تدخل القاهرة العام 2015 أكثر تماسكًا واستقرارًا من ذي قبل، مع تثبيت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي المدعوم من الجيش والمؤسسات الأمنية، فضلًا عن امتلاكه ظهيرًا شعبيًا كبيرًا.

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تستقبل العاصمة المصرية العام الجديد، وقد حققت إنتصارات سياسية في العام الماضي 2014، على المستويين الداخلي والخارجي، منها إثبات فشل جماعة الإخوان المسلمين في تكوين وقيادة معارضة قوية، وانفضاض كافة مكونات الحلبة السياسية عنها، وتضاؤل حجم أنصارها في الشارع بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى توجيه ضربات قوية للجماعات الإرهابية.

انتصارات
&
على الصعيد الخارجي، أحرزت القاهرة إنتصارًا، بفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في خصوماتها مع قطر، ونجحت السعودية في التقريب بينها وبين الدوحة، وأغلقت قناة الجزيرة مباشر مصر.
&
كما حصلت القاهرة على إعتراف دولي بشرعية التغيير السياسي الذي حصل في 3 تموز (يوليو) 2013 بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، وأوقف الإتحاد الأفريقي قراره بتجميد عضوية مصر. كما اعترفت الدول الغربية، ومنها أميركا ودول الإتحاد الأوروبي، بالسيسي رئيسًا، وألقى كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول (سبتمبر) الماضي.
&
رغم تحقيق القاهرة الإنتصارات على المستوي السياسي، إلا أنها ما زالت تواجه أزمات سياسية وأخرى إقتصادية، فضلًا عن جماعات الإرهاب التي تسعى إلى تقويض أركان الدولة وتستهدف قوات الجيش والشرطة، بالإضافة إلى إصرار جماعة الإخوان المسلمين ومعها بعض فصائل التيار الإسلامي على عدم الإعتراف بشرعية السيسي، والإستمرار في الإحتجاج، رغم خفوت صوتها وقلة أعداد مناصريها في الشارع.

الشباب غاضب
&
سياسيًا، تواجه القاهرة والسيسي في العام الجديد، غضبًا متصاعدًا من جانب الشباب، لا سيما من شاركوا وآمنوا بثورة 25 يناير، التي أزاحت نظام حسني مبارك عن الحكم، ويتحينون الفرص من أجل العودة للشارع، والإحتجاج ضد نظام السيسي، الذي يتهمونه بإعادة إنتاج نظام مبارك، وتعزّزت لديهم الفكرة، في أعقاب&حصول مبارك ونجليه ورموز نظامه على أحكام بالبراءة في قضايا قتل المتظاهرين والفساد، كما يواجه أيضًا تمردًا من قبل جماعة الإخوان وغالبية فصائل التيار الإسلامي.
&
شباب الثورة غاضب جدًا، ويشعر بأن النظام الحالي أهدر أهداف ثورة 25 يناير، وهو ليس إلا جزءًا من نظام حسني مبارك. وقال محمود عفيفي، القيادي السابق في حركة 6 أبريل، لـ"إيلاف" إن ثمة فجوة تتسع مع مرور الوقت بين نظام حكم السيسي وشباب ثورة 25 يناير، مشيرًا إلى أن النظام يسمح للأبواق الإعلامية وبعض الدوائر السياسية بالهجوم على ثورة يناير وإظهارها على أنها مؤامرة خارجية.&
&
وأضاف أن نظام السيسي يعترف بثورة يناير، ونص عليها في الدستور، إلا أنه ينطبق عليه المثل القائل "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب"، منوهًا بأن النظام لم يسع إلى تطبيق أي من أهداف ثورة يناير على الأرض، بل سمح باعتقال قيادتها ورموزها، ولم يحقق العدالة الإجتماعية، ويقمع الحريات.

