&
مع تأكيدات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الإنتخابات البرلمانية، ستجري قبل نهاية العام الجاري، اشتعلت الصراعات بين القوى والرموز والأحزاب السياسية المدنية على المقاعد، لاسيما في ظل خلو الساحة من المنافس التقليدي لهم، وهو التيار الإسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفت "تنظيماً إرهابياً" بموجب قرار من الحكومة، وحظر القضاء أنشطتها على مختلف الأصعدة.

&
رغم أن الأحزاب المعارضة في مصر، من المفترض فيها أن تكون نداً للرئيس، وتسعى إلى معارضته في داخل وخارج البرلمان، إلا أنها قررت التخلي عن هذا الدور المتعارف عليه في جميع النظم الديمقراطية، بل وقررت أن تكون ظهيراً برلمانياً للسيسي، لاسيما أنها تفتقد إلى الشعبية والتواجد على الأرض.
&
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت بعض الرموز والأحزاب السياسية إلى التقرب للسيسي على حساب أحزاب ورموز معارضة أخرى، لاسيما حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، الذي يظهر معارضة حقيقية للنظام الحالي.
&
وتحاول أحزاب المعارضة التقليدية في مصر التقرب للسيسي منذ تدخله يوم 3 يوليو/ تموز 2013، وعزل الرئيس السابق محمد مرسي، إلا أن أحداً لم يتوقع أن يتورط الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، في هذا الأمر، من خلال الهجوم على المرشح السابق حمدين صباحي. عندما أعلن رفضه التحالف مع صباحي في الإنتخابات البرلمانية المقبلة. وبرر لذلك بالقول إن "انضمام صباحي، إلى تحالف الوفد المصري، سيؤثر بالسلب على التحالف، ويخسر في الانتخابات البرلمانية المقبلة"، مشيرًا إلى أن "دخول حمدين للانتخابات الرئاسية السابقة نتجت عنه حساسية بين مؤيديه وبين مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي وذلك سيؤثر على التحالف". وفجأة تحول من يمكن وصفهم بـ"أصدقاء الأمس" الذين توحدوا ضد حكم الإخوان إلى "أعداء اليوم"، وفرقهم الصراع على البرلمان.
&
عاصفة البدوي
أثارت تصريحات البدوي، عاصفة من الجدل الممزوج بالغضب في أوساط المؤيدين لصباحي، لاسيما المنتمين إلى التيار الشعبي وحزب الكرامة، وشنوا حملة انتقادات واسعة ضد رجل الأعمال المتخصص في صناعة الأدوية والميديا ومالك شبكة قنوات الحياة، متهمين إياه بالتقرب من السلطة الحالية على حساب صباحي، ووصل الأمر إلى حد وصف حزب الوفد نفسه بأنه "عكاز أي نظام حاكم".
ووفقاً لعبد العزيز الحسيني القيادي في حزب الكرامة، فإن هناك حالة من الدهشة، بسبب هجوم البدوي على حمدين صباحي، مشيرًا إلى أن تصريحات البدوي تسببت في أزمة سياسية مع حزب الوفد. وأضاف لـ"إيلاف" أن التحالف الديمقراطي قرر تجميد أية حوارات أو لقاءات مع حزب الوفد، حتى تنجلي مواقف الحزب، ويطلب قيادات الحوار مع حزب الكرامة، والتيار الشعبي بقيادة صباحي، على حد تعبيره.
وتساءل الحسيني: هل كان السيد البدوي يريد أن يخوض الرئيس عبد الفتاح السيسي الإنتخابات منفرداً، وتتحول إلى استفتاء عليه؟ هل كان يريد أن يخوض صباحي الإنتخابات بشكل ديكوري، دون أن تكون هناك أية منافسة حقيقية؟ هل كان يريد عملية ديمقراطية نزيهة أم لا؟ هل كان يريد أن تترشح شخصية هزلية أمام السيسي؟ وأضاف أن تصريحات حملتي السيسي وصباحي الإنتخابيتين أثناء الإنتخابات كان بها قدر من السخونة، حتى تكون هناك منافسة حقيقية، ولم يكن من المعقول أن تمدح حملة صباحي في المرشح الآخر، وإلا ما فائدة المنافسة؟
وأضاف قائلاً: هناك علامة استفهام وعلامة تعجب واضحتان على موقف السيد البدوي.
&
ولفت إلى أن هناك تواصلاً مع باقي مكونات تحالف الوفد المصري، ولاسيما حزب المصري الديمقراطي الإجتماعي، مشيرًا إلى أن الحزب الأخير يعتبر نفسه أقرب سياسياً للتيار الشعبي وحزب الكرامة. ونبه إلى أن ثمة حواراً مع كتل إجتماعية وتجمعات نقابية مهنية أو عمالية، وشخصيات عامة وطنية لا تنطوي تحت أية تحالفات.
&
هل التحالفات هشة؟
ورفض الحسيني القول بأن التحالفات التي تتشكل حالياً هشة، وبمثابة رؤوس بلا أجساد، ولاسيما أنها لا تمتلك قواعد حقيقية بالشارع، وقال إن المواطن المصري يريد أن يرى كتلة سياسية قوية حتى يقبل على الإنتخابات، مشيرًا إلى أنه في الإنتخابات التي تلت ثورة 25 يناير، سأل هو شخصياً المواطنين عن أسباب تصويتهم لجماعة الإخوان، وكان الرد بأنها كتلة سياسية منظمة وقوية.
وذكر أن الهدف من التحالفات الإنتخابية، يتمثل في ألا يتحول البرلمان إلى مجموعة شظايا مختلفة، وألا تكون هناك رؤية واضحة، مشيرًا إلى أن وجود كتلة قوية في البرلمان يساهم في تحويل أهداف الثورة إلى قوانين، لاسيما قوانين العدالة الإنتقالية والعدالة الإجتماعية وقوانين الحريات العامة.
