توفي فجر اليوم الخميس رئيس الحكومة اللبناني السابق عمر كرامي احد السياسيين الذين عاصروا احداثا بارزة في تاريخ لبنان الحديث، عن ثمانين عاما نتيجة مضاعفات مرض السرطان.


بيروت: عمر كرامي الذي توفي اليوم عن ثمانين عاما زعيم سياسي لبناني سني تولى رئاسة الوزراء مرتين، واستقال مرتين تحت ضغط الشارع، كان آخرها في 2005 بعد توجيه اصابع الاتهام الى دمشق باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وتصنيف كرامي كرجل سوريا في لبنان آنذاك.
وكرامي من كبرى العائلات السنية المتحدرة من طرابلس، ثاني اكبر مدن لبنان. وهو نجل عبد الحميد كرامي، احد رجال الاستقلال اللبناني، وشقيق رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي الذي قتل في تفجير مروحية كانت تقله من طرابلس الى بيروت في حزيران/يونيو 1987 خلال الحرب الاهلية (1975-1990).

دخل عمر كرامي ميدان السياسة بعد اغتيال شقيقه. عين وزيرا للتربية في 1989، قبل ان يصبح رئيس حكومة للمرة الاولى في كانون الاول/ديسمبر 1990. وكانت الحكومة الاولى التي تشكلت بعد انتهاء الحرب الاهلية. في 16 ايار/مايو 1992، اضطرت حكومته الى الاستقالة بعد تظاهرات في الشارع احتجاجا على تردي الوضع الاقتصادي.
عرفت تلك الحركة ب"ثورة الدواليب" بعد ان ترافقت مع احراق اطارات في معظم المناطق اللبنانية تصاعد منها دخان اسود غطى كل سماء لبنان تقريبا. وجاءت بعد ان بلغ سعر الليرة اللبنانية أسوأ مستوياته (ثلاثة آلاف ليرة للدولار الواحد)، من دون ان تنجح الحكومة في اتخاذ تدابير رادعة لوقف التدهور.

لكن تلك الحكومة كانت كرست هيمنة دمشق على الحياة السياسية اللبنانية.
بين تشرين الاول/اكتوبر 2004، وشباط/فبراير 2005، تولى عمر كرامي رئاسة الحكومة مرة ثانية. واضطر الى تقديم استقالته بعد ان تفجر غضب الشارع ضده مجددا اثر اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 في تفجير سيارة مفخخة في وسط بيروت.

كانت حكومة كرامي في حينه موالية تماما لسوريا، وكان هو عضوا في برلمان "من صنع دمشق" التي باتت تعرف ب"قوة الوصاية". الا ان رئيس الجمهورية &آنذاك اميل لحود، وبضغط من الحليف السوري، كلفه تشكيل حكومة جديدة. لكن النفوذ السوري كان بدأ بالافول، فلم يتمكن كرامي من ذلك.
وتواصلت الحركات والتظاهرات الاحتجاجية في الشارع، واستمر كرامي على راس حكومة تصريف اعمال، حتى 19 نيسان/ابريل 2005. بعد ايام، انسحب الجيش السوري من لبنان بعد حوالى ثلاثين سنة من التواجد.

منذ ذلك الحين، تراجع دور عمر كرامي، لكنه ظل جزءا من التكتل السياسي الذي يضم حلفاء سوريا في لبنان. سقط في الانتخابات النيابية العام 2005 التي تمت بعد اشهر من اغتيال الحريري وكرست انتهاء "عهد الوصاية".
وعمر كرامي هو رئيس الحكومة الوحيدة الذي دفعه الشارع الى الاستقالة في بلد يتكتل اجمالا الناس فيه خلف زعماء طوائفهم بغض النظر عن مواقفهم السياسية.

ويقول خالد باطل (45 عاما)، وهو صيرفي من طرابلس، "الرئيس عمر كرامي يمثل شريحة في طرابلس ويحظى بالاحترام لدى الجميع، لكنه لم يكن الشخص الذي كان ينتظر منه ان يوحد ابناء طرابلس".
ويضيف "كان على الرئيس كرامي ان يقف الى جانب الرئيس الحريري لا ان يعاديه ويتحالف مع الذين اتهموا بقتله. (...) بعد 2005، لعب دورا على نقيض توجهات غالبية الطائفة السنية".

الا ان مؤيدي عمر كرامي يصفونه ب"الرجل الطيب والزعيم" الملتزم قضايا شعبه.
ويقول محمد سيف (50 عاما)، وهو موظف حكومي، ان كرامي كان "رجلا طيبا يتحلى بالاخلاقيات والمبادىء (...) وفي طليعة المدافعين عن قضايا وهموم الامتين العربية والاسلامية".

ويتابع انه "كان زعيما ورجل قرار، ويقف دائما الى جانب المواطنين ويخدمهم"، معددا مساهماته في تقديم المساعدات و"عمل الخير".
ولد عمر كرامي في السابع من ايلول/سبتمبر 1934، في طرابلس في شمال لبنان.

بدأ دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت قبل ان ينتقل إلى القاهرة حيث نال إجازة في الحقوق من جامعة القاهرة، وأسس مكتبا للمحاماة فور عودته الى لبنان.
محافظ في لباسه وخطابه السني التقليدي.

صاحب صوت رفيع ورتيب، ولهجة هادئة، لكن غالبا لاذعة ولا تخلو من التهكم تجاه خصومه.
بنى شعبيته على الارث السياسي لعائلته، وانقسم اللبنانيون بشدة حول خطه السياسي. بعد خروجه من الواجهة السياسية، انحصرت شعبيته الى حد بعيد في مدينته طرابلس.

تولى نجله فيصل كرامي منصب وزير الشباب والرياضة بين 2011 و2013 في حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، المتحدر كذلك من طرابلس.
وعمر كرامي متزوج من مريم قبطان، ولهما بالاضافة الى فيصل، ابن آخر وابنتان.

وبدات حالة عمر كرامي الصحية بالتدهور منذ حوالى سنتين بعد ان شخصت اصابته بمرض السرطان. ونقل للمرة الاخيرة الى المستشفى منذ شهر ودخل، بحسب اوساط قريبة منه، في شبه غيبوبة منذ ايام.