيق مع النظام السوري، بل مع المعارضة السورية المعتدلة لكي تتسلم هذه المواقع التي يتمركز فيها تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن يتم ضربها، وما لا يريده الرئيس الأميركي أن تدخل قوات النظام السوري أو مقاتلو حزب الله أو القوات الإيرانية إلى المواقع التي سيتم تحريرها من مقاتلي التنظيم المتطرف.

إذا، العمليات العسكرية في سوريا ضد معاقل تنظيم داعش ستكون أكثر تعقيدًا بالنسبة للإدارة الأميركية، لأنه يجب أن يتم إبلاغ المعارضة السورية المعتدلة عن مواعيد ضرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية أو عن الخطط، أي مشاركتهم إلى حد ما في إستراتيجية ضرب تنظيم الدولة الإسلامية .

المشكلة التي تعترض خطة الولايات المتحدة في سوريا أن هذه المعارضة السورية المعتدلة هي غير واضحة المعالم حتى الآن خاصة في مناطق الشمال ربما الجيش السوري الحر في جنوب سوريا له شيءٌ من الوضوح، ولكن في الشمال هناك اختلاط وتخالط ما بين تنظيم داعش وجبهة النصرة والميليشيات الإسلامية ومجموعات الجيش السوري الحر من ناحية دون أن ننسى الميليشيات الكردية وميليشيات الأقليات التي تقف إلى جانبها، ومن هنا الخارطة في شمال سوريا هي أصعب على الأرض مما هي في العراق.

الموقف التركي ثغرة في التحالف

ما سيكون تداعيات تغييب إيران وامتناع تركيا عن المشاركة في التحالف الدولي لضرب معاقل تنظيم داعش في سوريا والعراق؟

الموقف التركي هو الثغرة في التحالف الغربي والدولي ضد تنظيم داعش، ففي الحدود الجنوبية للعراق وسوريا هناك الأردن والسعودية، وهما منخرطتان في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية ودول أبعد هما مصر والإمارات، وهما أيضا تدعمان إلى حد ما هذا التحالف، ولكن تبقى تركيا التي لا تريد أن تكون شريكاً في حرب ضد تنظيم داعش، وهي غير متأكدة ممن سيكون البديل على الأرض، بمعنى آخر&هناك قلق تركي من أنه عندما يتم ضرب تنظيم داعش فإن البديل سيكون النظام السوري وحزب الله أو أن البديل لن يكون بالضرورة مقرباً من الحكومة التركية.

المشكلة الأساس بالنسبة لتركيا هو توضيح المشروع الأميركي لضرب تنظيم داعش، وهذا ما لم يتم تحقيقه حتى الآن، على كل الأحوال نحن نعتقد أن الأتراك على الصعيد الإستخباراتي قد يساعدون التحالف الدولي ولكن من دون استخدام القواعد الأميركية في تركيا، وهذا سيكون معقدًا لأن الطائرات التي ستضرب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا ستأتي من منطقة الخليج، ما يهدد قدرتها على الضرب المحدد لمعاقل تنظيم داعش.

توازن طائفي في مواجهة الارهاب

تحدث الرئيس الأميركي عن ضرورة انخراط المجتمعات السنية في الحرب ضد تنظيم داعش. هل هذا نابع من خشية أميركية من تحول الحرب ضد تنظيم داعش إلى حرب سنية شيعية في منطقة تعيش على وقع تنامي النعرات الطائفية؟

نعم، وهذا ما تقدمت به للكونغرس الأميركي، لأنه من المهم الا تسمح الولايات المتحدة لقوى عسكرية على الأرض، أكثريتها من طائفة واحدة وهي شيعية، أن تدخل مناطق سنية دون أن تكون معها قوات سنية أو غطاء سياسي سني.

فمع الوضع الطائفي المتفجر في الشرق الأوسط والعالم العربي، إذا لم يكن هناك توازن طائفي في مطاردة الإرهابيين سوف يعتمد تنظيم داعش على تأجيج العواطف الطائفية، فيدعي أنه يحمي المناطق السنية من خط في أكثريته شيعي، وهذا ينطبق على ثلاثة أطراف: النظام السوري وهو يُعتبر بأكثريته علوياً من قبل السنة في سوريا، والجيش العراقي هو بحالته الحاضرة يُعتبر ممثلاً لأكثرية شيعية وطبعاً القوات الإيرانية، وهنا يُمكن فهم لماذا لم تقبل الإدارة الأميركية ان يكون هناك دورٌ لا للنظام السوري ولا للقوات الإيرانية في هذه المواجهة مع تنظيم داعش.