السيسي ليس مبارك
&
ونبه عفيفي إلى ضرورة أن يكون هناك مصالحة بين النظام والشباب، مطالبًا النظام بأن يتخذ خطوات أكثر جدية تجاه عمليات تشويه ثورة يناير، وتجاه تحقيق أهدافها. ودعا عفيفي النظام أيضًا إلى ضرورة أن يفرق بينه وبين نظام مبارك.
&
كما دعا إلى ضرورة أن يكون إصدار قانون العدالة الإنتقالية ضمن أولوية البرلمان المقبل، معتبرًا أن هذا القانون سيشكل مخرجًا حقيقيًا للنظام والمعارضة على حد سواء.
&
وقال: "بدون تلك الإجراءات سوف يزداد غضب الشباب، وأتوقع أن تخرج موجة ثورية جديدة ضد السيسي، إذا لم يفرق بينه وبين نظام مبارك، ويبدأ في تحقيق أهداف ثورة يناير".
&
اضاف: "الكرة الآن في ملعب النظام".
&
تحقيق العدالة الإنتقالية
&
فصيل آخر من شباب الثورة لا يتوقع إندلاع موجة ثورية جديدة في مصر العام المقبل. وقال هاني سمير، عضو المكتب السياسي لتحالف شباب الثورة، لـ"إيلاف" إن بداية العام المقبل ستشهد حالة من عدم الهدوء، بسبب احتفال المصريين بذكرى ثورة 25 يناير، وإمكانية إستغلال جماعة الإخوان المسلمين للحدث في إشعال الموقف.
&
وأضاف أنه لا ينكر أحد أن مصر فيها أطراف غاضبة جدًا، بسبب الإساءة لثورة يناير، داعيًا الرئيس السيسي إلى ضرورة إصدار قانون لتجريم الإساءة إلى ثورتي يناير ويونيو، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتحقيق العدالة الإنتقالية بما يضمن محاسبة نظام مبارك على الفساد المالي والسياسي على مدار ثلاثين عامًا، ومحاسبة نظام مرسي على الإرهاب وبث الفرقة بين المصريين.
&
وتوقع سمير أن يشهد العام المقبل عمليات واسعة في البناء السياسي والإقتصادي لمصر. وأعلن عن تفاؤله بقرب الإنتهاء من حفر قناة السويس الجديدة، وقرب انعقاد الإنتخابات البرلمانية، متمنيًا ألا يتسرب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو الحزب الوطني المنحل إلى مجلس النواب المقبل.
&
المعركة مع الفساد
&
وإذا كان بمقدور السيسي إتخاذ سلسلة من الإجراءات لإحتواء غضب الشباب، إلا أنه لن يستطيع إرضاء جماعة الإخوان. ويرى مراقبون أنها انتهت على المستوى القريب، ولم يعد بإمكانها التأثير سياسيًا في مصر. وقال محمود عفيفي، القيادي في حركة 6 أبريل، أن الشعب المصري لفظ الإخوان، مشيرًا إلى أن عودتهم للمشهد السياسي أمر يصل إلى حد المستحيل. ولفت إلى أن السيسي ليس في حاجة إلى عقد صفقات أو استرضاء الإخوان، لأنهم فقدوا الظهير الشعبي، ولم تعد القوى السياسية تثق فيهم. ولفت إلى أن السيسي مطالب بالتصالح مع الشباب، ومكافحة الفساد.
&
ورغم حصول مبارك ونجليه على البراءة، إلا أن عفيفي يرى أن مبارك ونجليه انتهوا أيضًا كما انتهت جماعة الإخوان، ولن يمكنهم العودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى.

الشعب أنهى الاخوان
&
ويتفق محمد حسين، المنسق العام لحركة "تمرد 25/30"، مع عفيفي في الرأي، وقال لـ"إيلاف": "الشعب أنهي حياة جماعة الإخوان الإرهابية، ومصر تشهد حالة من الإستقرار السياسي"، متوقعًا أن تزداد استقرارًا مع إنتخاب البرلمان الجديد في بداية العام الجديد.
&
وأشار إلى أن المعركة الحقيقية للقاهرة بقيادة السيسي ليست مع الإخوان، بل مع الفساد الذي يحاول أن يطل برأسه من جديد، مع محاولات أقطاب نظام مبارك العودة للحياة السياسية من جديد، ودعا حسين الرئيس السيسي إلى إصدار قانون لمكافحة الفساد وقانون العدالة الإنتقالية، وتحقيق العدالة الإجتماعية، مشددًا على ضرورة اتخاذ خطوات جادة لإحتواء الشباب، ومنحه الفرصة للتعبير عن آرائه.
&
ولا يتوقع حسين أن تشهد مصر موجات ثورية جديدة، مشيرًا إلى أنه يجب توجيه الحراك الثوري نحو بناء البلاد. وقال: "الحراك الثوري لا يكون بقذف الطوب والمولوتوف، بل بالعمل والبناء".

