يثير القرار، الذي إتّخذته الهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السّمعي البصري (الهايكا)، والقاضي بإيقاف بثّ عدد من القنوات التّلفزيّة والإذاعات الخاصّة يوم 28 سبتمبر الفائت، جدلاً في وقت يوصف بالحسّاس، حيث لم يعد يفصل تونس عن الحملات الإنتخابيّة المتعلّقة بالإنتخابات التّشريعيّة سوى أسابيع قليلة.


مجدي الورفلّي من تونس: اصطدم قرار الهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السّمعي البصري (الهايكا - التسمية المختصرة باللغة الفرنسية) برفض واستنكار عدد كبير من ممثلي وأصحاب القنوات التلفزية والإعلاميين، وعبّر كثيرون عن إستيائهم لعدم احترام الهيئة للوضعية الإجتماعية للعاملين بهذه القنوات التلفزية والإذاعات، من تقنيين وصحافيين وإداريين وعملة، في حين تصرّ الهيئة على ضرورة تنفيذ القرارات حتى لا تعم الفوضى مجال الإعلام السمعي والبصري في تونس.

سياسة المكيالين

يتّهم الرّافضون لقرار هيئة الإعلام، وهي هيئة دستوريّة، بالتّعامل بسياسة المكيالين وإعتماد مقاييس غير شفّافة في منح تراخيص البث للقنوات التلفزية، حيث منحت ترخيصاً لقناة "الحوار التونسي"، التي يملكها الطاهر بن حسين، رغم أنه يقود تياراً سياسياً إضافة الى قناتي "شبكة تونس الإخباريّة" و"المتوسط" اللتين يرى البعض أنّهما قريبتان من حركة "النهضة" وحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة (حزب الرّئيس المرزوقي).

الأسباب الرئيسية لرفض الترخيص لبعض القنوات مثل "التونسية"، التي تحتلّ أعلى نسبة مشاهدة، حسب هيئة الاتصال السمعي والبصري، هي أنّ مالكها سليم الرياحي يترأس حزباً سياسياً وأحد المترشحين للإنتخابات الرّئاسيّة، شأنها شأن قناة "الجنوبية" التي يملك أغلب أسهمها محمد العياشي العجرودي والذي يقود حزباً سياسياً وهو حركة "التونسي".

إدانة للهيئة

خصّصت قناتا "نسمة" و"حنّبعل"، يومًا لبث مشترك لإدانة الهيئة واتهامها بتنفيذ أجندات حزبية موالية لحركة النهضة الإسلامية كما رفضتا علنًا الإمتثال لقرار هيئة الإعلام بإيقاف البث، فيما قام صحافيون شبّان وأصحاب قنوات وإذاعات أخرى لم تحصل على ترخيص بثّ، بتحركات وإحتجاجات في الشوارع الرّئيسيّة للعاصمة التّونسيّة.

وزارة إعلام قمعيّة

ووصفت قناة نسمة في بيان، إطّلعت عليه "إيلاف"، الهيئة العليا للإتّصال السّمعي البصري بأنّها "وزارة اعلام قمعية" وتستهدف الإنجاز الوحيد الذي تحقق للتونسيين بعد 14 جانفي/يناير، على حدّ تعبير البيان.

وقالت قناة "نسمة" الخاصّة إن قرار إيقاف البثّ قبل انطلاق الحملة الانتخابية بأسابيع "يطرح عديد الأسئلة والاستفهامات تجاه عمل الهيئة الموقتة للاعلام السمعي البصري وحقيقة النوايا والأهداف التي توجّها".

وتابع البيان ذاته: "دون أن تهتم بحقوق التونسيين في متابعة انتخابات بلدهم ولا بمستقبل العاملين في هذه القنوات، تتمادى "الهايكا" الموقتة في الاستهتار بأهم مكسب جاءت به الثورة التونسية وهو حرية الاعلام مقدمة على التهديد بتنفيذ قرارات قمعية لم تجرأ عليها الدكتاتورية الغاشمة في أحلك فتراتها".

وتوقّفت قناة "التونسية"، التي يملكها رجل الأعمال والمترشّح للرئاسة سليم الرّياحي، بصفة تلقائيّة عن البث والتزمت بقرار الهيئة الذي حدد تاريخ 28 سبتمبر/أيلول الماضي كموعد للتوقف التلقائي عن البث بالنسبة لعدد من القنوات والإذاعات التي لم تتحصّل على ترخيص قانوني.

يذكر أن القانون المنظّم للقطاع السّمعي البصري في تونس يمنع الجمع بين ترّؤس حزب سياسي وإمتلاك مؤسسة إعلامية لتجنب استغلالها في الدعاية السياسية لحزبه.

حملة بسبب تطبيق القانون

في تصريح لـ"إيلاف"، أكّد رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري نوري اللّجمي أن هيئة الإعلام تتعرض إلى حملة مغرضة بسبب تطبيقها للقانون، وشدّد أن الأحد 28 سبتمبر/أيلول هو آخر أجل لوسائل الإعلام، التي قدمت ملفات و لم تتحصل على رخصة، لإيقاف بثها تلقائيًا.

