تاريخيًا، التعاون الأميركي السعودي وطيد جدًا، لكن الرياض لا تتوانى عن التمايز في الموقف، حين يدعوها الواجب العربي والاسلامي. واليوم، يريد باراك أوباما في لقائه مع الملك سلمان أن يفتح صفحة جديدة في هذه العلاقات بعد توترات عابرة.


يفتتح الرئيس الأميركي باراك أوباما في الرياض اليوم حقبة يريدها جديدة لا تعكر صفوها أي مسألة في العلاقات الأميركية السعودية، إذ يلتقي بالملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، في لقاء ظاهره تعزية بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وباطنه بحث في نقاط مهمة، يلتقي عليها البلدان، كالحرب على الارهاب والمسألة اليمنية، وما إلى ذلك من قضايا ذات اهتمام مشترك.
&
مدخل إيجابي
&
وفي تصريحات مرافقة للزيارة، يقول مراقبون أميركيون إن العلاقات السعودية الأميركية لن تتغير في عهد الملك سلمان. وتقول مجلة فورين بوليسي الأميركية إن الملك السعودي الراحل كان لديه الكثير من الانتقادات للسياسة التي تنتهجها إدارة أوباما، إذ رآها بطيئة جدًا في تسليح المعارضة السورية التي تواجه نظام بشار الأسد، بينما كانت سريعة التخلي عن حلفاء أميركا في المنطقة، مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ورأى الملك الراحل إن أوباما يريد الوصل بأي ثمن لصفقة تاريخية مع إيران حول مشروعها النووي، ما أوجد تلبدًا في الغيوم في سماء العلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن.&
&
ويقول المراقبون إن ثمة عدوًا مشتركًا اليوم، هو تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذي يهدد أمن المملكة العربية السعودية، كما يهدد الولايات المتحدة نفسها، لذا سيكون داعش الطبق الرئيسي على مائدة الحوار بين أوباما والملك سلمان، لأنه المدخل الإيجابي إلى تناول العلاقات بين البلدين.
&
لقاء أول
&
والعلاقات الأميركية السعودية متجذرة منذ شباط (فبراير) 1945، حين التقى الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت للمرة الأولى والوحيدة في البحيرات المرة المصرية، على متن الطراد الأميركي "كوينسي". كان مهندس اللقاء ويليام إيدي، السفير الأميركي في جدة والمستعرب خريج جامعة برنستون وسليل مبشرين عملوا في الشرق الأوسط. وقبل هذا اللقاء، كان إيدي يعرف موقف الملك عبد العزيز من قضية فلسطين. فمنذ بدايات الحرب العالمية الثانية، كانت الإدارة الأميركية تأمل في أن يستخدم الملك نفوذه لإخماد احتجاجات العرب ضد الصهيونية، لكن في أيار (مايو) 1943، وجه الملك عبدالعزيز رسالة غاضبة إلى روزفلت، قال فيها إن اليهود ليس لهم أي حق في فلسطين. وفي لقاء كوينسي، أراد روزفلت اللعب على وتر الهولوكست الذي جرى لليهود في ألمانيا وبولندا، فرد الملك عبد العزيز: "إذا كان ثلاثة ملايين يهودي قتلوا في بولندا، فهذا معناه ثمة مكان شاغر لثلاثة ملايين يهودي هناك".
&
وقبل هذا اللقاء، كان الملك عبد العزيز أوفد نجليه الأميرين فيصل وخالد إلى الولايات المتحدة، إستجابة لدعوة رسمية من روزفلت، وذلك في 25 ايلول (سبتمبر) 1943.
&
الملك سعود في أميركا&
&
زار الملك الراحل سعود الولايات المتحدة أكثر من مرة، أولها كان بدعوة من الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور، في 29 كانون الثاني (يناير) 1957، فكان أول الملوك السعوديين الذين زاروها.
&
حظي الملك سعود في هذه الزيارة باستقبال رسمي واستثنائي من قبل أيزنهاور نفسه في المطار، في عمل غير مسبوق في البروتوكول الأميركي.
&
كان الأميركيون يعرفون حينها أن من يحظى بقلب السعودية يفوز بقلوب مئات الملايين من المسلمين، في توجه نفطي وسياسي على حد سواء، خصوصًا أن الولايات المتحدة كانت دخلت حينها أزمات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي والشيوعية، التي يعاديها الاسلام الذي ترفع السعودية لواءه.
&
تقول راشيل برونسون، المديرة السابقة لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي: "كان ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام بالبيئة السياسية العالمية، حيث الحاجة ماسة إلى النفط، إذا أردنا أن نفهم العلاقة الأميركية السعودية منذ أمد طويل، فقامت الشراكة الأميركية السعودية في إطار الحرب الباردة، وكانت ذات جدوى في إدارة بعض الوقائع السياسية".
&
تعاون وثيق
&
منذ الملك سعود وحتى عهد الملك عبدالله، توجت العلاقات الأميركية السعودية بتاج من التعاون الوثيق. فالسعودية جذبت الانتباه الأميركي في صراعها ضد الشيوعية، وساعدت الرياض واشنطن في معركتها إبان الحرب الباردة، فضمان تدفق النفط السعودي إلى الولايات المتحدة وبأسعار معقولة ومقبولة ساعد واشنطن على فرض العقوبات التي تريدها، سياسيًا واقتصاديًا، على دول رأت فيها تهديدًا لها، ما عزز مكانة السعودية أكثر فأكثر.
