من منا لم يسمع بهنري كيسنجر إنه مثال السياسي والدبلوماسي الأميركي الذي تمكن من التلاعب بالعالم لسنوات، هذا كتاب جديد يصفه بالرجل المثالي.

غاندي المهتار: لا أحد يجترح الآراء مثل هنري كيسنجر. حين كان هذا السياسي مستشارًا للأمن القومي ثم وزيرًا للخارجية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، كان نجمًا إعلاميًا لكن زملاءه السابقين في جامعة هارفارد تبرأوا منه.

في عام 1973، حصل على جائزة نوبل للسلام، بينما رأى البعض، مثل كريستوفر هيتشنز، أنه يستحق أن يحاكم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. إلا أن كيسنجر نال تكريمًا كبيرًا، ووصف بأنه أفضل دبلوماسي أميركي في القرن العشرين. ومع ذلك، بعد تركه منصبه في عام 1977 وكان بعد في الثالثة والخمسين، لم يثق به رئيس أميركي أبدًا، ولم يتبوأ منصبًا من المناصب العليا.

ثلاثة استنتاجات

في كتابه "كيسنجر: المثالي"، يعتمد نيل فيرجسون على ثلاثة استنتاجات في تحليل شخصية هذا السياسي الأميركي. الأولى، يستحق كيسنجر قبل أن يكون رجل دولة جزءًا خاصًا بذاته، إذ ينحدر من بافاريا التي كانت موئل النازيين، حيث تعرض والده اليهودي للاضطهاد. فيرغسون يمضي قدمًا في وصف تطور كيسنجر الفكري بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال رسائل ومقالات وكتب تحليلًا منطقيًا للجغرافيا السياسية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، بما في ذلك مستنقع فيتنام والصراع مع روسيا السوفياتية على برلين وكوبا. وهذا يؤدي إلى ثاني استنتاجات فيرجسون: كيسنجر مهم بسبب أفكاره. ولهذا قرأ فيرجسون أعمال كيسنجر بعناية كبيرة، ليعي فكر الرجل، وليعرف أنه مكيافيليّ جدًا.

فكسينجر كان يظهر للسياسيين وجهًا تراجيدياً، وكان مجبرًا على الاختيار بين خيارات أحلاها مر. فالقرارات الأفضل أن تتخذ مبكرًا، قبل أن تتلاشى الخيارات. وتكمن التراجيديا في أن لا أحد يقدّر فداحة الخسائر التي كانت ستقع لولا تمكن رجال من تجنب الكوارث اليومية. وهذا يؤدي إلى الاستنتاج الثالث: يفكر فيرغسون في أن الرجل الذي أدى دورًا مهمًا جدًا في الحرب الأميركية السوفياتية الباردة كان مثاليًا... وكانت مهمته الصعبة أن يقنع قارئ كتابه.

مبادئ أخلاقية

بالنسبة إلى أغلب الناس، المثالي رجل يقف صلبًا إلى جانب المبادئ الاخلاقية. وهذا التعبير مرتبط في السياسة الخارجية بمفهوم ويدرو ويلسون عن ربط القوة بالقوانين الدولية. وهذا التفسير ليس واضحًا على الدوام، لذا يلقي فيرغسون ادعاءاته عن المثالية الكيسنجرية على وهم كبير للفلسفة الأخلاقية التي ابتدعها المفكر إيمانويل كانط. فهو يفوز في سجال "المثالية" بتحويلها إلى ما لا يرضي العلماء ولا ينفّرهم في الوقت عينه.

والمثير في هذا الكتاب فصول يتكلم فيها المؤلف عن المبادئ التي تمسك بها كيسنجر في صراعه مع البراغماتيين، خصوصًا في حربه الشعواء على الشيوعيين في أوروبا الشرقية، بالرغم من إيمانه بأن الشيوعية لا تبتعد عن المساواة. إلا أن فيرغسون عجز عن التعبير عن أن حرية كيسنجر وتصميمه لم تكن مبادئ يقدسها كيسنجر، بل كانت مجرد أدوات وفرتها الثقافة السياسية الأميركية بمواجهة الشيوعية الثورية.