أثّرت الصراعات الداخلية في الأحزاب المغربية على إعلامها، فتراجع بريقه لصالح الاعلام المستقل، الذي بدأ يدعم أسسه ومراكزه على ساحة القراءة في المغرب.

أيمن بن التهامي من الرباط: تحمّلت الصحافة الحزبية في المغرب لسنوات طويلة عبء صناعة الرأي العام وتوجيهه وتعبئته، عندما كانت المكونات السياسية الناطقة باسمها تصطف في المعارضة. غير أن ما جناه هذا الإعلام طيلة هذه السنوات دفع ثمنه باهظًا، بعد أن اختارت الأحزاب خوض تجربة تسيير الشأن العام، ما فسح المجال أمام الصحافة المستقلة التي وظفت الانفتاح على أكثر من فكر والتحرر من قيود التحزب والتسييس وتطوير الأساليب التحريرية وإغراءات التكنولوجيا الحديثة، لتطوي بذلك صفحة صحافة حزبية باتت تحتل مراتب متدنية جدا في قائمة الصحف الأكثر مبيعًا.

الصراعات الداخلية

حكمت معطيات مختلفة على تراجع تأثير الصحف الحزبية، لكن المسؤولية الأكبر تلقى على عاتق الصراعات الداخلية التي كانت أول مسمار يدق في نعش هذا الإعلام.

يقول سراج الضو، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الفدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية: "هذه الصحف دفعت ضريبة صراعات التيارات داخل المكونات السياسية الممثلة لها، وضريبة مشاركة أحزاب في تسيير الشأن العام منذ حكومة التناوب الأولى".

كما أنها، بحسب ما يوضح الضو لـ "إيلاف"، دفعت ضريبة عدم وضع استراتيجية لتنميتها وتنمية خطها التحريري، إلى جانب تبعيتها الكاملة للأحزاب، "فهذه الصحف تابعة كليا للأحزاب، ورئيس الحزب هو الذي يعين مدير الجريدة، بينما نجد في أوروبا صحفا تدافع عن وجهة نظر مكونات سياسية اشتراكية أو يسارية أو يمينية، وهي ليست تابعة عضويًا للحزب".

اضاف الضو: "الإعلام الحزبي كان له إشعاع كبير في الستينات إلى حدود نهاية القرن الماضي، إذ كان وسيلة المغاربة للتعرف على الأخبار ونشاط الأحزاب الوطنية"، مبرزًا أن الجرائد الحزبية كانت مدارس، لكن لم تكن مكونة من صحافيين، بل أغلب من كان يشتغل فيها كانوا أساتذة ومعلمين ومتطوعين.

الرعيل الأول

من جهته، أكد عبد اللطيف فدواش، عضو المجلس الوطني الفدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن الصحافة الحزبية في المغرب لعبت دورًا كبيرًا في الإعلام، حين كانت تتسيد الميدان لوحدها تقريبًا، "إذ ظلت جريدة (العلم)، الناطقة باسم حزب الاستقلال، و(المحرر) التي أوقفتها الدولة عن الصدور بسبب مواقفها، والتي عوضتها (الاتحاد الاشتراكي)، تتصدران المبيعات، خصوصًا جريدة الاتحاد الاشتراكي، قبل أن تظهر صحف أخرى ناطقة باسم الأحزاب صمد بعضها لسنوات، مثل رسالة الأمة (الاتحاد الدستوري)، والحركة (الحركة الشعبية)، فيما اختفت عناوين كثيرة أهمها جريدتا (أنوال) التابعة لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي (الحزب الاشتراكي الموحد حاليًا)، التي توقفت بقرار من المحكمة بعد موقف المنظمة من دستور 1996، والميثاق الوطني (التجمع الوطني للأحرار) بسبب ضائقة مالية، و(المسار) و(الطريق) الناطقتان باسم حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وتوقفت الأولى بسبب المنع والثانية لظروف مالية)".

يقول فدواش، الذي خاض تجربة العمل في صحيفة حزبية قبل أن يعمل في منابر أخرى مستقلة، لـ"إيلاف": "الصحافة الحزبية كانت منابر لنشر بلاغات وأنشطة الحزب ومواقفه، والقليل من الأخبار،& هيئات من المناضلين الذين تحولوا من وظائفهم في التعليم إلى صحافيين، وكانوا الرعيل الأول من الصحافيين في المغرب، قبل أن يلتحق جيل من خريجي الكليات، وفي ما بعد خريجي المعهد العالي للصحافة، ومعاهد الصحافة الخاصة".

معركة الإعلام

فتح الصراع بين قيادات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المعارضة) على إدارة إعلام الحزب (جريدتا الاتحاد الاشتراكي وليبراسيون) جرح الإعلام الحزبي، الذي بات يتخبط في مجموعة من المشاكل زادت من تراجع تأثيره في الساحة المغربية.

ورغم أن الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، حاول وضع عبد الهادي خيرات أمام سياسة الأمر الواقع بتكليف القيادي لحبيب المالكي بإدارة الجريدتين، إلا أن "معركة الإعلام" ما زالت تعد بمفاجآت، على اعتبار أن خيرات يرفض التنازل ويصر على تسليم الجريدتين إلى مجلس إداري يضم "المؤتمنين" على الحزب، بحسب ما أكده في تصريحات إعلامية.

وقال عبد الهادي خيرات، المسؤول الإداري والقانوني عن الجريدتين، لـ "إيلاف": "هذا الموضوع سيفصل فيه القانون"، مؤكدًا أن لمثل هذه الصراعات تأثيرا كبيرا على الإعلام الحزبي.

