التحقيق مستمر في قضية وفاة الأطفال في إدلب بعد تلقيحهم ضد الحصبة، وتشير النتائج الأولية عن استخدام مرخٍ عضلي مميت بدلًا من مذيب اللقاح، وثمة حديث عن شبهة جنائية، مع احتمال أن يكون الاهمال هو المسؤول.

بهية مارديني: على الرغم من اعلان الحكومة السورية الموقتة وجود شبهة جنائية في وفيات أطفال حصلت جراء لقاحات ضد الحصبة بريف ادلب، ومن إصرارها على "مؤشرات لعمل جنائي"، وعلى أن البحث والتحقيق ما زال جاريًا للكشف عن المزيد من التفاصيل. لكن يبقى الاهمال هو الاحتمال الأكبر لسبب الوفيات، بحسب نتائج تحقيق أولية.

كانت سليمة

يؤكد المسؤولون في الحكومة الموقتة أن الحادثة حصلت فقط في مركز واحد، هو مركز جرجناز في ريف المعرة، حيث توفي ثمانية أطفال، وأصيب خمسون طفلا بحالة اختناق، وهم تحت المعالجة.

وفي حين تؤكد تقارير أخرى أن نحو 20 طفلًا توفوا في عدة مراكز تابعة للمنطقة نفسها في معرة النعمان، إلا أن الحكومة الموقتة أكدت أن اللقاحات مستلمة رسميًا من منظمة الصحة العالمية، وهي ضمن الصلاحية الرسمية، وقد تم اجراء اختبارات عليها عند استلامها، وكانت سليمة.

وكشفت نتائج تحقيق أولية، تلقت "ايلاف" نسخة منها، أن حملة تلقيح الأطفال ضد الحصبة بدأت في سوريا في 25 آب (اغسطس) 2014، وشملت المخيمات في سبع محافظات تحت اشراف فريق عمل مكافحة الحصبة في سوريا، الذي تتبع له فرق منتشرة في كل محافظة، حيث تم تلقيح حوالى 42500 طفل، ولم ترد معلومات عن حدوث أي اختلاطات خطرة.

إيقاف فوري

وأشار التقرير إلى أن حملة تلقيح الحصبة بدأت في جولتها الثانية في محافظة إدلب يوم الإثنين 15 أيلول (سبتمبر) 2014، وقد انتهى اليوم الأول من دون أي مشاكل تذكر، وتم تلقيح نحو 20000 طفل على مستوى المحافظة.

وفي اليوم التالي، 16 أيلول (سبتمبر) 2014، وفي تمام الساعة التاسعة والنصف صباحًا، وردت أنباء تفيد بحدوث وفيات بين الأطفال الملقحين في منطقة شرق معرة النعمان، وتم التواصل مباشرةً مع الطبيب مشرف المنطقة، وتم تأكيد الخبر. تم الإيعاز فورًا إلى كافة مراكز اللقاح في المحافظة، وعددها 30 مركزًا، بإيقاف كافة فرق التلقيح، وعددها 160 فريقا، وبشكل فوري.

أضاف تقرير لجنة التحقيق: "تم وضع كل من وزارة الصحة الموقتة وفريق عمل مكافحة الحصبة في سوريا في صورة ما ورد، وتم تشكيل فرق تحقيق أولية أرسلت إلى مراكز التلقيح التي وردت منها المعلومات، وإلى المشافي التي استقبلت الحالات، كما تم أخذ عينات دم وبول من أحد الأطفال المصابين وإرسالها إلى المخابر التركية الرسمية، وارسال طفلين من الأطفال الذين ظهرت عليهم الأعراض إلى المشافي التركية لمتابعة العلاج والإستقصاءات".

تحقيق تفصيلي

وأشارت التحقيقات الأولية إلى الاشتباه بفعل جنائي في مركز جرجناز، وعليه بادرت الحملة المشرفة على مكافحة الحصبة في إدلب بتقديم دعوى قضائية للجهات الأمنية المعنية. وتم تشكيل لجنة طبية لإجراء تحقيق تفصيلي حول ما حدث، فقامت بزيارة المنطقة والتقت وأخذت شهادات موثقة، وهذه اللجنة هي التي رفعت هذا التقرير.

