ليس من السهل في العراق أن تحمل كاميرتك الفوتوغرافية وتظهرها للعيان لتلتقط صورًا، فسوف تتعرض للاعتقال بعد ابتزاز وترهيب واهانات.


عبد الجبار العتابي من بغداد: يعاني كل من يحمل كاميرا فوتوغرافية، سواء كان مواطنًا او مصورًا صحافيًا، في العراق من قرار منع التصوير في مختلف الامكنة العامة، رغم عدم وجود لافتات (ممنوع التصوير). فبإمكان أي شرطي أو رجل امن أن يعتقل من يشهر كاميرته بحجة "الاسباب الامنية".

ورغم أن شرط السماح بالتصوير الحصول على موافقة رسمية من عمليات بغداد، الا أن هذا الشرط تتبعه شروط تعسفية تصطدم بأرض الواقع. فلا يمكن للمصور أن يصور ما يشاء، بل عليه أن يذهب إلى اقرب نقطة امنية ويخبرهم بغرضه، وهنا تتعرض الكاميرا للتفتيش وتُمحى الصور الملتقطة لاحتمالات معينة، ثم يحدد المصور ما يريد تصويره بعدد من اللقطات.

اجراءات صعبة

ذكر صباح الزبيدي، عضو جمعية المصورين العراقيين والمصور الخاص السابق لوزير الثقافة، الروتين في عمليات بغداد، ومعاناته، "والحجة الجاهزة هي الوضع الامني وخوفهم من تصوير اماكن عسكرية أو اماكن توزيع النقاط العسكرية، وهذا باعتقادي سبب غير مبرر، فيقولون يجب اصدار (باج) لكن هل تعرف الامور الادارية في كيفية اخراج الباج؟ فهناك عدة اجراءات منها اصدار خطاب رسمي من المؤسسة التي تعمل بها معنوّن إلى نقابة الصحافيين العراقيين، واصدار خطاب رسمي من نقابة الصحافيين معنون إلى قيادة عمليات بغداد بالسماح لك بالتصوير، واستنساخ هوية المؤسسة التي تعمل بها وهوية النقابة ومستمسكاتك الاربعة وتقديمها مع الطلب، كما لا تتم المراجعة في عمليات بغداد إلا الاربعاء من كل اسبوع، وتستغرق الموافقات وقتًا طويلاً، وفي حال الحصول على الباج وتريد أن تصور أي موقع يجب عليك أن تستأذن من اقرب نقطة وتظهر لهم الخطاب لكي يسمحوا لك بالتصوير، ويبقى على مزاج النقطة السماح لك بالتصوير أو منعك، لان الكل يعمل حسب مزاجه".

كيف عرفت؟

وسرد الزبيدي، قائلًا: "في احد الايام، كنت اصور العوائل المعتصمة امام وزارة الدفاع القديمة التي تطالب بمعرفة مصير ابنائها المسجونين هناك، فشب حريق في احد الطوابق بمبنى مدينة الطب القريب، وتصاعد الحريق إلى الطابق الاخير، وشاهدنا النيران تخرج من النوافذ وبعض الموظفين يلقي بنفسه إلى سطح البناية الاخرى، وكان الكل يصور هذا المشهد بكاميرا الموبايل، وقمت انا بتصوير الحريق كأي مصور، لكنني فوجئت بأحد افراد الشرطة مخاطبًا امره يصرخ ويقول (سيدي لقد القيت القبض على احدهم)، توقعنا أن احد الارهابين مفخخ بيننا، وخلال دقائق تجمع عدد من الشرطة وضباطهم حولي وسحبوا مني الكاميرا وحجزوني في إحدى الغرف التابعة لمستشفى مدينة الطب، وبعد سين وجيم تم مسح الصور وتسليمي الكاميرا، بعد أن اجريت اتصالًا مع احدهم توسط لي، والغريب انهم سألوني في التحقيق: كيف عرفت بوجود حريق واتيت لتصويره قلت لهم انا لم احضر لتصوير الحريق بل كنت مكلفًا بواجب رسمي من الصحيفة التي اعمل بها هو تصوير العوائل المعتصمة لاطلاق سراح ابنائهم".

4 ارهاب

اما المصور محمد عبدالله فقال: "التصوير ممنوع بشكل قطعي في بغداد والعراق عمومًا، ومن يصور يتعرض للاعتقال، واذا اراد التصوير يجب أن يحصل على موافقة من قائد عمليات بغداد كما اخبرني احد الضباط والنتيجة (ممنوع التصوير)، وهذا ما يجعلني اقوم بالتصوير بشكل خفي وهذه مخاطرة أخرى وهذا يجعلني رهن الاعتقال في أي لحظة".

أضاف: "اكثر من مرة تعرضت للتوقيف من قبل عناصر الشرطة والجيش، فلا تنفع معهم الهويات الصحافية، وبعد فاصل من التهديدات بالترحيل لمقر الفوج او اللواء او مركز الشرطة وبالسجن و(4 ارهاب)، وحين أشعر بأنني قاب قوسين او ادنى من الانهيار، يتكرمون عليّ باعادة الكاميرا بعد مسح الصور مع التحذير (لا تعملها ثانية)".

اما المصور عبد الجبار عبد الله فقال: "اخشى من إخراج كاميرتي في الشارع لتصوير اية لقطة، فكاميرتي من النوع الحديث، وسبق أن اخرجتها وتعرضت للاعتقال والترهيب والانتظار الطويل في نقاط السيطرات، حيث لا تنفع خطابات الموافقة ولا غيرها، وابسط حجة عندهم لماذا لم تبلغنا؟" فبامكان ابسط شرطي أو جندي ان يثلم كرامتك حين يسحب الكاميرا منك ويستعرض امامك عضلات الممنوع حتى تشعر انك متهم بفعل اجرامي".

تعليمات عمليات بغداد

ضابط في الشرطة، طلب عدم ذكر اسمه، اشار إلى أن التعليمات التي لديهم هي منع التصوير في الاماكن العامة بسبب الظروف الامنية، الا من خلال تصريح بالسماح للمصور من خلال (باج) صادر من عمليات بغداد، وقال: "بحسب التعليمات الصادرة من عمليات بغداد، يمنع منعًا باتًا التصوير، لذلك نحن ننفذ التعليمات ونمنع ذلك، إلا إذا ابلغنا بغرضه وهذا ما يجعلنا نرافقه إلى المكان المحدد لتصويره فقط".

أضاف: "الظرف الامني يحتم اخذ الحيطة والحذر، فنحن لا نعرف الغرض من التصوير وهناك الكثير من الاماكن الحساسة، ويمكن تزوير الهويات الصحفية بسهولة، لذلك على من يريد تصوير مكان معين أن يخبر اقرب نقطة امنية".

لا.. للمنع !

استغربت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة الممارسات المهينة التي تنتهجها القوات الامنية ضد الصحافيين ووسائل الاعلام، ومحاولاتها فرض نوع من الرقابة والوصاية على عمل وسائل الاعلام، مؤكدة رفضها للمنع.

واكدت الجمعية انها سجلت العديد من حالات الاعتداء والتجاوز في بغداد وحدها، تراوحت بين المنع من التصوير والتغطية والاعتداء بالضرب ومصادرة المعدات إلى الاحتجاز والاعتقال بعد التحذير من أن التصوير في العاصمة ممنوع.

وحذرت الجمعية الوزارات والمؤسسات الامنية من الاستمرار في تقييد حرية وسائل الاعلام في التغطية، ومطالبتهم بموافقات مسبقة، لاسيما ان هذا مخالفة واضحة للدستور النافذ ولالتزامات العراق الدولية.