واتصلت "إيلاف" بقيادات في الاتحاد الاشتراكي، محسوبة على تيار إدريس لشكر، للوقوف على رأيها، غير أنها فضلت تجنب الحديث في الموضوع.

مكاسب الصحافة المستقلة

استفادت الصحف المستقلة من تراجع الحزبية وكسبت جمهورًا عريضًا، لتتربع بذلك على عرش مبيعات الجرائد الورقية. وأكد الضو أنه في أواخر القرن الماضي وبداية القرن العشرين، تبلورت مدرسة الصحافة المستقلة، التي خرجت من رحم الصحافة الحزبية، وقال: "الصحافة المستقلة المكتوبة نشيطة جدًا، لكنها صحافة تشبه القفة، توجد فيها جميع الخضر، وتريد إرضاء جميع الأذواق، وهذا مستحيل، لذا في المغرب ما زلنا نفتقد صحافة مستقلة حرة ونزيهة".

أما فدواش فقال إن الصحافة الحزبية لم تتغير إلا بعد بروز صحافة مستقلة "صفراء، كانت عبارة عن صحافة الجرائم والفضائح، وكانت مرفوضة من صحافة الأحزاب، ومنعتها من الانخراط في النقابة الوطنية للصحافة المغربية".

حلم

لكن تطور الصحافة الحزبية، يضيف فدواش، أتى في التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، بعد ظهور صحافة مستقلة، بفضل مقاولات بسطت نفوذها على الإعلام وحررته من الحزبية، فبدأت الصحف التقليدية تسير على الخطى نفسها للبقاء في الساحة.

ورغم أن هذه الصحف الحديثة النشأة تتصدر سوق المبيعات في المملكة، يشرح عضو المجلس الوطني الفدرالي للنقابة الوطنية للصحافة في المغرب، فإنها لم تستطع الرقي بالجانب المهني ووضعية صحافييها، إذ لا ترقى إلى المستوى المطلوب على المستوى المادي، رغم استفادتها من دعم الدولة.

يقول فدواش: "تبقى& الاستقلالية في الصحافة المغربية حلمًا صعب التحقق، في ظل سيطرة لوبيات اقتصادية وسياسية وأحيانا مخزنية (الدولة العميقة) على سوق الإعلام، كما أن التحكم في الإشهار يجعل الصحافة المغربية بعيدة عن الاستقلالية، إذ إن بعض المؤسسات الكبرى التي تغرق السوق بإشهاراتها محرم النبش في سلبياتها".

احتضار بالأرقام

تفيد المعطيات التي تتعلق بمبيعات الصحف أن مجمل مبيعات جريدة مستقلة تفوق أضعاف مبيعات الصحف الناطقة بأسماء الأحزاب السياسية مجتمعة.

فحسب آخر تصنيف لـ "لجنة التحقق من انتشار الصحف"، والمتعلق بمبيعات 2013، فإن يومية "المساء" حافظت على الصدارة في ترتيب الجرائد الأكثر قراءة، بمعدل 81,111 نسخة يوميًا، متبوعة بيومية "الأخبار" التي لم تتجاوز السنة والنصف في المنافسة في المرتبة الثانية بمعدل 63,430 نسخة، و"الصباح" في المركز الثالث بمعدل 57,871 نسخة، تليها جريدة "أخبار اليوم" بمعدل 24,687 نسخة، في حين أن الجرائد الحزبية لا يتجاوز توزيعها اليومي 10 آلاف نسخة.

مقترح لرفع المبيعات

لم تسلم الصحافة الحزبية ولا حتى المستقلة من تراجع معدلات القراءة، وهو ما دفع نوابا برلمانيين إلى التقدم بمقترح قانون جديد يرمي إلى إحداث صندوق لدعم توزيع الصحف المغربية، التي تعاني ضعفًا كبيرًا في المبيعات.

المقترح الذي تقدم به الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في البرلمان يتوخى رفع حجم مبيعات الصحف الوطنية ليصل إلى مليون نسخة يوميًا.

ويستند الصندوق، الذي سيكون خاضعًا لوصاية الحكومة، في شخص وزير الاتصال، في تمويله على انخراطات الصحف الوطنية التي يتم تحصيلها مرة واحدة في السنة.

&صحف المغرب

تذكيرًا، الصحف المغربية المستقلة هي المساء، الأخبار، الصباح وليكونوميست (باللغة الفرنسية)، أخبار اليوم، الأحداث المغربية، النهار المغربية، العاصمة، وأوجوردوي لوماروك، ليزيكو (بالفرنسية ومختصة في الاقتصاد والمال)، ولافي إيكو (بالفرنسة مختصة في المجال نفسه).

أما الصحف الحزبية فهي: الاتحاد الاشتراكي وليبراسيون بالفرنسية (ناطقتان باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، العلم ولوبنيون بالفرنسية (ناطقتان باسم حزب الاستقلال)، بيان اليوم والبيان بالفرنسية (ناطقتان باسم التقدم والاشتراكية)، التجديد (ناطقة باسم العدالة والتنمية)، الحركة (ناطقة باسم الحركة الشعبية)، رسالة الأمة (ناطقة باسم الاتحاد الدستوري)، والمنعطف (ناطقة باسم حزب جبهة القوى الديمقراطية).

وهناك صحيفتا الصحراء المغربية ولوماتان بالفرنسية شبه الرسميتين، وتصدران عن مؤسسة ماروك سوار.