وأشار رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري إلى أن المؤسسات المتحصّلة على رخصة بثّ قبل الثورة غير معنية بقرار إيقاف البث لكن الهيئة ستجتمع في الفترة المقبلة لاتخاذ قرارات في وضع المؤسسات الإعلامية التي تبث قبل الثورة التي لم تقدم ملفات لهيئة الإعلام والتي ترفض التوقيع على كراس& شروط الهيئة، من بينها قناتا نسمة وحنّبعل.
&
ليست سيفًا على الرقاب

وتابع رئيس هيئة الاتصال السمعي والبصري لـ"إيلاف" قائلا: "الهيئة ليست سيفًا على رقاب الصحافيين ووسائل الإعلام بل تعمل على تفعيل حرية الإعلام واحترام العمل الصحافي... على المؤسسات الإعلامية التي تطلب رخصًا إعادة تقديم ملفاتها واحترام شروط الشفافية المالية والمعايير التقنية والبرمجة".

ودعا النوري اللجمي كل المؤسسات الإعلامية إلى "الاستجابة لقرارات الهيئة وتطبيق القانون وإلا فسيتم حجز معداتها وايقاف بثها".

تحذير من التمرّد

حذرت جمعيّات حقوقيّة، من بينها الرّابطة التّونسيّة لحقوق الإنسان، ما وصفته بـ"تمادي بعض الإذاعات والتلفزات الخاصّة في التمرّد على قانون الاتّصال السمعي والبصري واستعمال دقّة هذه المرحلة الانتخابيّة كذريعة لانتهاك القانون".

واكّدت في بيان تلقّت "إيلاف" نسخة منه أنّ الإبقاء على الوضع غير القانوني للمؤسّسات الاعلامية السمعية والبصريّة الرافضة لقرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، ولكراسات الشروط (القوانين) من شأنه المس بسلامة المسار الانتخابي، خاصّة وأنّ بعض هذه المنشآت لم تحترم القانون خلال انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011، على حدّ تعبير البيان.

تضليل للرّأي العام

تابع البيان: "ودأبت هذه المؤسّسات منذ ثلاث سنوات على انتهاك قواعد العمل الاعلامي وأخلاقياته وتضليل الرأي العام للحصول على نصيب الأسد من كعكة الاشهار والمال السياسي وإعلاء مصالحها الضيقة على المصلحة العامة وسيادة القانون".

وقالت الجمعيّات الحقوقيّة إن الإصرار على إضعاف إحدى أهم مؤسسات الدولة في مرحلة الانتقال الديمقراطي من شأنه فتح باب الإخلالات والفوضى والتهديد لدولة القانون، على مصراعيه.

وتجدر الإشارة الى&أن بعض القنوات التّلفزيّة الخاصّة ترفض الإمضاء على كرّاس الشّروط (القانون) المنظّم للقطاع السّمعي البصري بسبب إحتوائه على بعض النقاط التي تتعارض ومصالحها كتحديد مدّة 8 دقائق إشهار كل ساعة بثّ كحدّ أقصى، حسب بعض المتابعين.

دعوة للتدرّج

الكاتب العامّ لنقابة الصحافيين التّونسيّين يوسف الوسلاتي، أكّد في تصريحات لـ"إيلاف" أن نقابة الصحافيين تدعم أي قرار يدخل في إطار تنفيذ القانون حتى تتقدّم البلاد في تنظيم القطاع وتأطيره.

وأضاف الوسلاتي: "النقابة منتبهة إلى انعكاسات قرار الهايكا على الصحافيين، ونحن ندعوها إلى التدرّج في تطبيق القرارات والمرونة في التعامل مع أصحاب المؤسسات وضبط مواعيد محدّدة لتجديد تقديم الملفات وتقريب هذه المواعيد حتى لا تكون هناك ضرورة لإيقاف بث هذه القنوات التلفزية".

يذكر أن عددًا كبيرًا من الإذاعات مهدّدة بإيقاف البث، وقام عاملون وتقنيون بهذه الإذاعات بتنفيذ احتجاجات مختلفة للمطالبة بحقهم في الحصول على تراخيص للبث إلا أن "الهايكا" أكّدت أنّها لن تمنح تراخيص لملفّات غير مكتملة وغير قانونية.

خطايا ماليّة ثم إيقاف البثّ

ومن المنتظر أن تشرع هيئة الإتّصال السّمعي البصري في دراسة فرض غرامات ماليّة تتراوح بين 12 ألف دولار و30 ألف دينار كخطوة أولى ليتم إثر ذلك حجز المعدّات لإيقاف البث.

وتم إحداث الهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السّمعي البصري بعد خلافات طويلة في المجلس الوطني التأسيسي بين أحزاب الترويكا آنذاك (النهضة والمؤتمر من أجل الجمهوريّة والتكتّل الديمقراطي)، وكان لرئاسة الجمهورية، ممثّلة بالمنصف المرزوقي عن حزب المؤتمر، التأثير الأكبر في تشكيلها وإختيار الشّخصيّة التي تترأسها.

وتتمتّع الهيئة العليا للإتّصال السّمعي البصري، حسب الدّستور التّونسي الجديد في فصله 122، بالشّخصيّة القانونيّة والإستقلاليّة الإداريّة والماليّة وتعمل على دعم الدّيمقراطيّة كما ينص في الفصل 124 على أنّ الهيئة "تتولّى تعديل قطاع الإعلام، وتطويره، وتسهر على ضمان إعلام تعدّدي ونزيه".

وستنظم تونس انتخابات تشريعية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل تليها انتخابات رئاسية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني.