يقول خبراء إن تفجيرات سيناء الأخيرة تحمل بصمات استخباراتية دولية، هدفها عرقلة الإنتخابات البرلمانية المقبلة، والتأثير على المؤتمر الإقتصادي لدعم مصر، وإستنزاف البلاد وإسقاط الدولة.

القاهرة: في هجمات هي الأعنف من نوعها منذ سقوط 31 عسكريًا قتلى في نقطة بكرم القوادس في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، قتل نحو 26 عسكريًا مصريًا في هجمات بسيارات مفخخة وقذائف صاروخية على مقار عسكرية وأمنية في العريش والشيخ زويد بشمال سيناء الخميس.

عمليات متزامنة

وفقًا للتحريات والتحقيقات الأولية، فإن العمليات بدأت بعد حظر التجوال في حدود السابعة والنصف مساء الخميس. وجاء الهجوم الأول على مقر مديرية أمن شمال سيناء، بسيارة تحمل فنطاس مياه، يستخدم في المناطق الصحراوية لنقل المياه العذبة إلى المناطق النائية.

وكانت السيارة تحمل موادَّ متفجرة بدلًا من المياه. وبمجرد إقترابها من المقر، وعدم إمتثال قائدها للأوامر بالتوقف، أطلقت الحراسة العسكرية وابلًا من النيران عليها، فانفجرت فيهم. أحدث الإنفجار دويًا هائلًا، وتصاعدت ألسنة اللهب، ما أدى إلى تدمير بعض البنايات بالمقر، وسقوط العديد من القتلى والجرحى.

وفي التوقيت نفسه، تعرض مقر الكتيبة 101، التابعة للجيش المصري والمنطقة الأمنية بمنطقة السلام إلى هجمات بالطريقة نفسها، بالإضافة إلى قذائف الهاون. وبالتزامن مع هذه الهجمات، تعرضت مجموعة من الأكمنة على أطراف مدينة العريش لهجمات بالقذائف الصاروخية.

ولاية سيناء

أعلن تنظيم "أنصار بيت المقدس" مسؤوليته عن الهجمات، وقال التنظيم المصري الذي أطلق على نفسه اسم "ولاية سيناء"، بعد أن بايع أبا بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، إن "جنود الخلافة شنوا هجومًا موسعًا في مدن العريش والشيخ زويد ورفح"، مشيرًا إلى أنه تم استهداف الكتيبة 101 والمنطقة الأمنية بضاحية السلام بـ3 مفخخات.

أضاف البيان أن الهجوم شمل كمائن الغاز بجنوب وشرق العريش وكمائن البوابة - أبوطويلة - الجورة معسكر الزهور بالشيخ زويد، وكمائن الماسورة برفح.

بصمات خارجية

قال اللواء فؤاد حسين، مدير إدارة مكافحة الإرهاب الدولي بالمخابرات الحربية سابقًا، إن هذه الهجمات تشير إلى أن من يقفون وراءها عسكريون محترفون، وليس مجموعة من الإرهابيين الهواء.

وأوضح لـ"إيلاف" أن هذه الهجمات أتت بالطريقة نفسها التي وقعت بها الهجمات على النقطة العسكرية في كرم القواديس خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، "وهذه الهجمات جرى التخطيط لها من قبل عسكريين وأجهزة مخابراتية، وليست مجموعات إرهابية عادية".

ولفت حسين إلى أن هذه الهجمات الموسعة والمتزامنة تحتاج إلى معلومات دقيقة، ومراقبة للمواقع المستهدفة لفترات طويلة، بالإضافة إلى التخطيط الجيد، والتنفيذ الإحترافي، وتحمل بصمات أجهزة إستخباراتية خارجية، ومساعدات فنية عسكرية.

ونبّه حسين إلى أن ما يحدث لا يمكن وصفه إلا بأنها "حرب ضد الجيش والدولة المصرية"، منوهًا بأن الهدف هو اسقاط الدولة وإغراقها في الفوضى، لتكون نموذجًا آخر لسوريا وليبيا واليمن والعراق، حتى تظل إسرائيل هي الدولة الوحيدة القائمة بالمنطقة، فتفرض هيمنتها على الجميع.

اصطفاف وطني

تكرار الهجمات على المقار العسكرية، وإيقاع العشرات من القتلى، يشيران إلى وجود تقصير شديد في العمليات العسكرية، ويستلزم مراجعة الخطط الأمنية، وهو ما وضع التيار الشعبي بزعامة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي يده عليه، ودعا إلى الإصطفاف الوطني خلف الجيش، مع ضرورة محاسبة المقصرين. قال: "إننا في التيار الشعبي إذ ندرك أن الحرب ضد الإرهاب تستلزم اصطفافًا وطنيًا من كل أطياف الشعب المصري، نؤكد أن تحديد الأدوار والمسؤوليات عن الهجمات المتتالية أمر حتمي، لوقف نزيف دم جنودنا وضباطنا من أبناء القوات المسلحة والشرطة في سيناء".

كما دعا إلى ضرورة المصارحة بحقيقة الأوضاع في سيناء، وقال: "المكاشفة والمصارحة حول حقيقة الأوضاع في سيناء تصبح ضرورة واجبة لحشد التعبئة الشعبية اللازمة في مواجهة الإرهاب الذي يهدد كيان الدولة بأكملها".

لتحديد المسؤوليات

أضاف التيار في بيان تلقت "إيلاف" نسخة منه: "إن الهجمات الإرهابية الأخيرة، ومن قبلها واقعة اختطاف وقتل ضابط الشرطة الشهيد أيمن الدسوقي، فضلًا عن عشرات الهجمات والحوادث الإرهابية في الفترة الأخيرة، تطرح العديد من التساؤلات حول مدى فعالية الخطط الأمنية المتبعة لمواجهة الإرهاب الأسود في سيناء".

وطالب البيان رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتحديد الخلل والمسؤول عنه، وسرعة مراجعة الخطط الأمنية المتبعة لمواجهة الإرهاب في سيناء.

الاخوان هم السبب

يرى الخبير العسكري اللواء حسين عبد الرازق أن هذه الهجمات متوقعة، "لاسيما في ظل الدعم غير المحدود الذي تحظى به الجماعات "الإرهابية" في سيناء، من قبل دول وأجهزة استخباراتية".

وقال لـ"إيلاف": "تلك الجماعات استطاعت تكوين قوة عسكرية ضخمة، واستقطاب العديد من الخبرات من الخارج خلال فترة حكم الإخوان، ففي السنة التي حكم فيها الرئيس السابق محمد مرسي مصر كانت الجماعات الإرهابية تتحرك بحرية شديدة، وحصلت على ما تحتاج إليه من أسلحة متطورة من ليبيا، أو عبر الأنفاق من حماس، أو من السودان مرورًا بالصحراء الشرقية، ثم سيناء".

حرب طويلة

وأوضح أن الحرب على الإرهاب ليست سهلة، بل تتسم بالشراسة، وتحتاج إلى نفس طويل، "فالعدو يتخفى بين الناس، وربما يكون واحدًا منهم، وليس من السهل الوصول إليه، وأية دولة في العالم لا يمكنها توقع العمليات الإرهابية 100 بالمئة، ولا يمكنها أن توقف إنتحاريًا عن تفجير نفسه، وقيادة الجيش المصري تعمل على مراجعة الخطط العسكرية والأمنية بإستمرار في سيناء وغيرها من المناطق، وتجري عمليات تحقيق ومحاسبة داخلية، إلا أن ذلك في سرية، ولا يمكن الإعلان عنها".

ولفت عبد الرازق إلى أن الهدف هو تدمير قدرات الجيش المصري، وإضعاف معنويات جنوده، وعرقلة الإنتخابات البرلمانية المقبلة، وإرسال صورة سيئة عن مصر للخارج قبل إنعقاد المؤتمر الإقتصادي لدعم مصر.

بث الرعب

ويرى محمود البدوي، رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، أن تصاعد أعمال العنف والتفجيرات واستهداف الأفراد والقوات والمنشآت بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الماضي في العديد من المحافظات المصرية، وفي الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، يؤكد أن هناك من يريد بث الرعب في النفوس في مختلف المحافظات المصرية، خصوصًا مع اقتراب موعد إنعقاد المؤتمر الإقتصادي الدولي الذي تنظمه مصر في آذار (مارس) القادم، والذي يعقبه الإستحقاق الإنتخابي الهام بإنتخاب البرلمان الجديد، الحلقة الثالثة في خارطة الطريق المصرية.

أضاف البدوي في تصريح صحفي: "تحقيق هذه الإستحقاقات السياسية الإقتصادية أمر ترفضه جماعات الإرهاب والشر، وترفض نجاحه، لما يمثل من إنتصار ودعم للإرادة الشعبية المصرية التي تجلت في ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، وتأكيد زوال دولة الإخوان الإرهابية بشكل نهائي".
&