قال مستشار العاهل البحريني للشؤون الدبلوماسية الدكتور محمد عبدالغفار الإثنين إن الاستراتيجية الاميركية في منطقة الخليج تغيّرت في السنوات الاخيرة من خلال التقليل التدريجي للوجود العسكري لأسباب استراتيجية واقتصادية.


المنامة: قال مستشار العاهل البحريني للشؤون الدبلوماسية الدكتور محمد عبدالغفار الإثنين إن الاستراتيجية الاميركية في منطقة الخليج تغيّرت في السنوات الاخيرة من خلال التقليل التدريجي للوجود العسكري لاسباب استراتيجية واقتصادية.

واضاف عبدالغفار في ندوة نظمها مركز (البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة)، تحت عنوان (الدول الصغيرة... الديناميكية الامنية في منطقة الشرق الاوسط) أن تغيير الاستراتيجية الاميركية لم يقتصر على منطقة الخليج وانما امتد على عدد من المناطق في العالم التي تشهد بعض التوترات.

وذكر أن منظرين سياسيين في الغرب وفي الولايات المتحدة بدأوا يتحدثون عن ضرورة تغيير السياسات الدفاعية الاميركية التي تم اتباعها منذ عقود طويلة، مشيرًا الى التوجه الجديد الذي يتمثل بالتقليل من الوجود العسكري في مناطق التوترات الا للضرورة التي تقتضيها المصالح الوطنية الحيوية.

وقال إن هذا التغيير له أثر كبير على الدول الصغيرة ومنها دول مجلس التعاون، الامر الذي يدعوها الى التفكير الجاد في بناء نماذج للامن الداخلي والخارجي من خلال امكانية انشاء مفهوم استراتيجي لها في ظل ما تواجهه من مستجدات امنية.

واضاف أن ما تواجهه الدول الصغيرة مثل دول مجلس التعاون من اشكاليات في هذا الوضع يتمثل بعدم وجود عمق استراتيجي كبير يعزز من قوة الدولة خاصة في حالة الصراعات الخارجية.

واوضح أن وقوع دول صغيرة تمتلك ثروات هائلة ضمن اقليم "تتفاوت فيه قدرات دوله العسكرية ووجود انظمة سياسية مختلفة يخلق لدى هذه الدول ليس فقط هاجس الامن وانما التهديد الوجودي ذاته".

وقال إن الدول الصغيرة لديها خيارات في الدفاع عن نفسها من خلال الامن الذاتي والتحالفات الاقليمية والحياد العسكري والتحالفات الدولية، مضيفًا أن هذه الدول يمكن أن تنتهج بعضًا من هذه الخيارات أو جميعها ولكن لكل منها كلفة استراتيجية.

وتحدث في الندوة كل من الدكتور ميشيل بلفر مؤسس ورئيس قسم العلاقات الدولية والدراسات الاوروبية بجامعة ميتروبوليتان براغ، والدكتور جين مارك ريكلي الأستاذ بقسم الدراسات الدفاعية في كلية كينغز بلندن.

من جانبه، قال الدكتور جين مارك ريكلي إن الخيارات المتاحة امام الدول الصغيرة تكمن في اختيار الحياد أو الدخول في تحالفات اقليمية ودولية ولكل خيار ايجابياته وسلبياته، مشيراً الى ان الهدف الرئيسي للدول الصغيرة بشكل عام هو تعزيز قدرتها على المناورة من اجل البقاء.

وتحدث عن خياري التحالف ومسايرة القوى الإقليمية والدولية أو سياسة "التحوط" حسب وصفه وهي محاولة انشاء علاقات جيدة مع كل الدول في المنطقة، مستعرضًا ايجابيات وسلبيات كل من تلك الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الدول الصغيرة.

واكد د. ريكلي أن القوة الناعمة لدى الدول الصغيرة ليست كافية بدون "القوة الخشنة"، إذا لم يصاحب تلك القوة الناعمة ما وصفه بالقوة "الذكية".

