باريس: اكدت فرنسا الاثنين ان الدعوة التي وجهها تنظيم الدولة الاسلامية الى المسلمين لقتل رعايا دول مشاركة في التحالف الدولي ضده، لا تخيفها فيما تحاول الدول الغربية منع تجدد هجمات ارهابية على اراضيها. وفي الوقت نفسه حثت فرنسا رعاياها على توخي اقصى درجات الحذر في حوالى 30 دولة.

وقد دعا تنظيم "الدولة الاسلامية" انصاره المتطرفين الى قتل المدنيين، وخصوصا الاميركيين والفرنسيين، والبلدان المشاركة في التحالف الدولي الذي شكل لمحاربته. وهذا التهديد الصادر من التنظيم الذي سيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا ادى الى تشديد قوانين مكافحة الارهاب في دول عدة وتعزيز اجراءات امنية وتنفيذ مداهمات ضد مجموعات جهادية من اوروبا وصولا الى استراليا.

واكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الاثنين ان "لا شيء سيردع الحكومة عن تصميمها" على التصدي لتنظيم الدولة الاسلامية. وقال فالس ان "وزير الداخلية استخدم تعابير تظهر مدى التهديد وفي الوقت نفسه اظهر عزمنا مكافحة الارهاب". واضاف ان "الامكانات التي تستخدم اليوم تهدف الى الرد على هذا التهديد. ولا شيء، اقول لا شيء، سيدفعنا الى التراجع عن تصميمنا" وخصوصا "التهديدات للاوروبيين والفرنسيين في مواجهة منظمة اجرامية، ارهابية تستخدم الرعب".

من جهته اكد وزير الداخلية الفرنسي برنار كازونوف في وقت سابق ان "فرنسا ليست خائفة"، مضيفا انها "ليست المرة الاولى تتعرض فيها لتهديد ارهابيين (...) فرنسا ليست خائفة لانها تعرف كيف تعوّل على تضامن جميع مواطني فرنسا مهما كانت اصولهم او ديانتهم" وعلى "يقظة قوات الامن التي تشكل الرد الافضل".

لكن محللين رأوا ان هذه التهديدات ليست جديدة. وقالت ارين ماري سالتمان الباحثة البارزة في معهد كيليام في لندن "هذه ليست المرة الاولى التي تدعو فيها منظمة ارهابية الى ارهاب من الداخل". وقالت ان تنظيم القاعدة ومجموعات مرتبطة به سبق ان دعوا الافراد الى شن هجمات ارهابية، لكن التكتيك مختلف بالنسبة الى تنظيم الدولة الاسلامية الذي حاول حتى الان حمل مقاتلين اجانب على الانضمام الى صفوفه في سوريا والعراق.

هذه التهديدات وضعت اوروبا والولايات المتحدة واستراليا في حالة تاهب بسبب المخاوف من عودة الاف المقاتلين الذين شاركوا في المعارك الى جانب الدولة الاسلامية في العراق وسوريا الى بلدانهم وشن هجمات فيها. وفي هذا الاطار، طالبت وزارة الخارجية الفرنسية الاثنين الفرنسيين المقيمين في نحو 30 دولة او مضطرين الى التوجه اليها بتوخي "اقصى درجات الحذر" بعد تهديد تنظيم الدولة الاسلامية باستهداف الرعايا الغربيين، ولا سيما الفرنسيين منهم.

وارسلت الوزارة هذه التعليمات الى سفاراتها في "قرابة 30 دولة" لابلاغها للفرنسيين المقيمين في هذه الدول او المترددين عليها، وخاصة في المغرب العربي والشرق الاوسط وافريقيا. وسيبحث مجلس الامن الدولي الاربعاء مشروع قرار يرغم الدول على محاكمة هؤلاء الذين يغادرون للقتال مع مجموعات جهادية او تمويلها. وسيشرف الرئيس الاميركي باراك اوباما على الجهود الهادفة لتعزيز التعاون الدولي في اطار الحملة ضد تنظيم الدولة الاسلامية التي ادت الى شن ضربات جوية اميركية وفرنسا ضده في العراق.
كما تنشر استراليا مقاتلات للمشاركة في الحملة.

وكان ابو محمد العدناني المتحدث باسم تنظيم "الدولة الاسلامية" قال في تسجيل صوتي تم بثه باكثر من لغة، مخاطبا المتطرفين "اذا قدرت على قتل كافر اميركي او اوروبي واخص منهم الفرنسيين الانجاس او استرالي او كندي او غيره من الكفار المحاربين رعايا الدول التي تحالفت على الدولة الاسلامية، فتوكل على الله واقتله باي وسيلة او طريقة كانت".

والولايات المتحدة وفرنسا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تنفذان ضربات جوية في العراق ضد معاقل تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي اعلن في تموز/يوليو الخلافة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في البلدين. وبحسب الحكومة الفرنسية هناك حوالى 930 فرنسيًا على علاقة بشبكات التجنيد لسوريا والعراق (350 في الميدان بينهم 63 امرأة، 185 غادروا سوريا، 170 يتجهون الى المنطقة، و232 ينوون ذلك)، وهو رقم "ارتفع بنسبة 74% في ثمانية اشهر".

وفي الاسبوع الماضي صادق البرلمان الفرنسي على قانون يشدد اجراءات مكافحة الارهاب. واكدت فرنسا التي تضم اكبر عدد من المسلمين في اوروبا، ان قواتها الامنية مستعدة بالكامل للتعامل مع اي تهديد داخل البلاد. كما ان بريطانيا واستراليا تحضران ايضا لتشديد القوانين في هذا الصدد.

باريس لا تزال تستبعد توجيه ضربات
من جهته اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الاثنين ان فرنسا لا تزال تستبعد فكرة توجيه ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، وتبقى على استراتيجيتها الخاصة بدعم المعارضة السورية المعتدلة. وقال فابيوس في مركز دراسات "مجلس العلاقات الخارجية" في نيويورك "في العراق نشارك في عملية الدعم الجوي (لمكافحة الجهاديين)، في سوريا نساعد المعارضة. هذا هو موقفنا، ولا يتغير".

وازداد تفاقم الوضع في سوريا، حيث شن مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية في الايام الاخيرة هجومًا في شمال شرق البلاد، ما دفع الى نزوح اكثر من 130 الف سوري، غالبيتهم من الاكراد، للجوء في تركيا. وفرنسا، التي تشارك في التحالف ضد تنظيم الدولة الاسلامية، هي الدولة الاوروبية الوحيدة التي شاركت حتى الان في حملة الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في شمال العراق، لكنها استبعدت القيام بالامر نفسه في سوريا.

وذكر فابيوس بان "الرئيس الفرنسي اعلن حتى الان اننا لا ننوي القيام بالامر ذاته (في سوريا) لكننا سنساعد المعارضة المعتدلة". وقال "يمكن ان نتحرك في سوريا، لكن من جهة لا يمكن ان تقوم فرنسا بكل شيء، ومن جهة اخرى، نعتبر ان دعم المعارضة المعتدلة ضرورة" لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية ونظام الرئيس بشار الاسد في الوقت عينه.

وتنكر باريس اي شرعية الرئيس السوري الذي تعتبره مسؤولًا عن الحرب الدامية، التي اوقعت 200 الف قتيل في اكثر من ثلاثة اعوام في البلد، وتخشى ان يؤدي توجيه ضربات ضد الجهاديين في سوريا الى تعزيز نظامه.


&