لم ينضجوا
&
جماعة الإخوان المسلمين انتهت لمدة عشر سنوات على الأقل، وشباب الثورة لم ينضجوا سياسيًا. هذا ما إنتهى إليه الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية، متوقعًا أن تشهد مصر خلال العام المقبل المزيد من الإستقرار السياسي والإقتصادي. وقال لـ"إيلاف" إنه بعد المصالحة مع قطر، إن جماعة الإخوان المسلمين قد أقفلت الطرق في وجهها، لا سيما أن تركيا تتجه للمصالحة مع مصر أيضًا.
&
وأضاف: "الجماعة تفرقت، وتبحث قياداتها عن ملاجئ"، متوقعًا أن تنتهي الجماعة مؤقتًا لمدة تتراوح ما بين 5 و10 سنوات، حتى ينسى هذا الجيل كل مسالبها.
&
ووصف إبراهيم غضب شباب الثورة بـ"قمصة الشباب"، وقال إنهم تعرضوا للتضليل من جماعة الإخوان أثناء ثورة 25 يناير، رغم أن الجماعة انضمت إلى الثورة متأخرًا، إلا أنها استطاعت استغلال الشباب لصالحها.
&
وتوقع إبراهيم أن يشهد العام 2015، عمليات بناء وتمكين لبعض الفئات في المجتمع، لكنها لن ترضي طموح المصريين، مشيرًا إلى أن الطموحات دائمًا ما تكون أعلى من الإنجازات.
&
مشروعات واتفاقيات ومساعدات&
&
إقتصاديًا، تعاني مصر من تدهور واضح، وتبحث القاهرة جديًا عن مخارج لتلك الأزمة داخليًا وخارجيًا، عبر عقد تدشين مشروعات كبرى وعقد إتفاقيات لجذب الإستثمارات مع دول عربية وأجنبية، إلا أن إنخفاض أسعار النفط يهدد المساعدات الخليجية إليها. وقال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات الإقتصادية، إن السيسي يحاول الإعتماد على الذات في إقالة الإقتصاد من عثرته، مشيرًا إلى أن تدشين المشروعات الكبرى مثل قناة السويس، سوف يساهم في تحسين الأحوال الإقتصادية. وأضاف لـ"إيلاف" أن قناة السويس الجديدة ستدر دخلًا قوميًا لمصر في النصف الأخير من العام الجديد.
&
وأفاد بأن الإستقرار السياسي والأمني الذي شهدته مصر في 2014 سيسهم في إنتعاش السياحة العام المقبل واستقرار الأسعار. ولفت إلى أن إجراءات محاربة الفساد التي تقوم بها الحكومة سوف تحسّن مناخ الإستثمار، وتوفر ملايين الجنيهات التي تذهب لجيوب الفاسدين، منوهًا بأن قانون الخدمة المدنية الجديد، سوف يحسن من أحوال العاملين في الدولة، ويساعد على تقليل الفجوة بين الأجور.

لا أثر لتراجع النفط
&
توقع عامر أن تؤتي الإتفاقيات الإقتصادية التي أبرمها السيسي مع الصين وبعض الدول الخارجية ثمارها خلال فترة تتراوح ما بين عامين وثلاثة أعوام.
&
واستبعد أن يؤثر انخفاض أسعار النفط على المساعدات الخليجية لمصر، وقال إن هذا الإنخفاض لم يؤثر على إقتصاديات دول الخليج ولا سيما السعودية والإمارات والكويت.
&
ووفقًا لتصريحات أمين عام مجلس الوزراء السعودي، عبدالرحمن السدحان، فإن انخفاض سعر النفط في السوق العالمية لن يؤثر على التزامات المملكة تجاه شقيقتها مصر. وأضاف السدحان، في تصريحات له، أن السعودية في مقدمة الدول الإسلامية والعربية، التي تسعى لدرء العثرات من خلال المعونات التي تقدمها وتصل لأقصى الدنيا.