&
وبعد تعرض الولايات المتحدة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، كانت السعودية حليفة لا يمكن التخلي عنها في الحرب التي أعلنتها واشنطن على الارهاب، في أفغانستان وفي العراق، علمًا أن الدور السعودي في أفغانستان يمتد منذ تسليحها المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي لذلك البلد.
&
شوكة 1973
&
وبالرغم من هذا التعاون، بقيت إسرائيل الشوكة الوحيدة في خاصرة العلاقات السعودية الأميركية. وهذه الشوكة أدت في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز إلى أشد التوترات حدة في تاريخ هذه العلاقات.
&
فإبان حرب 6 تشرين الأول (اكتوبر) بين العرب وإسرائيل، واتخاد الولايات المتحدة الجانب الاسرائيلي، والضغط القوي ليوقف الجيشان المصري والسوري هجومهما المتزامن على إسرائيل، أعلن الملك فيصل حظر النفط عن الولايات المتحدة.&
&
وفي 15 تشرين الأول (اكتوبر)، أعلن أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول أوبك إعلان حظر نفطي، لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967، ووقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي تؤيد إسرائيل.&
&
وكان لهذا الموقف السعودي كبير الأثر دوليًا، إذ كشفت وثائق بريطانية عن أن الولايات المتحدة فكرت في استخدام القوة للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط في العام 1973، بعدما حظرت الدول العربية صادرات النفط.

اعتذر بسبب فلسطين
&
زار خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الولايات المتحدة حين كان وليًا للعهد عدة مرات، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1987قام بزيارة رسمية قابل خلالها الرئيس جورج بوش الأب.&
&
وبعد تولي جورج بوش الابن الرئاسة الأميركية، وجه دعوة للملك الراحل عبدالله، وكان ولي العهد آنذاك، لزيارة الولايات المتحدة، إلا أنه اعتذر عن قبول هذه الدعوة بسبب ما كان يعانيه الشعب الفلسطيني من الاعتداءات المتكررة من إسرائيل، وبسبب الموقف الأميركي المتساهل مع هذه الاعتداءات.
&
وبعد أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001، وقيام الحملة الإعلامية المنظمة ضد الدين الإسلامي والحكومة السعودية، توجه الملك عبدالله، وكان بعد وليًا للعهد، إلى أميركا بزيارة وصفت بالتاريخية.
&
المبادرة العربية
&
يتوافق المراقبون على أن الملك الراحل عبد الله كان قديرًا في موازنة المصالح السعودية من دون أن تبدو المملكة تابعًا للسياسة الأميركية، وفي الوقت ذاته&يحافظ على صلته المهمة بالولايات المتحدة.
&
تحملت هذه الصلة خلافات جدية في السنوات الأولى من إدارتي الرئيس جورج بوش الابن على وجه الخصوص، بسبب دعوته إلى تخفيف الاعتماد على النفط المستورد، وبسبب السياسية الأميركية في المنطقة، ورد فعل أميركا على الحرب اسرائيل على لبنان في 2006، والاعتداءات على قطاع غزة. والملك عبدالله لم يكن يرضى بأن يُنظر إلى الرياض وكأنها تقدم لواشنطن تأييدًا غير مشروط لما تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة، فأدان أعمال إسرائيل وطلب المجتمع الدولي التحرك سريعًا لوقفها عند حدها.
&
ولا ينسى العالم أن الملك عبد الله، وكان بعد وليًا للعهد، هو صاحب مبادرة العام 2002 التاريخية لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أعلنها في قمة بيروت العربية في شباط (فبراير) 2002، من خلال رؤية سعودية خالصة من دون تنسيق مع الأطراف الفلسطينية أو الأميركية.
&
غيوم ثانية
&
في الأعوام الخمسة الماضية، تلبدت الغيوم ثانية في سماء العلاقة بين واشنطن والرياض، لثلاثة أسباب، أولها الموقف الأميركي من فوضى الربيع العربي، خصوصًا أن الملك عبدالله كان الأسبق إلى استقراء الواقع، فأبدى منذ البداية تخوفه من تسلق الاسلاميين سلم الثورات الشعبية، ما يدفع بالعالم إلى أتون من التطرف، وهذا ما وصل إليه العالم اليوم.
&
كانت المخاوف السعودية في مكانها، وتسلق الإخوان المسلمون سدة الحكم، مع ما حمله هذا الصعود من عدم استقرار خليجي وشرق أوسطي. وحين قدم السعوديون الدعم للجيش المصري بعد عزله الرئيس الاخواني محمد مرسي، رأت الادارة الأميركية هذا مناقضًا لمصالحها. وهذا أوجد توترًا في العلاقة، لم تنجح زيارة أوباما إلى الرياض ولقائه الملك الراحل عبدالله في تخفيف وطأته.
&
تردد وتسرّع
&
أما السبب الثاني فكان التردد الأميركي في دعم الثورة السورية على نظام بشار الأسد، وهو التردد الذي حذرت منه السعودية حليفتها أميركا مرارًا، لأنه يترك فراغًا يستفيد منه المتطرفون، وهذا ما حصل.&
&
اما السبب الثالث، فكان تسرع أوباما&في عقد اتفاق مرحلي مع طهران، لإيجاد حل لمسألة برنامجها النووي، من دون العودة إلى حلفائه الاقليميين، وفي مقدمهم السعودية.
&
هذان السببان، إلى المسألة اليمنية، موروثان من الأزمة الماضية، التي يريد أوباما تجاوزها اليوم. لكن الرياض كانت وما زالت ثابتة على مواقفها، مع حرصها على حسن علاقاتها بواشنطن، على أن تسخر هذه العلاقات &
&
لمصلحة العرب والمسلمين، في المنطقة والعالم.