وقال إن سياسة الدخول في تحالفات مع الدول الكبرى تجلب معها التزامات كثيرة للدول المنضوية تحت الحلف واستشهد بالتحالف الاميركي الاوروبي ودخول دول اوروبية في صراعات وحروب ربما لم تكن ترغب فيها مثل حرب الولايات المتحدة في العراق.

وفي محاضرته التي غطتها وكالة أنباء البحرين الرسمية، قال الدكتور ميشيل بيلفر إن البحرين مثال لدولة صغيرة تقع في منطقة خطرة في العالم يمكن أن تمثل ما تواجهه اي دولة صغيرة الحجم في العالم، استطاعت أن تتجاوز تهديدات حقيقة وبالغة الخطورة عن طريق القيادة السليمة والتقدير الصائب لمجريات الأحداث وتوجهاتها.

وأشار الى أن الدول الصغيرة "لا تملك رفاهية البطء في فهم ما يجري من حولها"، وعليها دائماً استيعاب المتغيرات الإقليمية والدولية وتحديد اتجاهاتها في العلاقات الدولية والتصرف بحكمة بناء على تقدير آثار تلك المتغيرات، لافتاً إلى أن البحرين تمكنت من قراءة الوقائع والمتغيرات والتعامل معها بسرعة وحكمة فائقتين، وهو الذي نتج عنه استمرار البحرين وبقاؤها ونموها في منطقة تشهد اضطرابات عالية. واثنى على قرار البحرين بالمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الفكر الإرهابي ومنع انتشاره.

وقال إن الدول الصغيرة في دول مجلس التعاون عليها التخطيط لخياراتها في مواجهة اية تغييرات مستقبلية، فهناك عدة أحداث وتطورات قد تغيّر واقع المنطقة ومنها الأحداث في اليمن وكذلك أحداث العراق ومحاولات تقسيمها معتبرًا تقسيم العراق من اكبر الأخطار التي تهدد المنطقة حاليًا، علاوة على تغيير سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تبدي مرونة اكثر مع قوى لها مطامع في المنطقة، ورغبتها في التعاون مع تلك القوى التي كانت تعتبرها عدوًا في السابق، والتي ستستمر في التدخل في دول الخليج.

وذكر أن العالم قد اخطأ سابقًا في تجاهل ما يجري في الدول الصغيرة مقابل التركيز على نمو الصين مثلاً، وموقع الولايات المتحدة في عالم اليوم، مؤكدًا أن كلفة تجاهل الدول الصغيرة غالية بسبب تأثيرات الاحداث فيها على المشهد العالمي ككل.

واكد بيلفر أن خيار الحياد ليس خيارًا متاحًا امام الدول الصغيرة في الخليج، بل خيار التحالف هو المنطقي، لافتًا الى أن هذه الدول عليها اتخاذ اجراءات وقائية لعدم تضررها بالاضطرابات الاقليمية والدولية، واضاف أن النظام الدولي والبيئة الامنية الدولية لن تنتظر الخليج لتقوم بتنظيم انشطتها وفقًا للمصالح، كما أن منظمات السلام العالمية لم تعد قادرة على أداء دورها الذي انشئت من اجله.

واضاف قائلاً "اننا نشهد اليوم تغييرات على مستوى اللاعبين الدوليين وعلى المستوى الاستراتيجي العالمي"، مشيرًا الى توجه الولايات المتحدة نحو آسيا، وهو ما يثير قلق بعض الدول الصغيرة في المنطقة في ظل وجود قوى اقليمية تسعى للهيمنة على المنطقة بكل الطرق.

وقال بيلفر إنه بالتزامن مع ظهور ما يسمى بداعش، نشهد اليوم ايضًا بروز اجيال جديدة من ميليشيات تشبه حزب الله في العراق وفي سوريا ومناطق اخرى في اشارة للمخاطر المتعددة التي تواجه الخليج من الجماعات الإرهابية والميليشيات المتطرفة.

واكد على ضرورة أن توحد دول الخليج موقفها تجاه القضايا المصيرية المشتركة لافتاً الى أهمية رسم سياسة موحدة تنتهجها دول الخليج لحماية نفسها والتصدي لمحاولات الإضرار بها.