وكشف التقرير تمحور الأعراض حول حصول شلل رخو مفاجئ عند الأطفال، ظهر بعد 3 إلى 5 دقائق من إعطاء اللقاح، ووصفت الحالات عند الرضع والأطفال صغيري البنية بالشديدة وعند الكبار بالخفيفة وتحسنت أغلب الحالات تلقائيًا.

وأضاف التقرير: "تراوح عدد الاصابات بين 50 و75 إصابة، أدت إلى حدوث وفيات بين الأطفال قُدرت بـ 15 حالة، منها 14 حالة وفاة موثقة بالاسم والتفاصيل الكاملة حتى الآن، وانحصرت الإصابات والوفيات في فرق جرجناز وسنجار وشيخ بركة وأم مويلات، والتي تتبع كلها لمركز جرجناز وتتلقى اللقاح منه".

وتراوح عمر المتوفين بين 6 أشهر و18 شهرًا، في حين تعافى الأطفال الأكبر سنًا تلقائيًا خلال مدة قصيرة، تراوحت من ساعة إلى ساعة ونصف، وبشكل تدريجي. وتم جمع ما أمكن من عبوات اللقاح المتبقية والفوارغ التي كانت بحوزة فرق التلقيح في المنطقة، كما تم التأكد من صحة حفظ اللقاح وسلامته، ولم ترد أية تقارير من أي مركز آخر في المحافظة عن اصابات جديدة.

إختلاط في العبوات

خلص التقرير إلى وجود عبوات من "أتراكوريوم" في أحد الترامس التي استعملت في التلقيح في ناحية سنجار وأدت إلى وفيات، تم تسليمها من قبل اللجنة الأمنية هناك يوم الأربعاء 17 أيلول (سبتمبر) 2014، علمًا أن أتراكوريوم دواء مرخي عضلي يُستعمل في التخدير الجراحي، يسبب فقدان الإنسان قدرته على التحكم بعضلاته الإرادية، قاطعًا أي اتصال عصبي عضلي، ومؤديًا إلى شلل تام بكافة عضلات الجسم، وخصوصًا العضلات التنفسية .

وجرعة أتراكوريوم اللازمة للبدء بعملية الإرخاء أثناء التخدير الجراحي هي 0,5 ملغ\كغ، الجرعة التي أعطيت لكل طفل أصيب هي 5 ملغ، وهي جرعة كافية للأطفال ذوي الأوزان من عشرة كغ فما دون للدخول في حالة شلل تام، وهي التي كانت سبب الوفيات عند أصحاب الأوزان الصغيرة، في حين كانت الجرعة عند الأطفال الأكبر وزنًا أقل تأثيرا. واستعملت مادة أتراكوريوم كمذيب للقاح عوضًا عن المذيب المخصص، ويوجد شبه كبير بين شكل عبوة المذيب المخصص للقاح وعبوة أتراكوريوم.

التحقيق جارٍ

وقالت لجنة التحقيق: "بالرجوع إلى أماكن تخزين اللقاح في المشفى، تبين أنه كان محفوظًا في البراد المخصص، وتم التأكد من أن أتراكوريوم الذي وجد في الترمس المصادر من فريق التلقيح مطابق لأتراكوريوم الموجود في البراد، الذي توضع فيه اللقاحات وذلك من خلال تاريخ الصلاحية ورقم الطبخة".

تم إحالة الملف كاملًا على المحكمة المختصة لتبيان سبب وجود عبوات أتراكوريوم ضمن البراد المخصص للقاح، وكيف وصلت العبوات غير الصحيحة إلى ترمس فرق التلقيح، ومحاسبة المسؤول المباشر عن ذلك، والتأكد إذا كان الموضوع خطأ غير مقصود من قبل كادر المشفى، أو عملا جنائيا مدبرا.

وأكدت مديرية صحة إدلب الحرة ولجنة التحقيق والمتابعة أنها ماضية في متابعة كافة التحقيقات مع الجهات الأمنية، "وكل من يثبت تقصيره أو تورطه في هذه الحادثة الأليمة سيخضع للمحاكمة والمحاسبة أصولًا".