&
القواعد في المحافظات ترى أن هذه الخلافات بين البدوي وصباحي ليست إلا محاولة من الأول للتقرب إلى السلطة الحالية برئاسة عبد الفتاح السيسي، وذلك على حساب صباحي. ووصف محمد حمدي، القيادي بالتيار الشعبي في محافظة بني سويف، حزب الوفد بأنه "عكاز أي نظام حاكم". وأضاف لـ"إيلاف" أن الحزب لعب الدور نفسه في عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك، ثم في عهد الإخوان برئاسة محمد مرسي. وأضاف أن جميع قيادات وقواعد التيار الشعبي ترفض التحالف مع حزب الوفد، لهذا السبب.
&
ولفت حمدي إلى أنه غير مندهش من هجوم البدوي ضد صباحي، مشيرًا إلى أن البدوي هاجم فؤاد بدراوي حفيد مؤسس حزب الوفد. وأعتبر أن هجوم البدوي ضد صباحي يأتي أنطلاقاً من مساعيه نحو التقرب من السلطة، بهدف حماية استثماراته وأمواله سواء في الصناعة أو القنوات الفضائية، أو تلك الموجودة في البنوك، لاسيما أن صباحي لم يكن مع رجال الأعمال أثناء حملته الإنتخابية. ولفت إلى بعض قيادات وقواعد حزب الوفد على خلاف مع صباحي، لاسيما أن غالبيتهم من المنتمين إلى الحزب الوطني المنحل، على حد تعبيره.
وحسب وجهة نظر حمدي، فإن التحالفات الإنتخابية التي تجري عمليات تدشينها حالياً لا تمثل إلا مجموعة ضيقة من السياسيين وأصحاب المصالح، ونوه بأن هذه الأحزاب والتحالفات ليست لها أية قواعد في المحافظات على الإطلاق بما فيها التيار الشعبي نفسه، على حد قوله.
&
وأشار إلى أن الإنتخابات المقبلة سوف يحصدها قيادات وأعضاء الحزب الوطني أو أصحاب الأموال والثراء، ومن يقدم إلى المواطنين الخدمات المباشرة، وليست من يطل عليهم من شاشات الفضائيات للتنظير والشو الإعلامي.
&
شراء في النضال
وفي المقابل، يرى حسام الخولي، السكرتير العام المساعد لحزب الوفد، أن رئيس الحزب السيد البدوي أعلن احترامه وتقديره لحمدين صباحي، مشيراً إلى أن البدوي وصباحي شاركا سويًا في النضال ضد حكم جماعة الإخوان، وأسسا مع رموز سياسية أخرى جبهة الإنقاذ، وكلاهما يكن الإحترام للآخر. وأضاف لـ"إيلاف" أن البدوي كان يقصد من التعرض لصباحي نقل وجهة نظر بعض المصريين في الشارع، الذين لا يفضلون التيار الشعبي أو زعيمه، لأنه يعتبر حمدين والتيار ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولم يكن يتحدث عن رأيه الشخصي أو رأي حزب الوفد. واتهم الخولي التيار الشعبي &بتضخيم الأمور، واصطناع أزمة سياسية.
وأشار إلى أن التحالفات الإنتخابية الحالية تعمل على قدم وساق من أجل الإستعداد للإنتخابات المقبلة، متوقعاً أن يتم الإعلان عن موعدها في أية لحظة، منوهاً بأن الأحزاب المتحالفة تتعامل بـ"التوقعات"، مشيرًا إلى أن الأحزاب والقوى السياسية تعمل وفق قانون &الإنتخابات الذي وصفه بـ"المعيب"، معتبراً أن الأحزاب أعلنت رفضها لهذا القانون وطالبت بتعديله مراراً وتكراراً. ولفت إلى أن تيار شباب جبهة الإنقاذ ضم أيضاً شباباً من مختلف الأحزاب السياسية، ومنها الوفد وحزب المصريين الأحرار، والدستور.
&
سياسيون مستقلون عن طرفي الأزمة، وصفوا ما يحدث بأنه "مشهد عبثي". وقال الدكتور مصطفى النجار، القيادي في إئتلاف شباب الثورة السابق، لـ"إيلاف" إن الخلافات بين حزب الوفد بقيادة السيد البدوي والتيار الشعبي بقيادة حمدين صباحي، تؤشر على وجود ما سماه بـ"حالة نزوح سياسي نحو التقرب إلى السلطة"، وأضاف أن هذا النزوح يحدث من شخصيات ورموز سياسية بدرجات متفاوتة، موضحاً أن بعض الشخصيات السياسية، ومنها السيد البدوي، تعتقد أن الإقتراب من حمدين صباحي سوف يساهم في توتر علاقته مع السلطة أو يعرضه لغضبها.
ووصف النجار التحالفات التي يجري الإعداد لها حالياً "وهمية لا معنى لها". وأضاف أنها تؤشر على "تقزم" الأحزاب في مصر، التي تصارع على نحو 120 مقعداً في البرلمان، بينما سوف يسيطر الفردي على 80% من المقاعد. ولفت إلى أنه في الوقت الذي ترفض فيه هذه الأحزاب والتحالفات قانون الإنتخابات فإنها عاجزة عن اتخاذ أي موقف سياسي للضغط على السلطة لتعديله. كما انتقد النجار انشغال الأحزاب بتوزيع المقاعد، دون أن يشغلوا أنفسهم بضمانات نزاهة الإنتخابات. ووصف ما يحدث بأنه "ضجيج بلا طحين".
&