كثيرة هي التحليلات التي قاربت الدخول الروسي إلى سوريا والمنطقة بعد غياب طويل، البعض ذهب إلى حد القول أن "القيصر" الجديد يريد أن يُثبت، للداخل والخارج، قدرته الإستثنائية في المحافظة على النفوذ الناعم لروسيا في كل المواقع، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط وما يُعرف بــ "الهلال الخصيب"، فيما يرجح آخرون أن هذا الدور المستجد يعود لأسباب متعددة، ليس أقلها الضعف الواضح في سياسة واشنطن الخارجية تجاه جميع الملفات، وتحديداً ملفات المنطقة، بالإضافة إلى عوامل حساسة ودقيقة جعلت الدخول الروسي العسكري أمرًا لا بد منه للمحافظة على نفوذها وعلى مؤطئ قدمها في المياه الدافئة وضفاف المتوسط.

في مقاربة هذا التطور وهذه الإندفاعة الروسية المستجدة، يتبيّن بأن شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم كان حافلًا بالتطورات السياسية والعسكرية والأمنية لروسيا في مختلف دول المنطقة، وشكّل البداية الملحوظة للمتحرك المستمر حتى الساعة. وهنا، على سبيل المثال لا الحصر، نستعرض بعضًا من الحركة الروسية المستجدة. ففي 10 أيلول/ سبتمبر أعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أن السودان وجنوب السودان مهتمان باستخدام موسكو ساحة للحوار بينهما، وفي 24 أيلول/ سبتمبر أعلن المتحدث باسم الكرملين أنه تم الاتفاق على بعض النقاط في تعاون روسيا مع إسرائيل بشأن سوريا. وأيضًا، قال مسؤول عراقي كبير في السابع والعشرين من الشهر نفسه أن بلاده "ستتعاون استخباراتياً وأمنياً مع روسيا لمواجهة التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ضمن اتفاق قد يثير مخاوف واشنطن".

بالإضافة إلى ما تقدم، دخلت روسيا بقوة على خط النار في سوريا وبدأت مقاتلاتها الحربية بقصف بعض المواقع التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ولبعض الفصائل المعارضة للنظام السوري, آخر الأخبار تتحدث عن 60 طلعة جوية خلال 72 ساعة وعن ضرب 50 هدف تابع لتنظيم داعش، فيما تحدّت مسؤول كبير في رئاسة الأركان الروسية عن تحذير وجهته بلاده للولايات المتحدة الأميركية بهدف وقف طلعاتها الجوية في المناطق التي يعمل فيها سلاح الجو الروسي.

في المقابل، تتعزز الخشية الشعبية داخل روسيا من استعادة التجربة الأفغانية عبر حروب إستنزاف طويلة مع بعض الفصائل المتطرفة، هذه الخشية عبّر عنها المدون الروسى “روسلان ليفيف” في تقريره عن الجنود الروس فى سوريا معتبراً بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخوض مغامرة عسكرية تنطوي على قدر كبير من المخاطرة، مؤكداً بأن الأمور لن تسير على ما يرام، وبالتالي ستكون روسيا أمام حرب جديدة تشبه الحرب السوفياتية التي دامت عقدًا من الزمن في أفغنستان.

"ليفيف" إعتبر أن الرئيس بوتين يتعامل مع المتحرك السوري إنطلاقًا من إستعراض القوة الروسية في منطقة الشرق الأوسط لا سيّما وأن الفرصة سانحة أمامه للنيل من واشنطن عبر دعم الرئيس السوري بشار الأسد، ناهيك عن تلميع صورته في الداخل باعتباره زعيمًا قويًا وقادرًا على مقارعة بلاد العم سام.

وأضاف: "بوتين يجعل من سوريا قضية محورية لأنه يحتاج إلى رواية جديدة لحشد دعم الرأى العام لا سيّما وأن الشعور بالبهجة الذي خلفّه حراك ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا قد بدأ يتلاشي ولا بد من إستبداله بقضية جديدة"، مؤكداً بأن إستطلاعات الرأي توضح زيادة متعاظمة للقلق الشعبي حيال الوضع الإقتصادي في الوقت وفي المدى المنظور.

الكاتب أكد أن المغامرة العسكرية فى روسيا أكثر خطورة من نظيرتها فى شبه جزيرة القرم، مستحضرًا آخر استطلاع أجرته وكالة “فتسيوم” الرسمية والذي اتضح فيه أن 77% من الشعب الروسي لم يؤيد القيام بعملية عسكرية فى سوريا.&