حرب ممتدة
&
أمنيًا، تواجه القاهرة عدوًا يتربص بقوات الجيش والشرطة، واستطاع إلحاق الأذى بها في مواضع عدة خلال العام 2014، إنها جماعات الإرهاب، التي لن تستطيع مصر هزيمتها خلال العام 2015. وقال اللواء فؤاد حسين، مدير إدارة مكافحة الإرهاب الدولي في المخابرات العسكرية سابقًا، إن الحرب على الإرهاب لن تنتهي قريبًا، مشيرًا إلى أن ذلك لا يعني فشل الدولة في مواجهته.
&
وقال لـ"إيلاف" إن الوضع الحالي يؤكد أن الجيش المصري يوجه ضربات قوية ضد الجماعات التكفيرية، لا سيما بعد إقامة المنطقة العازلة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة.
&
وأضاف أن نجاح مواجهة الدولة للإرهاب يقاس بالوضع بعد فض اعتصام أنصار الرئيس السابق محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، مشيرًا إلى أن مقارنة عدد العمليات الإرهابية وقتل الجنود حاليًا بالفترة التي تلت فض الإعتصام، يتضح أن هناك تحسنًا كبيرًا. ولفت إلى أن انخفاض العمليات يعد مؤشرًا قويًا الى نجاح الدولة في مواجهة الإرهاب، غير أنه لا يتوقع وقف العمليات الإرهابية ضد الجيش والشرطة بشكل تام في القريب العاجل.
&
ولفت إلى أن توتر الأوضاع في الدول المجاورة، ووجود تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، فضلًا على إنتشار الفوضى والسلاح في ليبيا، يصعب معه وضع تاريخ لانتهاء الإرهاب في مصر، متوقعًا ألا تتوقف تلك الجماعات عن محاولاتها لنشر الفتنة في مصر بمساعدة دول عربية وأجنبية.

المصالحة مع قطر تدريجية
&
خارجيًا، حققت القاهرة في العام 2014 نجاحات ملحوظة، أهمها الإعتراف الدولي بثورة 30 يونيو، وشرعية الرئيس السيسي، إلا أن المصالحة مع قطر تشكل تتويجًا للإنتصارات الخارجية، التي تمت برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبعد إغلاق الدوحة قناة الجزيرة مباشر مصر، اتضح أن ثمة مؤشرات قوية على أنها مصالحة جادة.
&
وقال السفير هاني خلاف، مندوب مصر السابق في جامعة الدول العربية، إن ثمة مؤشرات تقول إن المصالحة المصرية القطرية ستستمر بشكل حقيقي.
&
وأضاف لـ"إيلاف" أن زيارة مسؤولين قطريين وسعوديين إلى القاهرة والإلتقاء بالسيسي تعد بداية جيدة، بالإضافة إلى إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر. واشار إلى أن عملية المصالحة ستعقبها ترتيبات دبلوماسية واعلامية واقتصادية وسياسية في 2015، تسير في تدرج حسب حماس البلدين للمصالحة.
&
تحسّن تدريجي
&
ولفت إلى أنه سيتم خلال الاسابيع المقبلة التفاوض حول جميع التفاصيل، متوقعًا أيضًا أن تتناول النقاشات ملفات المطلوبين أمنيًا، من قيادات جماعة الإخوان، بالإضافة إلى الدور القطري في ملفات أخرى، منها غزة وليبيا وسوريا.
&
ونبّه إلى أن عمليات التباحث سوف تستغرق بعض الوقت، متوقعًا ألا تتغير الأمور بين يوم وليلة، ولكن سيحدث تحسن تدريحي، على حد قوله.
&
وأضاف أن العلاقات في مجال الاقتصاد والاستثمار ستسرّع من وتيرة تحسّن المسارات السياسية، لا سيما أنها ستخلق مصالح مشتركة تكون دافعًا لتطور العلاقة حتى تصل الى الشكل الكامل. ونبه إلى أن السعودية بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز راعية للمصالحة وضامنة لها لإتمامها بالشكل المرضي للطرفين، في إطار مساعي خادم الحرمين نحو لم الشمل العربي، وإنقاذ المنطقة من الإنهيار.