تنسيقٌ مع الإيرانيين

الولايات المتحدة أكدت أنه لن يكون هناك تنسيقٌ مع إيران لضرب داعش، وكررت ذلك في عدة مناسبات، ولكن ما عاد وأضافه وزير الخارجية الأميركي أن إدارته ستواصل المناقشات السياسية التي بدأتها مع طهران في هذا الإطار، بالتالي هل نشهد تنسيقًا بين الإدارة الأميركية وطهران لمواجهة تنظيم داعش - على أن يكون هذا التنسيق غير علني - ببساطة لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تثير امتعاض الدول الخليجية خاصة السعودية من تحالف أميركي إيراني في هذا الصدد؟

يجب توضيح المعادلة، فاتفاق شراكة للهجوم على تنظيم داعش هو شيٌ، أما التنسيق مع الإيرانيين أن لا يتحركوا أو أن يتحركوا في مناطق معينة دون أخرى هو شيءٌ آخر، بما معناه أن الولايات المتحدة ترفض دخول قوات إيرانية إلى مناطق السنة في العراق. هذا هو الخط الأحمر، وهذا قد يساعد عسكرياً وطائفياً، ولكن إذا كان هناك وجود إيراني في العراق وهو على أي حال أمر واقع في المناطق الشيعية من العراق، حيث ينتشر الحرس الثوري الإيراني والاستخبارات الإيرانية، وهذا الأمر لم تعترض عليه الولايات المتحدة، بمعنى أوضح فإن واشنطن لن تعارض وجوداً إيرانيًا إذا كان لحماية المناطق الشيعية من تنظيم داعش ولكن أن تشارك القوات الإيرانية في هجوم على تنظيم داعش في المناطق السنية فهذا ما تعارضه الولايات المتحدة.

القضاء على العقيدة

يبقى التساؤل: هل حرب جديدة بقيادة أميركية في العراق قادرة على القضاء على التنظيم المتطرف؟

لقد رأينا في السنوات الخمس عشرة الماضية أن الحملة الأميركية والأطلسية في أفغانستان نجحت في فكفكة نظام طالبان ومحاربته ومطاردة القاعدة. هذه نجاحات عسكرية حققتها الولايات المتحدة مع قوات حلف شمالي الأطلسي، ولكن الإدارة الأميركية لم تنجح في القضاء على الشبكة العقائدية الجهادية التي سوف تعود إلى أفغانستان بعد الانسحاب، وهذا ما يُطبق أيضًا اليوم على العراق، حيث نجحت قوات التحالف في إسقاط نظام صدام حسين وفي مواجهة القاعدة لا سيما بين عامي ألفين وستة وألفين وسبعة في ما يُسمى الوثبة العسكرية، ونجحت في القضاء على الوجود الفاعل للقاعدة لمدة معينة. ما لم تتمكن الولايات المتحدة من إنجازه هو القضاء على الشبكة لذلك هناك تفكيرٌ جريءٌ في واشنطن مفاده أن العمليات العسكرية يمكنها أن تضرب بناءً عسكرياً، ولكن الحملات العسكرية غير قادرة على القضاء على الوجود العقائدي الذي عبره تعود المجموعات الإرهابية للظهور من جديد.

تحالف معتدل في العراق

من هنا كان السؤال ما إذا كان ستتمكن قوات التحالف، وهذا إذا ما نجحت الولايات المتحدة في تشكيله، من ضرب مواقع وجود تنظيم داعش كنظام وكسلطة قائمة وبالطبع هي قادرة إذا ما أرادت، ولكن السؤال الأهم هو: هل هي قادرة على اقتلاع جذور التطرف؟ أقول هنا إن اقتلاع جذور التطرف ليس من اختصاص الولايات المتحدة بل العراقيين أولاً، ويمكن تجنب ذلك بتفادي ارتكاب أخطاء سياسية، كما جرى العام الماضي عندما سيطرت على بغداد فئاتٌ سياسية قريبة من إيران قامت بإقصاء فئات سنية عربية، هذا خطأ يجب تجاوزُه.

أضيف أنه إذا ما تم خلق تحالف من المعتدلين، أي سنة وشيعة وأكراد وأقليات مسيحية ويزيدية، إذا ما تم ذلك يُمكن فقط عندها القول إن الحرب الفكرية على عقيدة تنظيم داعش قد تنجح لذلك من الضروري أن يكون هناك دعمٌ من دول عربية معتدلة لاحتضان وللمساعدة على تحقيق ذلك في العراق.

أما في سوريا، فهناك إختلافٌ لأن ضرب تنظيم داعش لا يعني إنتهاء الحرب الأهلية، ولكن إزالة مكون واحد من هذه الحرب الأهلية وعلى المجتمع الدولي أن يعمل على إنهاء هذه المواجهة بالطرق السياسية إذا كان ذلك لا يزال ممكنًا.